صيحة في «تيك توك» تنعش مبيعات الكتب

«بوك توك»... مقاطع فيديو حول روايات معروفة تستولي على اهتمام الناشرين

ميريل وشقيقتها إيلودي أطلقتا «ألايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع (نيويورك تايمز)
ميريل وشقيقتها إيلودي أطلقتا «ألايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع (نيويورك تايمز)
TT

صيحة في «تيك توك» تنعش مبيعات الكتب

ميريل وشقيقتها إيلودي أطلقتا «ألايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع (نيويورك تايمز)
ميريل وشقيقتها إيلودي أطلقتا «ألايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع (نيويورك تايمز)

صدر كتاب «كنا كاذبين» عام 2014 لذلك، عندما رأت مؤلفة الكتاب، إي. لوكهارت، أنه عاد إلى قائمة أفضل الكتب مبيعاً الصيف الماضي، تملكها شعور بالفرحة والحيرة.
وعن ذلك، قالت: «لم تكن لدي أدنى فكرة عما يحدث». وهنا تدخل أطفالها لإمدادها بحل اللغز: السبب «تيك توك».
بوجه عام، يشتهر تطبيق «تيك توك» بنشر الفيديوهات القصيرة حول مختلف الأشياء من خطوات الرقص ونصائح بخصوص الموضة وتعليم الطهي ومقاطع طريفة، الأمر الذي جعله يبدو وجهة غير محتملة للمهتمين بعالم الكتب. ومع ذلك، نجحت فيديوهات تولى إعدادها في الغالب فتيات في سن المراهقة والعشرينات من العمر في الهيمنة على نطاق متنام تحت هاشتاغ «بوك توك»، حيث يوصي المستخدمون بكتب، ويسجلون مقاطع لأنفسهم وهم يقرأون أو يبكون أمام الكاميرا بعد الانتهاء من قراءة كتاب نهايته حزينة.
وبدأت هذه الفيديوهات في دفع عجلة بيع الكثير من الكتب، والتي يشعر مؤلفوها بدهشة بالغة بالاهتمام المفاجئ بها بقدر دهشة الجميع.
من جهتها، قالت ميريل لي، 15 عاماً: «أرغب في أن يشعر الناس بما أشعر به. في المدرسة، لا يبدي الآخرون اهتماماً كبيراً بالكتب، وهو أمر يضايقني كثيراً». يذكر أن ميريل وشقيقتها، إيلودي، 13 عاماً، أطلقا حساب «إيه لايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير (شباط)، ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع.
من جهتها، خصصت الكثير من منافذ مكتبات «بارنز آند نوبل» عبر أرجاء الولايات المتحدة طاولات عرض تحمل لافتة «بوك توك»، والتي تعرض كتباً مثل «كلاهما يموت في النهاية» (زي بوث داي آت ذي إيند) و«الأمير القاسي» (ذي كرويل برينس) و«حياة صغيرة» (إيت ليتل لايف) وغيرها والتي لاقت رواجاً كبيراً عبر «تيك توك». ومع ذلك، لا توجد طاولات مشابهة ترتبط بتطبيق «إنستغرام» أو «تويتر»، نظراً لأن أيا من شبكتي التواصل الاجتماعي لا يبدو أنها تروج للكتب بذات القدر الكبير الذي يحققه «تيك توك».
في هذا الصدد، قالت شانون ديفيتو، مديرة شؤون الكتب لدى «بارنيز آند نوبل»، إن مصنعي هذه الفيديوهات لا يهابون التعبير علانية عن تأثرهم العاطفي بالكتب «التي تجعلهم يبكون وينتحبون أمام الكاميرا أو يصرخون أو يتملكهم شعور بالغضب يدفعهم لإلقاء الكتاب عبر الغرفة، ومن خلال ذلك الفيديو العاطفي للغاية الذي تبلغ مدته 45 ثانية يرتبط الناس بالكتاب. لم نشهد مثل هذا النمط من المبيعات الجنونية ـ أعني بيع عشرات الآلاف من النسخ شهرياً ـ بفضل صور أخرى من أدوات التواصل الاجتماعي».
من ناحية أخرى، بدأت الأختان لي، اللتين تعيشان في برايتون بإنجلترا، في صنع فيديوهات عبر «تيك توك» بسبب شعورهما بالملل لبقائهما في المنزل أثناء فترة الجائحة. وتبدو الكثير من المنشورات الخاصة بهما أشبه بأفلام شديدة القصر، حيث تتحرك الصور سريعاً عبر الشاشة على خلفية موسيقية.
على سبيل المثال، خلال فيديو عرض كتاب «الأمير القاسي»، ترى الغلاف الورقي للكتاب على الشاشة، ثم سيدة تمتطي ظهر جواد، وترى كأساً دموية ثم قلعة فوق شجرة ـ وتظهر كل صورة لجزء من الثانية، بينما تستمع إلى أغنية بيلي إيليش «ينبغي أن تراني وأنا أرتدي تاجاً» في الخلفية. وينتهي الأمر برمته في غضون 12 ثانية تقريباً فحسب، ليترك ذلك لديك شعوراً قوياً بالكتاب، لكن دونما أن تتمكن من معرفة سوى القليل للغاية من أحداثه. أما الفيديو الذي عرض مقتطفات من كتاب «كنا كاذبين»، فحظي بأكثر عن 5 ملايين مشاهدة.

الناشرون يلحقون بالركب
وفيما يخص الغالبية العظمى لفيديوهات «تيك توك»، نجد أنه يجري نشرها من جانب قراء صغار في السن ومتحمسين. أما فيما يتعلق بالناشرين، فقد جاء هذا بمثابة دفعة غير متوقعة لهم: ذلك أن صناعة تعتمد على شغف الناس بالكلمة المكتوبة تحصد اليوم منفعة كبيرة من وراء تطبيق رقمي جرى تصميمه من أجل تبادل مواد لا تستحوذ على الاهتمام سوى لفترات قصيرة للغاية. اليوم، بدأ الناشرون في اللحاق بالركب، وذلك من خلال الاتصال بأصحاب الأعداد الكبيرة من المتابعين لعرض إمدادهم بكتب مجاناً أو دفع أموال لهم مقابل الإعلان عن كتب تخص الناشرين. (حصلت الأختان لي على كتب من مؤلفين، لكن لم تتصل بهما أي دور نشر بعد ولم تحصلا على أموال مقابل منشوراتهما عبر تيك توك).
في سياق متصل، من الواضح أنه لدى الكثير من مستخدمي «تيك توك» المشهورين استراتيجيات لتعزيز أعداد المشاهدات. وفي إطار ذلك، فإنهم قد يستخدمون أغاني في الخلفية من بين تلك الأغاني التي تلقى رواجاً بالفعل عبر «تيك توك»، وربما يلجأون لاستخدام أداة التحليل في «تيك توك» للتعرف على الوقت الذي تحقق خلاله منشوراتهم أفضل أداء ومحاولة طرح فيديوهاتهم تبعاً لجدول زمني منتظم. ومع ذلك، يبقى من الصعب توقع أي الفيديوهات ستحقق انتشاراً كبيراً.
على سبيل المثال، قالت بولين جوان، طالبة، 25 عاماً: «الأفكار التي يستغرق مني التوصل إليها 30 ثانية تبلي بلاءً جيداً للغاية، بينما الأخرى التي أعمل عليها لأيام أو ساعات، فإنها تخفق تماماً». وأضافت أنها تشعر بأنها «أكبر قليلاً» عن الكثير من المشاركين في هاشتاغ «بوك توك»، واستطردت بأنه: «بعض أكثر الفيديوهات شعبية تدور حول الكتب التي تجعلك تبكي! إذا بكيت أمام الكاميرا، فسيرتفع معدل مشاهداتك».
من ناحية أخرى، من الملاحظ أن غالبية الكتب المفضلة تبعاً لهاشتاغ «بوك توك» سبق وأن حققت مبيعات جيدة لدى نشرها للمرة الأولى، علاوة على أن بعضها حاز على جوائز مثل رواية «ذي سونغ أوف أكيليس» التي نالت جائزة «أورانج» عن الأعمال الخيالية لعام 2012. وهي واحدة من الجوائز العريقة بهذا المجال. وتعيد الرواية سرد الأسطورة الإغريقية عن آخيل. أما نهايتها، فليست بالسعيدة. وخلال فيديو طرحته عبر «تيك توك»، قالت إيمان تشودهري، 20 عاماً، من شيكاغو: «هذا يومي الأول في قراءة (ذي سونغ أوف أكيليس)»، بينما كانت ترتدي غطاءً للرأس ويحمل وجهها ابتسامة واسعة. وظهرت في لقطة جديدة تقول: «وهذه أنا بعدما انتهيت من قراءته»، بينما حملت الشاشة بالأسفل صوراً لنحيب وعويل. وشوهد هذا الفيديو أكثر عن 150 ألف مرة، ولا تتجاوز مدته سبع ثوان. وقد حقق هاشتاغ «ذي سونغ أوف أكيليس» أكثر عن 19 مليون مشاهدة عبر «تيك توك».
من جهتها، علقت مؤلفة الكتاب، مادلين ميلر، على ذلك قائلة: «أتمنى لو كان باستطاعتي إرسال شوكولاته لهم جميعاً!».

«كتب ستجعلك تبكي»
نشرت رواية «ذي سونغ أوف أكيليس» عام 2012 وحققت مبيعات جيدة، لكن ليس بالمستوى الذي تحققه في الوقت الحالي. وتبعاً لموقع «إن بي دي بوك سكان» المعني بمتابعة مبيعات الكتب المطبوعة لدى معظم منافذ التجزئة داخل الولايات المتحدة، فإن «ذي سونغ أوف أكيليس» تبيع قرابة 10 آلاف نسخة أسبوعياً، ما يعادل قرابة تسعة أضعاف مبيعات الرواية عندما فازت بـ«جائزة أورانج» رفيعة المستوى. ويحتل الكتاب المركز الثالث بقائمة أفضل الكتب مبيعاً التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن فئة النسخ الورقية للأعمال الأدبية الخيالية.
من جهتها، علقت ميريام باركر، نائبة رئيس والناشرة لدى دار «إكو» التي نشرت «ذي سونغ أوف أكيليس»، قائلة إن الدار شهدت ارتفاعاً كبيراً في المبيعات في التاسع من أغسطس (آب)، لكنها لم تتمكن من التعرف على السبب وراء ذلك. وفي نهاية الأمر، نجحت في اقتفاء أثر هذا الرواج المفاجئ للكتاب وصولاً إلى فيديو نشر في الثامن من أغسطس عبر «تيك توك» تحت عنوان «كتب ستجعلك تبكي» من جانب حساب بعنوان «مون غيرل ريدس». اليوم، حقق هذا الفيديو، الذي يتضمن كذلك كتاب «كنا كاذبين»، قرابة 6 ملايين مشاهدة.
أما ميلر، التي وصفت نفسها بأنها «تتفاعل بالكاد عبر (تويتر)، فأكدت أنها لم تعلم بأمر فيديوهات «تيك توك» حتى شرح لها مسؤولو دار النشر التي تتعاون معها الأمر. وقالت: «على أفضل تقدير، شعرت أنني عاجزة عن الكلام. هل هناك أفضل للكاتب عن رؤية الناس يعتزون بكتاباته؟». أما الشخص القائم خلف حساب «مون غيرل ريدس» فهو سيلين فيليز، 18 عاماً، من لوس أنجليس، والتي انضمت إلى «تيك توك» العام الماضي، بينما كانت تنهي دراستها الثانوية عبر تطبيق «زووم». وقالت إنها صنعت فيديو «كتب ستجعلك تبكي» لأن أحد المعلقين سألها عن توصياتها للكتب التي يمكن أن تدفع المرء للنحيب. وقالت فيليز، التي يتابعها أكثر عن 130 ألف شخص عبر «تيك توك»، إن دور النشر ترسل لها في الوقت الحاضر كتباً مجانية قبل طرحها بالأسواق، بحيث تتمكن من نشر فيديوهات عنها. كما أنها بدأت في نشر فيديوهات تدفع دور النشر مقابلاً مادياً لها.
وتجري هي وقرابة عشرين آخرين من مستخدمي «تيك توك» محادثات مستمرة عبر «إنستغرام» والذين تواصلت معهم دور نشر وتدفع لهم مقابلاً مادياً. وتتراوح الأموال التي تدفعها دور النشر ما بين بضعة مئات إلى بضعة آلاف من الدولارات عن كل منشور.
من ناحيته، قال جون أدامو، رئيس شؤون التسويق داخل «راندوم هاوس لكتب الأطفال»، إنه يتعاون في الوقت الحاضر مع حوالي 100 من مستخدمي «تيك توك». وقال إنه بمجرد انطلاق اسم كتاب معين عبر «تيك توك»، يمكن لآلة النشر أن تبدأ في الوقوف خلفه. وإذا ما انضم كتاب ما لقائمة أفضل المبيعات، فإن هذا الأمر بدوره يؤدي لمزيد من المبيعات، إلا أنه من دون «تيك توك» «لم نكن لنتحدث الآن عن كل هذا».
* خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

إعلام مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية مساعدة في الإعلام، بل بات اليوم شريكاً فعلياً في صياغة الخبر، وتحرير المحتوى، بل تشكيل الانطباعات عن الأشخاص والشركات.

إيلي يوسف (واشنطن)
الخليج من اجتماع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن «مجلس التنسيق السعودي - القطري» في الدوحة الخميس (واس)

مباحثات سعودية - قطرية لتعزيز التعاون الإعلامي

بحث سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي مع الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، سبل تعزيز وتطوير آليات التعاون والشراكة الإعلامية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي يلتقي رئيس صحيفة الشعب الصينية بالتزامن مع افتتاح مكتبها الإقليمي في الرياض (الوزارة)

صحيفة الشعب الصينية تفتتح مكتبها الإقليمي في الرياض

افتتحت صحيفة الشعب الصينية مكتبها الإقليمي في الرياض، ليُمثِّل جسراً للتواصل الثقافي والتبادل الإعلامي والمعرفي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون تُوِّجت «مانجا العربية» بجائزة التميز لتطويرها محتوى رقمياً يعزّز تجربة القراءة بأساليب عصرية (واس)

«معرض الرياض للكتاب 2025» يختتم فعالياته بتوزيع «جوائز التميز»

توَّج معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 شركة «مانجا العربية»، التابعة لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)»، بجائزة التميز في النشر عن فئة المنصات الرقمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق لمى الصبّاح تعد بسنّ قوانين للحدّ من ظاهرة التنمّر (الصبّاح للإنتاج)

«الصبّاح للإنتاج» تُطلق «بودكاست من أجل قضية» لمكافحة التنمّر

«بودكاست من أجل قضية» سيُصوَّر في أكثر من بلد عربي، فيُسلّط الضوء على معاناة شخصيات معروفة في السعودية، والإمارات، وبلاد المغرب.

فيفيان حداد (بيروت)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».