أميركية تُعيد للمكتبة كتاباً استعارته قبل 63 سنة

سافر معها إلى كل الأماكن التي ذهبت إليها

أصبحت دياموند أستاذة أدب في ولاية ويسكونسن حيث تعيش الآن (نيويورك تايمز)
أصبحت دياموند أستاذة أدب في ولاية ويسكونسن حيث تعيش الآن (نيويورك تايمز)
TT

أميركية تُعيد للمكتبة كتاباً استعارته قبل 63 سنة

أصبحت دياموند أستاذة أدب في ولاية ويسكونسن حيث تعيش الآن (نيويورك تايمز)
أصبحت دياموند أستاذة أدب في ولاية ويسكونسن حيث تعيش الآن (نيويورك تايمز)

ظهر كتاب قديم يتميز بغلاف سميك داخل غرفة البريد في مكتبة كوينز العامة في أوبورنديل، في وقت قريب. وكان عبارة عن مجموعة من القصص عن شخصية بول بونيان الأسطورية للكاتب غلين راوندز بعنوان «أول بول ذي مايتي لوغر». وتبعاً للتاريخ المسجل على بطاقة الاستعارة، فإن هذا الكتاب جاء متأخراً عن موعد تسليمه بـ23000 يوم.
من جانبها، أرسلت بيتي دياموند، من ماديسون في ويسكونسن، الكتاب إلى المكتبة بعد أكثر من 63 عاماً على استعارته، ومعه تبرعت بقيمة 500 دولار لمكتبة كوينز العامة، ما يزيد على غرامة التأخير في إعادة الكتاب.
عندما كانت فتاة صغيرة، شعرت دياموند بـ«خجل شديد من أن تتوجه إلى المكتبة لإعادة الكتاب بعد الموعد المحدد لإعادته»، حسبما ذكرت. وعليه، انتهى الحال ببقائه برفقتها بينما كانت تكبر وتتقدم في العمر وتبني مسيرتها المهنية في المجال الأكاديمي ويستقر بها المقام في الغرب الأوسط.
عام 1957، كانت دياموند في العاشرة من عمرها، وكانت تسكن في وايتستون بمنطقة كوينز. وكانت لديها رغبة كبيرة وقتها بقراءة كل ما يقع تحت يديها. وأتاحت لها الكتب حياة سرية بعيداً عن والديها، وهما مهاجران من مدينة صغيرة داخل ما كان يطلق عليه آنذاك تشيكوسلوفاكيا ولم يكونا على معرفة وثيقة بالثقافة الأميركية.
وعن ذلك، قالت دياموند: «في الواقع كان هذا أمراً رائعاً لي، فكان يعني أنه باستطاعتي قراءة أي شيء أرغبه»، مضيفة أن والديها كانت لهما أسرارهما الخاصة بهما أيضاً. وأشارت إلى أنهما كانا يتحدثان إلى بعضهما بالمجرية، لغتهما الأم، بينما كانا يتحدثان إليها وشقيقها الأكبر بالإنجليزية أو اليديشية.
وكان ارتياد المكتبة في عين دياموند في سن صغيرة أشبه بالذهاب إلى «متجر الحلوى». وكانت هذه هي الخلفية العامة للاهتمام الذي أبدته وهي تلميذة صغيرة في المدرسة بكتاب «أول بول» الذي استعارته من المكتبة ذلك الربيع، وكان يُفترض إعادته في 10 يوليو (تموز) 1957.
ومع مرور السنوات، ودخول دياموند سن المراهقة وانتقالها إلى مدرسة بايسايد الثانوية، ومن ثم التحاقها بالدراسة الجامعية في كوينز كوليدج، اختفى الكتاب في خضم تقلبات فترة شبابها. وفي اللحظة التي وقعت عيناها على الكتاب، قالت إنها وجدت صعوبة في التعامل مع الأمر. وأضافت: «إلقاؤه بعيداً لم يكن خياراً مطروحاً لأنني أعشق الكتب وأتعامل معها بتقدير بالغ».
جدير بالذكر أن دياموند نالت، نهاية الأمر، درجة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية في جامعة ويسكونسن ماديسون، وتولت في وقت لاحق تدريس الأدب في جامعة ويسكونسن وايتووتر.
أما كتاب «أول بول»، فظل يسافر معها إلى أي مكان كانت تذهب إليه، حسبما ذكرت، فيما عدا فترة دراستها في إنجلترا، عندما تركته قابعاً داخل الغرفة التي قضت بها طفولتها.
وعندما أصبحت شابة بالغة، ألقت الكتاب بين الكتب الكثيرة التي جمعتها داخل منزلها، وكانت عيناها تقع على غلافه الأحمر من حين لآخر أثناء بحثها عن شيء آخر.
ومع ذلك، قررت دياموند، البالغة حالياً 74 عاماً، التصالح مع الماضي واتصلت بمكتبتها القديمة لإبلاغ المسؤولين بخطتها. بعد ذلك، أرسلت «أول بول»، بجانب رسالة صغيرة وشيك، عبر البريد.
من ناحيته، قال نيك بورون، كبير المسؤولين في مكتبة كوينز العامة، إنه من المألوف إقدام البعض على إعادة كتب ظلت بحوزتهم لعقود، بعد أن وقعت بين أيديهم بالصدفة بعد سنوات خلال عملية تطهير كبرى لغرفة التخزين أو الاستعداد للانتقال من منزل لآخر. وأضاف: «يجد الناس صعوبة حقيقية في رمي الكتب بالقمامة. وأعتقد أن هذا الأمر يكشف الكثير عن القيمة الكبيرة التي نوليها كمجتمع للكلمة المكتوبة».
ومع هذا، أوضح بورون أن هذا الموقف على وجه التحديد يظل استثنائياً من نوعه. وقال: «من النادر أن يجد مسؤول في مكتبة نفسه أمام موقف يشهد فيه إعادة كتاب بعد الموعد المحدد بـ63 عاماً وأن يعيده الشخص ذاته الذي استعاره».
أما الأمر الأكثر شيوعاً، فهو الشعور بخجل شديد لدى إدراك أن المرء بحوزته كتاب تجاوز وقت الموعد المحدد لإعادته بفترة طويلة. وسبق أن جرى تناول هذا الأمر في عمل أدبي عندما دارت واحدة من الروايات الشهيرة حول تولي محقق يتبع مكتبة نيويورك العامة مطاردة شخص بسبب احتفاظه بنسخة من رواية «مدار السرطان» للكاتب هنري ميلر طوال 20 عاماً.
وتابع بورون أن مكتبة كوينز العامة تتوقف عن تسجيل الكتب المتأخرة بعد مرور سبع سنوات على استعارتها، وأنه من بين قرابة 80 مليون مادة تملكها المكتبة حالياً، فإن 11.000 منها تجاوزت فترة استعارتها سبع سنوات. وأكد أن العملاء الذين يحتفظون بكتب مرت فترات طويلة على الموعد المحدد لإعادتها، لا ينبغي لهم الشعور بالقلق إزاء تكاليف غرامة التأخير. وأضاف: «هدفنا ليس الحصول على مال من عملائنا». وأشار إلى أنه منذ ظهور جائحة «كورونا»، جمّدت منظومة مكتبات المدينة رسوم غرامة التأخير. وأشار بورون إلى أن مناقشات تدور حول إلغاء رسوم التأخير بشكل كامل.
* خدمة {نيويورك تايمز}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».