قال المطرب السوري صفوان بهلوان إنّ تقديم سيرة الفنان المصري الراحل محمد عبد الوهاب «موسيقار الأجيال» في مسلسل تلفزيوني من أهم أحلامه، وأكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أنّ لقاءه بعبد الوهاب كان بمثابة نقطة تحول مهمة في حياته. وأوضح أنّ حبه لعبد الوهاب لم يؤثر على إعجابه الشديد بالموسيقار رياض السنباطي، الذي يعده بهلوان من أبرز المطربين العرب وأرقهم أداءً، رغم أنّه لم يقدم نفسه على أنه مطرب قط.
وأحيا المطرب والموسيقي السوري الكبير صفوان بهلوان قبل أيام حفلاً في دار الأوبرا المصرية في الذكرى المائة والعشرين لميلاد الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب (13 مارس (آذار) 1901: 4 مايو (أيار) 1991)، ونفدت تذاكر الحفل بمجرد طرحها، إذ لم يتمكن الكثير من عشاق فن عبد الوهاب وصوت بهلوان من الحضور بسبب تخصيص مقاعد خاوية لإجراءات التباعد الاجتماعي، وقدم خلال الحفل عدداً من أغنيات الموسيقار الراحل على غرار «أحب عيشة الحرية»، و«الصبا والجمال».
وقدم بهلوان أغنيات عدّة تخصه لاقت نجاحاً لدى الجمهور من بينها «طال انتظاري»، و«أمواج»، بعضها من تأليفه وألحانه وتوزيعه، فهو يكتب القصائد أيضاً ويرى أن القصيدة هي الأبقى والأرقى، وأنّ مهمة الفنان أن يرتقي بالجمهور ويخاطب مداركهم العالية، لا أن ينزل إليهم ويخاطب غرائزهم، مؤكداً أنّ الموسيقى هي مرآة الشعوب، وهي مقياس لارتقاء الأمم والمؤشر الحضاري لتقدم الشعوب، وقال: إنّ «الواقع الغنائي العربي الآن ليس على ما يرام، لأنّنا لسنا على ما يرام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لذلك فإن موسيقانا متردية، وهي عنوان للحالة التي نعيشها».
وعبر بهلوان عن سعادته بعودته مجدداً للجمهور المصري بعد فترة من الغياب، قائلاً: «كان حفلاً ناجحاً كبقية الحفلات التي أقمتها في دار الأوبرا بالقاهرة، ولم تمنع (كورونا) الجمهور من الحضور، وهذا يدل على رغبة الناس وتعطشهم لسماع الموسيقى بعد ما ألقته (كورونا) من ظلال سوداء على حركة الحياة في العالم بأسره، ليس على الفن فقط، بل على الاقتصاد والتجارة والسفر، مما أصاب عجلة الحياة بالشلل»، وعن تأثير ظروف الحرب في سوريا عليه كفنان يقول: «ما حدث في سوريا هو زلزال حقيقي لم يؤثر على الفنان فقط، بل على كل سوري، إنّها حياة مأساوية نعيشها».
قمة الإبداع
وعن إنجازاته الفنّية خلال الفترة الماضية يقول: «أنجزت خلال العام الماضي مقطوعتين موسيقيتين من نوعي الافتتاحات، وهما عملان أوركستراليان، الأولى (نزوة النوخت)، وقد كتبتها على إيقاع النوخت، والثانية مقطوعة موسيقية افتتاحية من النوع الحر أسميتها (كابريسو تادو)، وقد استلهمت كلمة تادو من ابني الصغير جونيور، فقد اعتاد أن ينادي شقيقه فادي بـ(تادو)، فأعجبني الإيقاع التركيبي، وبنيت عليه العمل الموسيقي الذي تطور حتى أصبح قطعة موسيقية أقرب للسيمفونية».
قدم بهلوان في مجال التأليف الموسيقي أعمالاً أوركسترالية تعدّ قمة في الإبداع الموسيقي، على غرار سيمفونية «البحار والعاصفة» التي عزفتها أوبرا برلين، وهو جانب من مواهبه الفريدة كمطرب وملحن وشاعر ومؤلف موسيقي، ويقول عن هذه الأعمال: «السيمفونيات التي ألّفتها قبل ثلاثين عاماً هي أعمال عالمية، ومجرد أن تعزفها أوركسترا عالمية كأوركسترا برلين تعطيها تلك القيمة، وقد درست الموسيقى الأوركسترالية منذ زمن بعيد على أيدي موسيقيين ألمان، وكنت شغوفاً بسماع هذه الموسيقى العالمية من تراث العظماء أمثال بيتهوفن، وتشايكوفسكي، وباخ، وهايدن، فشكلوا ذاكرتي لوضع لبنة سيمفونية (البحار والعاصفة)، وهو العمل الذي استوحيته من جزيرة صغيرة في سوريا (أرواد) تقع على شاطئ طرطوس من الساحل الشمالي، ويعمل أهلها كلهم في البحر سواء في الصيد أو في الأسفار على ظهر السفن حيث يصارعون الأمواج، وكثيراً ما يفقدون حياتهم خلال ذلك، فشكلت هذه الحياة ملحمة في خيالي، وقلت لا بد من تأريخها وتوثيقها بعمل موسيقي كبير، كما كتبت سيمفونية (النبي إبراهيم)، وكتبت أيضاً قصيدة سيمفونية بعنوان (أوغاريت)».
مواهب لافتة
ويجمع الموسيقار السوري الكبير بين الغناء والعزف على آلة العود في حفلاته، ويقول عن ذلك: «تعلقت بهذه الآلة بشكل جنوني منذ طفولتي فكنت أجمع قصاصات صورها من الصحف والمجلات حتى اشترى لي والدي عوداً وأنا في الثالثة عشرة من عمري، وأجدت العزف عليه في أسبوعين فقط، وخلال سنة خضت مسابقة في العزف مع محترفين كبار في نادي الهواة بالتلفزيون السوري، وفزت بالمرتبة الأولى عزفاً وغناءً، ولا شك أنّ عبد الوهاب كان له دور كبير في لفت انتباهي لآلة العود، لكنّني تعلقت بها لذاتي».
ويقول في سياق حديثه: إنّه قدّم عملين موسيقيين من النوع الأروكسترالي الكبير الملحمي، الأولى «جبهة المجد» لميادة الحناوي وملحمة ثانية لربا الجمال، ويتابع، «كلفت بهذين العملين، ومنحت الإمكانات الكبيرة لتنفيذهما، أمّا مسألة اختياري للصوت فلا بد أن يكون صوتاً قادراً على تنفيذ هذه الأعمال بأبعاده الموسيقية المختلفة، وأن يكون متكاملاً، بالطبع هناك أصوات جميلة لا أتوقع منها تحمل تلك الألحان الكبيرة، فلا بد أن يناسب اللحن الإمكانات الصوتية للمطرب».
وعن المواهب الغنائية اللافتة في السنوات الأخيرة يقول: «يعجبني من الأصوات آمال ماهر، وريهام عبد الحكيم، ومي فاروق، فهن أصحاب أصوات جيدة ورائعة إذا قدرت لهن الفرص الجيدة والألحان الجميلة، أعتقد أنهن سيشكلن شيئاً مهماً في مستوى الأغنية المعاصرة».
أيام مع عبد الوهاب
صورة بالأبيض والأسود تجمعه بالموسيقار محمد عبد الوهاب تعيد إلى ذاكرته مشهداً لا ينساه، عندما التقى به لأول مرة عام 1973. واستمع لصوته وهو يغني أغنياته: «التقيت عبد الوهاب في بلدة شتورة بلبنان، حيث كان يصطاف، وأتذكر جيداً أنّني غنيت (الهوى والشباب)، و(يا لوعتي وشقايا)، وعندما استمع إلي ذرفت دمعة من عينيه، وكانت معه زوجته السيدة نهلة القدسي، وسألته ما رأيك؟ قال صوت جميل يذكرني بشبابي».
ويتطلع بهلوان منذ سنوات لتقديم سيرة حياة عبد الوهاب في مسلسل تلفزيوني: «كنت متحمساً وما زلت لتقديم سيرته الثرية المفعمة بالمواقف والأحداث، ولن يكون ذلك صعباً علي فكأنني سأروي عن نفسي، كما أنّ بيننا تشابهاً شكلياً أيضاً، وسأقدمها بحب وشغف، وقد دار حديث كبير بشأن هذا الموضوع، وأعتقد أنّ أبناء عبد الوهاب لا يشترطون سوى الإنجاز الدقيق وأن تروى قصة أبيهم بشكل محترم وراقٍ، ولا أظن أنّني أرضى بغير ذلك، المهم أن تتحمس جهة إنتاج لهذا العمل المهم».
ولم يمنع افتتان بهلوان بعبد الوهاب من إعجابه بالموسيقار المصري رياض السنباطي: «أحب الاستماع للسنباطي بعد عبد الوهاب، رغم أنّه لم يطرح نفسه مطرباً، ولكنّني أراه من أهم وأعظم المطربين وأرقهم أداءً، وأكثرهم حساً وعذوبة، خصوصاً في أدائه للألحان التي قدمها لأم كلثوم».