التطعيم بلا إجراءات احترازية لا يكفي للسيطرة على الوباء

دراسة بريطانية حذرت من الإفراط في التفاؤل

مواطن ينتظر دوره للحصول على لقاح ضد «كوفيد – 19» في كراتشي بباكستان أمس (رويترز)
مواطن ينتظر دوره للحصول على لقاح ضد «كوفيد – 19» في كراتشي بباكستان أمس (رويترز)
TT

التطعيم بلا إجراءات احترازية لا يكفي للسيطرة على الوباء

مواطن ينتظر دوره للحصول على لقاح ضد «كوفيد – 19» في كراتشي بباكستان أمس (رويترز)
مواطن ينتظر دوره للحصول على لقاح ضد «كوفيد – 19» في كراتشي بباكستان أمس (رويترز)

من غير المرجح أن يحقق تطعيم جميع البالغين في المملكة المتحدة مناعة القطيع واحتواء الفيروس بالكامل، وهو ما يقتضي الالتزام بالإجراءات الوقائية وعدم التخلي السريع عنها بعد اكتمال حملات التلقيح.
هذه الرسالة التي جاءت في دراسة لجامعة «وارويك» نُشرت في 19 مارس (آذار) الجاري بمجلة «ذا لانسيت إنفيكشن ديسيس»، وكررها إقليم «شرق المتوسط» بمنظمة الصحة العالمية، في بيان أصدره مساء أول من أمس، رغم أن معدلات التلقيح ببلدان الإقليم أقل بكثير من الوضع في بريطانيا.
ويقول مات كيلينغ، من جامعة وارويك بالمملكة المتحدة، والباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة: «تشير نتائجنا إلى أنه من غير المرجح أن توقف إجراءات تطعيم البالغين وحدها انتشار حالات (كوفيد – 19) في المملكة المتحدة تماماً، ووجدنا أيضاً أن التخلي المفاجئ المبكر عن القيود من المرجح أن يؤدي إلى موجة كبيرة من العدوى، في حين أن تدابير التخفيف التدريجي على مدى عدة أشهر يمكن أن تقلل من ذروة الموجات المستقبلية».
وحققت المملكة المتحدة حتى الآن نجاحاً كبيراً في برنامج التلقيح، وهو ما رفع من سقف التفاؤل بشأن العودة القريبة لحياة ما قبل «كوفيد –19»، ولكن الدراسة الجديدة تحذر من هذا التفاؤل الزائد على الحد، استناداً إلى مجموعة من السيناريوهات التي تم وضعها.
أحد السيناريوهات يفترض أن معدل امتصاص اللقاح سيكون 95 في المائة لمن هم في عمر 80 عاماً فما فوق، و85 في المائة لمن تتراوح أعمارهم بين 50 - 79 عاماً، و75 في المائة لمن تتراوح أعمارهم بين 18 - 49 عاماً. فيما يشير سيناريو آخر أكثر تفاؤلاً إلى (95 في المائة و90 في المائة و85 في المائة على التوالي)، وسيناريو أكثر تشاؤماً (90 في المائة و80 في المائة و70 في المائة على التوالي).
ونظراً لأن حماية اللقاح ضد الأمراض المصحوبة بأعراض تبلغ متوسط 88 في المائة بناءً على بيانات المرحلة 3 التجريبية من لقاح «فايزر – بيونتيك» و«أكسفورد – أسترازينيكا» الذي يتم إعطاؤه في المملكة المتحدة، فإن النتائج تشير إلى أنه رغم أن التطعيم يمكن أن يقلل بشكل كبير من رقم تكاثر الفيروس، فإنه قد لا يكون كافياً لدفع الرقم إلى مستوى أقل من 1 (أي أن المريض لا ينقل العدوى إلى أكثر من شخص واحد) دون تدابير التحكم الأخرى.
وقال أحمد المنظري، مدير إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، في بيان أصدره أمس، إنه «يجب أن يعلم الجميع أن اللقاحات وحدها لن تستطيع إنهاء الجائحة»، مشدداً على «ضرورة أن تواصل البلدان فرض تدابير الصحة العامة التي ثبتت فاعليتها مثل التباعد البدني وارتداء الكمامات وضمان التهوية الكافية، والالتزام بهذه التدابير».
وأكد أنه «كلما زادت أعداد الأشخاص الذين يحصلون على اللقاحات، زادت فاعلية اللقاحات في إبطاء انتشار الفيروس، وخفض معدلات الإصابة به، وحماية المجتمع بأسره، ولكن مجرد الحصول على اللقاح لا يعني أن المجتمع صار آمنا».
وأشار المنظري إلى وجود تحديات عديدة تقف في وجه نشر اللقاحات في الإقليم، منها تردد عموم الناس في أخذها، والنقص الحاد في الإمداد، وسط ارتفاع مستوى الطلب، والقضايا اللوجيستية المتصلة بتخزين بعض اللقاحات في أجهزة التبريد.
وشرعت حتى الآن 19 دولة في الإقليم في التطعيم ضد (كوفيد - 19)، وأعطت ما يزيد على 16 مليون جرعة مستهدفة الفئات المعرضة للخطر الشديد. وكانت مبادرة «كوفاكس» التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية لمساعدة الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل على الحصول على اللقاح، المصدر الوحيد الذي حصلت منه جيبوتي والصومال والسودان، من بين هذه البلدان الـ19، على جرعات اللقاحات المضادة لـ«كوفيد – 19». وهناك أكثر من 15 دولة اشترت بالفعل اللقاحات من خلال اتفاقيات ثنائية أبرمتها مع شركات تصنيع اللقاحات.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟