مصر تكتسي بـ«الأصفر» في قلب العاصفة

رياح ترابية عاتية تعوق السفر والبشر

مصر تكتسي بـ«الأصفر» في قلب العاصفة
TT

مصر تكتسي بـ«الأصفر» في قلب العاصفة

مصر تكتسي بـ«الأصفر» في قلب العاصفة

رغم الحيطة وحذر السائقين، تلهو الرياح بالسيارات التي تمشي ببطء في الشوارع السريعة حول القاهرة، فتدفعها يمنة ويسرة، وتتراقص الأشجار واللافتات الإعلانية على جنبات الطرق، بينما تعوق الرمال العاصفة في الخارج مجال الرؤية بما لا يتجاوز 100 متر في المتوسط. وبداخل السيارة مغلقة النوافذ، يكاد الركاب أن ينفقوا من تسلل الأتربة إلى كل منافذ تنفسهم.. أما إذا كنت من تعساء الحظ الذين يعبرون الطريق سيرا على الأقدام، فلك الله في وسط ذلك السيرك المنصوب من الطبيعة.
العاصفة الترابية التي ضربت أغلب المحافظات المصرية على حين غرة صبغت الجو بلون مصفر كئيب، زاد من شعور المواطنين بالضغوط وسط شعور عام بالأسى نتيجة توالي الأحداث من سقوط ضحايا بين الجنود في سيناء إلى آخرين في مباريات لكرة القدم، مرورا بمواطنين عدة أصيبوا جراء انفجار عبوات محلية الصنع يضعها في طرقهم جماعات تبغي إثارة الهلع والذعر، في إطار مساعيهم لهدم أركان الدولة المصرية. لكن المواطنين المصريين بحسب مراقبين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «اعتادوا هضم الهموم»، فلم تتأثر الحركة اليومية كثيرا بتلك الأحداث.
لكن العاصفة الترابية نجحت في تعويق الحياة اليومية أمس واليوم بامتياز، إذ خفتت حركة التنقلات إلى حدها الأدنى في الشوارع، ولم يخرج إلا المضطر متكدرا لقضاء حاجته متحديا ظروف الطقس السيئ. بينما كانت السمة التي تجمع أكثر من 80 مليون مصري على خلاف توجهاتهم وشرائحهم ومشاربهم هي السعال.
وتوالت تحذيرات وزارة الصحة المصرية للمواطنين أمس، خصوصا أولئك المعرضين أكثر من غيرهم لأمراض شديدة كالربو والحساسية وأمراض العيون وأمراض الجهاز التنفسي. وناشدت الوزارة جميع المواطنين توخي الحذر، ناصحة بأنه في حال الضرورة والتعامل مع هذه الأجواء مباشرة، يجب ارتداء الكمامات وشرب الماء بكثرة، وتناول الأطعمة الغنية بفيتامين سي، وتناول الأدوية خاصة لمرضى الحساسية، مع التوجه لأقرب مستشفى حال عدم الاستجابة للأدوية أو الشعور بضيق شديد في التنفس.
رجل وقور وقف لاهثا في شارع جامعة الدول العربية بضاحية المهندسين غرب العاصمة، بينما يغطي التراب ملابسة الرصينة، ثم نظر إلى السماء ونطق بلسان حال أغلب المصريين قائلا في تضرع إلى الله: «5 دقائق مطر يا رب.. اغسل همومنا، فأنت أدرى بحالنا».
لكن مراقبي حالة الأحوال الجوية لم يفتحوا باب الأمل الواسع أمام المصريين، إذ أكد المتحدث الرسمي باسم هيئة الأرصاد الجوية صباح اليوم أن حالة الاضطراب في الجو ستستمر حتى عصر غدا الخميس. موضحا أن هذه الموجة من الطقس السيئ ستزداد عنفا على مدار اليوم حيث ستنخفض درجات الحرارة، بالإضافة إلى زيادة سرعة الرياح.
ولفت المتحدث إلى استمرار انخفاض الرؤية على الطرق، خصوصا الصحراوية، فضلا عن استمرار اضطراب الملاحة البحرية في البحرين الأبيض والمتوسط، موضحا أن سرعة الرياح فوقهما ستصل إلى أكثر من 40 عقدة بحرية (نحو 75 كيلومترا في الساعة)، مما سيترتب عليه ارتفاع في الأمواج إلى أكثر من 6 أمتار. وتابع أن نسبة الرطوبة خلال اليوم والأمس ستكون منخفضة وسرعة الرياح عالية جدا، مما سيؤدي إلى إحساس المواطنين ببرودة الجو على مدار 24 ساعة، ناصحا المواطنين بارتداء الملابس الثقيلة والقيادة بهدوء شديد على الطرق خاصة الصحراوية، بالإضافة إلى البعد عن الأنشطة البحرية حتى عصر غدا الخميس.
وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث العسكري المصري العميد محمد سمير عن تمكن القوات البحرية اليوم الأربعاء من إنقاذ إحدى السفن التجارية التابعة لدولة مولدوفا عقب تعطلها على مسافة 2.5 ميل بحري أمام ساحل أبو قير بالإسكندرية. مشيرا إلى تلقي إشارة استغاثة وطلب للمعاونة من ربان السفينة التجارية (DELBHINA) التابعة لدولة مولدوفا أفادت بتعطل السفينة وطلب المعاونة في السيطرة عليها، نظراً لاتجاهها نحو الساحل. فتم دفع القاطرة البحرية «ماراديف 9» التابعة للقوات البحرية لمعاونة السفينة ونجدتها ورباطها بميناء أبو قير البحري.
الموانئ الجوية بدورها لم تسلم من أيدي العاصفة، التي كادت أن تغير من جدول زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر وتعرقل رحلة عودته إلى موسكو. لكن تزامنا مع رحلة العودة، أعلنت أغلب المطارات استئناف حركتها أمس بعد تعليقها لأكثر من ساعة جراء العاصفة التي تسببت في انخفاض الرؤية بشكل حاد.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».