باريس تهدد بعقوبات «قريبة» على السياسيين اللبنانيين

لأنهم يرفضون السير في الخطة الفرنسية ويعيقون تشكيل الحكومة

TT

باريس تهدد بعقوبات «قريبة» على السياسيين اللبنانيين

لأن الوضع في لبنان ينهار بشكل متسارع مالياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ولأن المخاوف من انفلاته كبيرة ولأن جزرة الإغراء الفرنسية للطبقة السياسية اللبنانية لم تكن جذابة ولا الهراوة رادعة من أجل دفعها لقبول تشكيل حكومة جديدة، فإن باريس تحاول التأثير على الأحداث في لبنان بشكل مختلف، مستعينة بالأوروبيين، ولكن خصوصاً بالطرف الأميركي وتعتبر أن حظوظها أكبر مع إدارة الرئيس جو بايدن، مما كانت عليه مع دونالد ترمب الذي تتهمه صراحة بأنه أجهض مبادرة الرئيس ماكرون من خلال العقوبات التي فرضها على سياسيين لبنانيين إما بتهمة دعم «حزب الله» أو الفساد.
هذا ما يفهم من التصريحات التي جاءت أمس على لسان مصدر دبلوماسي فرنسي لوّح بعصا العقوبات التي كان قد أشار إليها ماكرون إبان زيارته الأولى إلى لبنان في 6 أغسطس (آب) الماضي، ثم غابت لاحقاً عن القاموس السياسي الفرنسي. وبحسب المصدر المشار إليه، فإن «الأسابيع المقبلة» سوف تشهد زيادة قوية للضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية التي يمكن أن تتم من خلال «العقوبات». بيد أن المصدر الفرنسي سارع إلى القول إن باريس «لن تقوم بذلك وحدها بل ستعمل مع شركائها الأوروبيين وأيضاً الأميركيين». وبرأيه، فإن العمل بالتشارك مع الطرف الأميركي «سيكون أكثر سلاسة مع إدارة بايدن» بعكس ما كان عليه إبان ولاية ترمب الذي كان يتعاطى مع لبنان «من خلال المنظور الإيراني».
وتجدر الإشارة إلى أن الملف اللبناني، وفق المصادر الفرنسية، دائم الحضور في التواصل بين باريس وواشنطن وقد حرص الجانب الفرنسي على الإشارة إليه في أول اتصال جرى بين ماكرون وبايدن. كذلك دأبت باريس على التنبيه من الانهيار الكبير للبنان وآخر ما حصل جاء على لسان وزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي قرّع مجدداً الطبقة السياسية اللبنانية واتهمها بعدم مد يد المساعدة للبنان. ولكن بعد زيارتين إلى لبنان في أغسطس وسبتمبر (أيلول)، لم ينجح ماكرون في زحزحة السياسيين اللبنانيين ودفعهم للسير في خطته الإنقاذية التي عنوانها حكومة اختصاص وإصلاحات وإعادة إعمار ما هدمه انفجار المرفأ. ورغم حصوله على موافقة مسؤولي الأحزاب الرئيسية الثمانية الذين جمعهم في قصر الصنوبر على خطته، فإن بعضهم انقلب عليها سريعاً. ومنذ أشهر، تراوح مبادرته مكانها ولم تفلح التحذيرات والاتصالات في دفعها إلى الأمام بسبب الشروط الداخلية المتبادلة بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية وربط التوصل إلى حل باعتبارات إقليمية وخارجية أبرزها عملية لي الذراع بين واشنطن وطهران بشأن ملف إيران النووي وتطوراته.
وبالنظر لهذه المعطيات، ترى باريس أن «مسألة العقوبات جاء وقت فرضها» على المسؤولين اللبنانيين الذين يعيقون أي تطور سياسي في إشارة إلى تشكيل الحكومة المنتظرة. وبنظر المصدر المشار إليه، فإن فرض العقوبات «لم يكن الأولوية في شهري أغسطس وسبتمبر ولكن بعد مرور سبعة أشهر، فإن المسألة «العقوبات» تطرح وهذا أمر مشروع، بالتالي فقد حان زمن اللجوء إليها.
حتى اليوم، حرصت باريس على المحافظة على خط مفتوح لبنانياً مع «حزب الله» وإقليمياً مع إيران وقد اعتبرت سابقاً أن العقوبات جاءت بنتائج عكسية انطلاقاً من قناعتها أنه بالإمكان اجتذاب الحزب وإقناعه بالسير بخطتها الإنقاذية بعد أن تجاوب ماكرون مع طلبه إخراج ملف الانتخابات النيابية المسبقة من سلة المقترحات الفرنسية. ولكن إزاء الانهيار الحاصل على كل الصعد في لبنان، أخذت باريس ترى أن «آخر الدواء الكي». ولكن هذا التهديد ليس له قيمة حقيقية، إن نظر إليه على أنه لا يتخطى مرحلة التهديد وأن لا شيء سيتبعه.
فضلاً عن ذلك، يرى مصدر دبلوماسي عربي أنه يتعين النظر لمعرفة ما إذا كانت إدارة بايدن أخذت تفصل ما يحصل في الملف اللبناني عن سياق العلاقة الأوسع مع إيران وعن مستجدات الأزمة النووية، إذ حتى اليوم ليست هناك مؤشرات واضحة تدل على ذلك.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.