يصل عيد الأم هذه السنة إلى لبنان في موعده 21 مارس (آذار) مثقلا بهموم كثيرة بينها صحية وأخرى اقتصادية واجتماعية. فالأجواء العامة المتردية في لبنان، انعكست سلبا على هذه المناسبة التي ينتظرها اللبنانيون من عام إلى آخر للاحتفاء بمن «تهز السرير بيمينها والعالم بيسارها». فالأمهات اللبنانيات يمررن بإحدى أسوأ فترات حياتهن لأسباب كثيرة. وتأتي هجرة أبنائهن غير المنتظرة في طليعة هذه الأسباب، وبالتالي تراجع المستوى المعيشي في بيوتهن، الأمر الذي أسهم في شعورهن بالإحباط.
وفي زمن التباعد الاجتماعي ازدادت الأمور سوءاً خصوصا أن الاحتفالات بعيد الأم تأخذ طابع «من بعيد لبعيد». فزيارات الأولاد لأمهاتهن وتقديم الهدايا لهن في المنزل أصبحت بمثابة ذكرى. وبذلك غابت كل العناصر التعبيرية التي كانت ترافق العيد من تبادل القبل والعناق والجلسات الدافئة.
ولا يمكن أن ننسى في هذه المناسبة غياب عدد كبير من الأمهات اللاتي رحلن بسبب فيروس «كورونا». فأولادهن لم يستطعن حتى إلقاء النظرة الأخيرة عليهن ووداعهن كما هي العادة في هذه اللحظات الحزينة. وهذا الأمر أدى إلى وصول عيد الأم لدى كثيرين محملا بجراح تتفتح بصمت في أعماقهم. وحدها مبادرات فردية وأخرى جماعية إضافة إلى إطلاق أغانٍ تحكي عن المناسبة، أطلت برأسها هنا وهناك لتضفي بالحد الأدنى، بعضاً من مظاهر العيد على اللبنانيين.
وتعد مبادرة «تعوا نرسم البسمة على وجوه الأمهات» واحدة من الأبرز التي تتناول الأم اللبنانية بصورة مباشرة. فقد وجهت مجموعة من الأمهات اللبنانيات في بلاد الاغتراب نداء إلى اللبنانيين المغتربين في جهات العالم الأربع لمعايدة الأمهات اللبنانيات في عيدهن. وتقضي المبادرة بأن يختار أي لبناني أو لبنانية في الخارج أماً غير أمه ويرسل لها 100 دولار (أقل أو أكثر)، عبر الشركات المالية لمناسبة عيد الأم، في مبادرة رمزية تكريماً لصمود الأمهات اللبنانيات.
وقالت الأمهات صاحبات المبادرة في ندائهن: «تعوا معنا نبعت هدية صغيرة لأمهات لبنان، في مناسبة عيد الأم، تماماً كما نفعل مع أمهاتنا حين لا نجد ما نهديهن إياه». أما الهدف فهو: «رسم بسمة صغيرة على وجه أكبر عدد من أمهات لبنان من شماله إلى جنوبه».
ففعليا تصدر دفع مبالغ مالية نقداً لوائح هدايا عيد الأمهات هذه السنة في لبنان. وبذلك لم تتردد غالبية الأبناء من اتباعها كطريقة جديدة يعبرون فيها عن مدى تضامنهم وحبهم لأمهاتهم. وتقول ناديا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد فكرنا مليا أخواتي الأربع وأنا عن الهدية المناسبة التي يمكننا تقديمها لأمي في مناسبة عيدها. واتفقنا على أن تكون مبلغا ماليا يلامس المليوني ليرة لبنانية. فهي حرة في صرف هذا المبلغ على سجيتها وكما ترغب». أما دوللي فقد قررت وإخوانها التسعة وبعضهم موجود في المهجر، أن يقدموا لوالدتهم هدية خارجة عن المألوف. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «ستكون عبارة عن باقة ورد حمراء تحمل غلافا يتضمن مبلغا مالياً».
بعض الأبناء المستقرين خارج لبنان فضلوا أن يحضروا إلى البلاد في المناسبة والتعبير عن شوقهم لوالدتهم وجها لوجه. وتقول ستيفاني: «فاجأت والدتي في مجيئي إلى لبنان من ألمانيا ومن دون سابق إنذار. الأمر نفسه ستتبعه شقيقتي في دولة الإمارات العربية. فهما قررتا أيضا القيام بزيارة خاطفة إلى لبنان، لتكون بمثابة مفاجأة لأمي التي لم تلتق بنا مجتمعات معا منذ أكثر من سنة».
وبذلك غابت الهدايا التقليدية عن هذه المناسبة من ساعات يد وعطور وجلسات أو إقامة في فندق وتقديم بطاقة سفر تأخذ خلالها الأمهات استراحة قسرية. نسبة من الأبناء وانطلاقا من قاعدة الحفاظ على سلامة أمهاتهم من الإصابة بعدوى «كورونا»، قررت الاكتفاء في هذه المناسبة بإجراء اتصالات «فيديو كول» بهن، كي لا يعرضوهن إلى أي خطر ممكن. وتقول فاديا حلو في هذا الخصوص: «لن أخاطر وأرى أمي في مناسبة عيدها وهي لم تجر بعد الجرعة الثانية من اللقاح. فقد نصحنا الأطباء بأن تبقى معزولة بعيدة عن أي مخالطة اجتماعية إلى حين حصولها على الجرعة الثانية».
ومن ناحية أخرى واحتفاء بمناسبة عيد الأم أطلق بعض الفنانين أغنيات خاصةً بالمناسبة. وتصدرت أغنية نانسي عجرم «أمي» وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تتوجه فيها إلى والدتها وإلى سائر الأمهات اللبنانيات في كليب قصير من إخراج سمير سرياني. وتظهر فيه نانسي إضافة إلى عدد من الأمهات اللبنانيات اللاتي يعبرن عن مشاعرهن تجاه أولادهن. وتفتتح نانسي الكليب بوالدتها التي تروي طبيعة شعورها عندما نادتها ابنتها نانسي لأول مرة بكلمة «ماما». ويقول مطلع الأغنية «فكرت جبلك ورد بالأول اتذكرت أن الورد راح يدبل... فكرت اهديلك دهب مشغول خفت الدهب من لمعتك يخجل... الليل حكيه بيطول عن قلبك الدافي انو شو ما بقول بيضل مش كافي…انت ربيع البيت... وغنية حجاره يا شمعته بالليل. يا ضحكة نهاري».
ولاقت الأغنية تفاعلا كبيرا من قبل محبي نانسي عجرم بحيث تجاوزت نسبة مشاهدتها الـ200 ألف شخص في اللحظات الأولى من إطلاقها عبر قناة «يوتيوب» الإلكترونية.
أما الفنان جاد بو كرم فأطلق أغنية «كلمات ماما» هي عبارة عن تحية موسيقية أحب إهداءها إلى أمهات لبنان اللاتي افترقن عن أولادهن بسبب هجرتهم إلى الخارج. وأدرج جاد في كلمات الأغنية وهي من تأليفه، تعابير وجملاً تستخدمها الأمهات عادة في حواراتهن مع أولادهن تحمل الطرافة من ناحية، ومدى الاهتمام التي تكنه الأم عامة تجاه أولادها من ناحية ثانية. ويقول مطلع الأغنية التي يرافقه فيها العازف لوقا صقر على البيانو والممثلة رفقا الزير بدور الأم: «وين الفلانيل... تغطى بالليل البس الجاكيت برات البيت... البيت مش أوتيل... هالجيل بالويل».
عيد الأم في زمن «كورونا» فرض «العناق من على بُعد»
عيد الأم في زمن «كورونا» فرض «العناق من على بُعد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة