باتريك بوافر دارفور: راسبوتين فرنسي

كشفته رواية لكاتبة شابة متعددة المواهب

TT

باتريك بوافر دارفور: راسبوتين فرنسي

الشرارة انطلقت منذ صدور رواية عنوانها «باندوريني» لكاتبة شابة متعددة المواهب اسمها فلورانس بورسيل وعمرها حاليا 37 عاما. وفلورانس تنشط في حقل الإعلام السمعي - البصري منذ سنوات وبنت لها شهرة وتقديرا ومزجت بين مهنتها الصحافية وهوايتها الكتابة في تبسيط العلوم والرواية إضافة إلى عملها في المسرح. باختصار، فلورانس بورسيل متعددة المواهب. لكن ما دفعها دفعا إلى واجهة الحدث الفرنسي بحيث أصبحت حديث الناس وخصوصا أهل القلم والإعلام عندما قررت تخطي حيائها ووضع النقاط على حروف الرموز التي تضمنتها روايتها «باندوريني» التي تحكي قصة ممثلة شابة غرر بها ممثل شهير ووعدها بالتحليق في عالم النجومية. ولأنها كانت ما زالت مادة خاما ولأنها كانت طامحة بالنجاح ولأنه متحدث لبق وصاحب صوت دافئ وشهرة فرضت نفسها على عالم الفن، فقد سارت وراءه مغمضة العينين ولم تفتحهما إلا بعد أن اغتصبها بمناسبة أول موعد منفرد.
بعد أن قررت بورسيل الخروج من التلميح إلى التصريح، فهم الناس أن روايتها «باندوريني» ليست سوى قصتها الشخصية مع قطب الإعلام والنجم التلفزيوني باتريك بوافر دارفور الذي هيمن طيلة ثلاثين عاما، من موقعه مسؤولا عن النشرة الإخبارية المسائية في القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي. بورسيل خرجت من الرواية لتروي بصريح العبارة قصة تغرير بوافر دارفور بها ولتدخل في التفاصيل ولتزيح عن صدرها عبء سر لم يجد سبيلا إلى الخروج إلا بعدما ذاعت عبر العالم، انطلاقا من الولايات المتحدة الأميركية، الحملة النسائية «Me Too» التي تدعو النساء والشابات إلى التحرر من ثقل الأسرار التي يحملنها بسبب تعرضهن للاعتداءات والتحرشات الذكورية.
وهكذا، فإن بورسيل خرجت لتقول للعلن إن بوافر دارفور اغتصبها في مكتبه وإنها كظمت غيظها وخبأت العار الذي ألحقه بها لسنوات لأنها كانت خائفة ولأنها كانت تعتبر أن صوتها لن يغلب صوته خصوصا أن الأخير، وفق ما تكشف لاحقا، كان لا يتردد في النميمة على من يقاومن نزواته بأن يشهر بهن ويعتبرهن فاشلات في عملهن الإعلامي... وذهبت بورسيل إلى حد تقديم شكوى بحقه إلى القضاء الفرنسي الذي فتح تحقيقا بذلك.
حقيقة الأمر أن بورسيل استمدت شجاعتها بعد أن كثر «نشر الغسيل الجنسي الوسخ» على سطوح ونوافذ باريس. فها هو الممثل المعروف ريشار بري تتهمه ابنته باغتصاب أخيها عندما كان يافعا. وها هي كميل كوشنير، ابنة وزير الخارجية الأسبق برنار كوشنير، تتهم زوج والدتها أوليفيه دوهاميل، أحد كبار المتخصصين في العلوم الدستورية والأستاذ الجامعي في معهد العلوم السياسية في باريس والمقرب جدا من دوائر القرار ورئيس نادي «القرن» «Le SIECLE» الذي يضم كبريات شخصيات المجتمع من صناعيين ورجال أعمال ومصارف وإعلاميين باغتصاب شقيقها طيلة سنوات. وكميل كوشنير سلكت درب بورسيل: اتهامات ضمنتها كتبها بعنوان «العائلة الكبيرة» ثم حديث «على المكشوف» هز الوسط الجامعي والسياسي والإعلامي في فرنسا...
لم تكن اتهامات بورسيل سوى غيض من فيض لأن جرأتها حلت عقدة الألسنة النسائية بحيث تواترت الشكاوى من بوافر دارفور. وفي وقت قياسي، وصل العدد إلى ثماني نساء بعضهن كشفن عن هوياتهن الحقيقية وتقدمن بشكاوى اغتصاب وتحرش للعدالة وبعضهن اخترن بعيدات عن الأضواء وفضلن الإدلاء بشهادات مفصلة ولكن بأسماء مستعارة. وعمدت صحيفة «لو موند» مؤخراً إلى جمع الكثير من الشهادات التي تميط سرا يبدو أنه مكان معروفا حتى في أوساط القناة التلفزيونية الأولى حيث كان بوافر دارفور حاكما بأمره. وتكشف الشهادات أن الأخير انتقل إلى ما سمته إحدى ضحاياه إلى «المرحلة الصناعية» في الإيقاع بالشابات اللواتي كانت تجذبهن أضواء التلفزيون والشهرة المرتبطة به. وللتدليل على قدرة بوافر دارفور، تجدر الإشارة إلى أنه «فبرك» مقابلة مع الزعيم الكوبي الشهير فيدل كاسترو وبثتها القناة الأولى على أنها مقابلة «حصرية». لكن تبين لاحقا أن المذيع الشهير استفاد من تصريحات عامة لـكاسترو ونسبها لنفسه مع إنتاج صور مركبة جعلته يظهر إلى جانبه وكأنه يجري معه حديثا. ورغم هذه الفضيحة المهنية، إلا أن نجمه لم يأفل إلا بعد أن أخذت شعبية نشرة الأخبار التي كان يقدمها في الساعة الثامنة تتراجع. ويوم علم خبر إبعاده عن المؤسسة التي عمل فيها عقودا، أحدث ذلك زلزالا في المشهدين الإعلامي والسياسي الفرنسي.
بالطبع، لم تكن ممارسات بوافر دارفور الصحافي والكاتب خفية على العاملين في القناة. وكانت كلمة السر بين الصحافيات والعاملات في المؤسسة أن يتجنبن التواجد معه في المصعد أو في مكتبه الواسع على انفراد. كانت يداه كثيرتي الحركة ولسانه كثير الحشرية. وتروي إحدى الصحافيات أنه أرهقها باتصالاته الهاتفية بمناسبة مؤتمر أجنبي خارج باريس وحاول الدخول إلى غرفتها عنوة. رغم ذلك، وجد بوافر دارفو من يدافع عنه كما فعلت ابنته وسكرتيرته وزميلات سابقات وكلهن أكدن أن النساء كن يلهثن وراءه وليس العكس.
ولا ينفي الأخير صحة مغامراته لكنه ينفي أن يكون قد قام بما يخالف القانون وأن ما فعله كان برضى وقبول ضحاياه. يبقى أن الكلمة الفصل ستكون للقضاء في القادم من الأيام.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.