أثارت مذكرة قبض بحق المحامي والمحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، وأخرى مماثلة بحق الأكاديمي والمحلل السياسي يحيى الكبيسي، غضباً واسعاً في العراق اقترن بتحذيرات من عودة البلاد إلى عهد الديكتاتورية الذي يفترض أن نظاماً ديمقراطياً حل محله بعد عام 2003، خاصة أن المذكرتين تستندان إلى نص قانوني يعود إلى حقبة «حزب البعث» المنحل ويعاقب الأشخاص على الآراء والانتقادات التي يوجهونها للسلطات بهدف «إهانتها».
وألقت قوة أمنية القبض على الصميدعي، مساء الجمعة، فيما لم يُلقَ القبض على الكبيسي لإقامته الدائمة في العاصمة الأردنية عمان. وسرت مخاوف عقب إلقاء القبض على الصميدعي من أن تكون جماعات مسلحة هي التي ألقت القبض عليه قبل أن يتسرب كتاب إلقاء القبض الصادر عن القضاء إلى وسائل الإعلام أمس.
وبحسب الكتاب الصادر عن القضاء، فإن عملية إلقاء القبض تستند إلى المادة 226 من قانون العقوبات لسنة 1969. ونصها: «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة». وينظر على نطاق واسع محلياً إلى هذه المادة بوصفها إحدى التركات الثقيلة الموروثة من الماضي على حرية الرأي والتعبير، وصدرت، أمس، دعوات عديدة لإبطال العمل بها وإلغائها.
واعتبر قاضي النزاهة السابق رحيم العكيلي أن هذه المادة «من أكثر النصوص تهديداً لحرية التعبير في قانون العقوبات، وتوفر حماية وحصانة للفشل والفساد والانحراف في مختلف مفاصل الدولة، ويمكن استخدامها لتكميم الأفواه بسهولة ويسر».
ونفت منصة «العراق اليوم» المقربة من حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عبر إعلان ممول في «فيسبوك»، علاقة الكاظمي بمذكرة القبض على الصميدعي، ونقلت عن مصدر سياسي قوله إن «رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم يحرك أي شكوى أو ادعاء ضد أي صحافي أو ناشط أو سياسي منذ توليه المنصب وإلى اليوم».
ورجح كثيرون صلة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي برفع الدعويين القضائيتين ضد الصميدعي والكبيسي لتوجيههما، عبر مواقع التواصل، انتقادات للحلبوسي ولمجلس القضاء على خلفية الجدل الذي دار مؤخراً حول قانون المحكمة الاتحادية.
وتعليقاً على مذكرة القبض بحقه، قال الدكتور يحيى الكبيسي، لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن نجاح الخطوة الممنهجة للسيطرة على المحكمة الاتحادية قد أعطت الزخم لمَن يقف خلفها لاستخدام سلطاته لقمع وإسكات أي مواطن يكشف أو يعري هذا التحالف اللاأخلاقي القائم على أساس زبائني بحت». وأضاف: «أقصد بالخطوة الممنهجة، التحالف القائم بين رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء الأعلى، والطموحات السياسية التي تكمن خلفه». وتابع أن «صدور مذكرتي إلقاء القبض بحقي وبحق الصميدعي من قاضٍ واحد، وفي اليوم نفسه، وبرقمين متسلسلين يفضح هذا الأمر بشكل واضح».
ونفى الكبيسي علمه الكامل بالجهة التي أقامت الشكوى ضده، لكنه ذكر أن جهات سياسية أبلغته بوقوف رئيس البرلمان وراءها.
إدارة الصفحة الموثقة لإبراهيم الصميدعي في «فيسبوك» قالت: «يبدو أنهم بحثوا كثيراً ولم يجدوا ما يُدينوا به الصميدعي، لم تمتد يده للمال العام ولم يسر في طريق الباطل، كان صوته يصدح من أجل بناء دولة مواطنة يُحترم فيها الفرد وينال حقوقه المسلوبة، لا شيء يُحاسَب عليه سوى الكلمة الحرة». وتساءلت: «هل أن ذلك يستدعي اقتحام بيته ليلاً وترويع عائلته واعتقاله بهذه الصورة؟ ثم ألا يستوجب إخبار نقابة المحامين (بوصفه محامياً) قبل تنفيذ الاعتقال باعتبار المادة 30 من قانون النقابة تنص على ذلك؟».
بدورها، أكدت لجنة حقوق الإنسان النيابية تمسكها بالمبادئ الدستورية، عقب شيوع نبأ اعتقال الصميدعي في بغداد، وأكدت في بيان «تمسكها بالمبادئ الدستورية في التعبير عن الرأي، وأن على الجهات الأمنية عدم إلقاء القبض على أي شخص دون مذكرة قضائية».
من جانبه، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ظافر العاني، في تغريدة عبر «تويتر»ن إن «اعتقال المحامي والإعلامي إبراهيم الصميدعي بطريقة عنيفة وقاسية إنما يتنافى وتوجيه مجلس القضاء الأعلى الذي سبق وطالب بأن يكون هنالك استقدام بطرق أصولية فيما يتعلق بمخالفات الرأي ولا سيما للشخصيات العامة والصحافيين».
وكان مجلس القضاء الأعلى اتخذ، منتصف العام الماضي، إجراءات من شأنها تقييد الشكاوى ضد الصحافيين وقضايا الرأي، وشدد على ضرورة أن «تبدأ بإصدار ورقة تكليف بالحضور للمشكو منه، فإن امتنع عن الحضور بدون سبب مشروع، للمحكمة في حينه إصدار مذكرة قبض»، وشدد أيضاً على «عدم الاستعجال في إصدار مذكرات القبض بمجرد تقديم الشكوى، إنما يفترض اتباع التسلسل القانوني المنصوص عليه في القانون». الأمر الذي لم يحدث مع المحامي إبراهيم الصميدعي وأُلقي القبض عليه عقب صدور المذكرة.
مذكرتا اعتقال بحق محللين سياسيين تثيران غضباً في العراق
استندتا إلى مادة قانونية تعود إلى عهد «البعث» تحظر انتقاد السلطات
مذكرتا اعتقال بحق محللين سياسيين تثيران غضباً في العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة