انطلاق مفاوضات جديدة اليوم بالجزائر لإنهاء الصراع في مالي

عقبات تواجه الوساطة الجزائرية قبل التوقيع على اتفاق تمهيدي للسلام

انطلاق مفاوضات جديدة اليوم بالجزائر لإنهاء الصراع في مالي
TT

انطلاق مفاوضات جديدة اليوم بالجزائر لإنهاء الصراع في مالي

انطلاق مفاوضات جديدة اليوم بالجزائر لإنهاء الصراع في مالي

تنطلق اليوم بالعاصمة الجزائرية جولة جديدة من المفاوضات بين طرفي الصراع في مالي، وهما الحكومة المركزية والتنظيمات المسلحة المسيطرة على الشمال، وذلك بهدف إيجاد سبل لإزالة بعض العقبات ومصادر الخلاف، قبل التوقيع على «اتفاق تمهيدي يسبق اتفاق السلام» المرتقب في باماكو قبل نهاية العام.
ومن بين أهم هذه العقبات تمسك مجموعات المعارضة المسلحة بمطلب «إقامة تنظيم فيدرالي» في مدن الشمال الرئيسية القريبة من الحدود الجزائرية، وهي غاوو، وكيدال، وتومبوكتو. لكن الحكومة المالية ترفض مبدئيا التفاوض حول هذه القضية، حيث أعلنت تمسكها بـ«الوحدة الترابية لمالي». وتأكيدا لهذا الرفض، وصل إلى الجزائر أمس موديبو كايتا، رئيس وزراء مالي، برفقة وزير الخارجية عبدو اللاي ديوب، الذي سيقود الوفد المفاوض من جانب السلطات.
وأوضح مصدر قريب من الوساطة لـ«الشرق الأوسط» أن حضور كايتا يعد بمثابة ضغط على الوساطة السياسية، ويدفعها إلى ممارسة نفوذ على المعارضة للتخلي عن مطلب «التنظيم الفيدرالي»، الذي تتعاطى معه باماكو على أنه رغبة في إقامة حكم ذاتي. وأوضح المصدر أن الجزائريين «يتحفظون بدورهم على هذا الخيار، لأن قيام حكم ذاتي على حدودهم الجنوبية، يفتح الباب لقبائل من الطوارق تعيش داخل التراب الجزائري للمطالبة مستقبلا بحكم ذاتي».
يشار في هذا الصدد إلى أن تنظيما يسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، كان قد جرى الإعلان عنه في شمال الجزائر منذ 4 سنوات، يقوده المطرب الأمازيغي المعروف فرحات مهني.
ويتضمن «الاتفاق التمهيدي» تعهدا من الطرفين بتفادي اللجوء إلى لغة السلاح، في حال حدوث مشكلات بينهما، والعودة إلى الوسيط الجزائري لحل الخلاف إن طرح. غير أن اتفاقات من هذا النوع أثبتت هشاشتها في الماضي؛ إذ سرعان ما يتم نقضها، فتعود المواجهة المسلحة بين الجيش النظامي، وحركات المعارضة المسلحة.
وقال وزير الخارجية المالي عبدو اللاي ديوب بمؤتمر صحافي في باماكو أول من أمس، إن مشروع الاتفاق التمهيدي الذي تقترحه الوساطة الجزائرية «يضمن احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية بالبلاد، ويضمن أيضا احترام الطابع العلماني والجمهوري والشكل الموحد لدولة مالي». وأوضح أن الوفد الذي يترأسه سيدخل إلى المفاوضات بـ«روح تطبعها الثقة، ولكننا واعون في الوقت نفسه بخطورة الوضع في الميدان»، وأعرب عن وجود «آمال عريضة لأن وفدنا سيجد أمامه المسؤولين الحقيقيين للمجموعات المسلحة»، في إشارة إلى غياب قيادات المعارضة المسلحة عن آخر اجتماع عقد بالجزائر في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحضر بدلا منها أشخاص لا يملكون القرار داخل هذه التنظيمات. وانتهى هذا الاجتماع من دون التوصل إلى أي شيء إيجابي، بسبب قضية «التنظيم الفيدرالي»، الذي تتمسك به المعارضة. ولا يبدو في الأفق أن الوساطة الجزائرية أزالت هذا المشكل نهائيا من طريق المفاوضات المنتظرة اليوم.
وتنظيمات الشمال الموجودة بالجزائر بغرض إجراء المفاوضات هي «الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، و«الحركة العربية لأزواد»، و«التحالف من أجل شعب أزواد». ويحتدم خلاف حاد بين هذه الفصائل حول مطالب كثيرة، من بينها تطبيق الشريعة في المدن التي تسكنها غالبية مسلمة، وإقامة حكم ذاتي، والحصول على حصص في البرلمان والحكومة، بحسب الإثنيات الموجودة في الشمال، من عرب وطرقيين وزنوج أفارقة.
وبخصوص مطلب «الحصص»، قال ديوب موضحا: «إننا نعتقد أن هذا التوجه سيخلف حالة دائمة من عدم الاستقرار في البلاد.. إننا نرفض (أزواد) بالمعنى السياسي والجغرافي، وفق مفهوم أن تومبوكتو وغاوو وكيدال، تعد كيانا سياسيا واحدا».
وعاشت المدن الثلاث بين سنوات 2009 و2013 تحت سيطرة 3 تنظيمات متطرفة، هي: «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، و«حركة التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا»، و«حركة أنصار الدين». وتمكنت القوات الفرنسية مطلع 2103 من إنهاء سيطرة هذه التنظيمات في حملة عسكرية شنتها في شمال البلاد مطلع 2013، بدعم من الجزائر التي وضعت أجواءها في الجنوب تحت تصرف الطيران الحربي الفرنسي.



الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
TT

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، خلال عملية عسكرية خاصة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي. في حين أعلن الجيش الموريتاني أن المواطنين جرى توقيفهم داخل أراضي مالي، وأكد أنه «لن يسمح» بأي انتهاك لحوزته الترابية.

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

وقالت مصادر محلية إن المواطنين الموريتانيين أفرج عنهم بعد ساعات من التوقيف، وكانت وحدة «فاغنر» قد سلّمتهم إلى الجيش المالي الذي حقّق معهم ثم أفرج عنهم، ليعودوا إلى الأراضي الموريتانية ليل الأربعاء/الخميس.

اختراق الحدود

بعد توقيف الموريتانيين من طرف وحدة «فاغنر»، المرافقة للجيش المالي، تداول ناشطون موريتانيون على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تُفيد بأن مقاتلي «فاغنر» وقوات الجيش المالي «اخترقوا» الحدود، وأوقفوا مواطنين موريتانيين.

ولكن الحكومة الموريتانية نفت أن يكون قد حدث أي اختراق للحدود، وقال الوزير الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد أمدو: «إن وحدات من الجيش المالي كانت تتحرك في مناطق تابعة لحدودها، وأثناء مرورها اعتقلت هذه المجموعة».

وأضاف ولد أمدو، في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أن القرية التي دخلها الجيش المالي وقوات «فاغنر»، «تابعة لدولة مالي»، مشيراً إلى أن «اتصالات جرت بين السلطات العسكرية الموريتانية والمالية أسفرت عن إطلاق سراح الموقوفين».

لا تسامح

وأصدر الجيش الموريتاني بياناً صحافياً حول الحادثة، وقال إن ما تداولته الصحف المحلية وبعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول اختراق الحدود «مجرد معلومات مغلوطة وأخبار زائفة»، وقال: «إنه لن يسمح لأي كان بانتهاك الحدود».

وأوضح الجيش الموريتاني أن «الأمر يتعلق بوصول وحدة من الجيش المالي إلى قرية الأغظف الموجودة داخل التراب المالي»، وشدّد على أنه «لم تصل القوات المالية مطلقاً إلى خط الحدود بين البلدين».

وقال الجيش الموريتاني: «إن الوحدة العسكرية المالية أوقفت 18 شخصاً في المناطق التي مرت بها، قبل أن يجري إطلاق سراح الموقوفين لاحقاً، بعد اتصالات ميدانية بين الجهات المعنية بموريتانيا ومالي».

وخلص الجيش الموريتاني إلى «طمأنة المواطنين بأن الوحدات العسكرية الموريتانية المرابطة على الحدود، لن تسمح لأي كان بانتهاك الحوزة الترابية للبلاد»، وفق نص البيان الصحافي.

احتفاء محلي

كان توقيف المواطنين الموريتانيين قد أثار حالة من الرعب في أوساط السكان المحليين، في ظل مخاوف من تصفيتهم، كما سبق أن حدث مع موريتانيين خلال العامين الماضيين، أوقفتهم «فاغنر» وعثر عليهم في مقابر جماعية، ما كاد يقود إلى أزمة في العلاقات بين مالي وموريتانيا.

وبعد الإفراج عن الموقوفين سادت حالة من الارتياح في أوساط السكان المحليين، وأصدرت مجموعة من السياسيين والمنتخبين المحليين بياناً، قالت فيه إن سكان محافظة باسكنو الحدودية «يثمنون إطلاق سراح المختطفين على الحدود المالية».

وقال النائب البرلماني، محمد محمود ولد سيدي، إن الإفراج عن الموقوفين «لحظة تحمل في طياتها فرحة كبرى، وترسم أفقاً جديداً من الأمل والطمأنينة في قلوب الجميع».

وأضاف عضو البرلمان الموريتاني عن دائرة باسكنو، أن السكان يشكرون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «الذي قاد بحكمة وحزم مسار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير».

وأرجع النائب جهود الإفراج عن الموقوفين إلى ما سمّاه «الدبلوماسية العسكرية (الموريتانية) التي أظهرت قدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية، وأثبتت بالدوام نجاعة وحنكة عاليتين في التعامل مع هذا التحدي الأمني الكبير».

حرب مالي

وتعيش دولة مالي على وقع حرب، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقبل سنوات قاد ضباط ماليون انقلاباً عسكرياً، وسيطروا على الحكم في البلد، ليعلنوا التحالف مع روسيا، وجلب مئات المقاتلين من «فاغنر» لمساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية.

ويثير وجود «فاغنر» داخل الأراضي المالية، خصوصاً في المناطق الحدودية، مخاوف الموريتانيين؛ إذ تسببت عمليات «فاغنر» في مقتل عشرات الموريتانيين داخل الشريط الحدودي بين البلدين.

وتوجد في الشريط الحدودي عشرات القرى المتداخلة، بعضها تتبع موريتانيا ويقطنها مواطنون ماليون، وأخرى تتبع مالي ويقطنها مواطنون موريتانيون، وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين.