برتيلو يعيد باريس العجوز إلى شبابها

لوحات الفنان الفرنسي دعوة للهرب من قتامة «كورونا»

باريس بالألوان
باريس بالألوان
TT

برتيلو يعيد باريس العجوز إلى شبابها

باريس بالألوان
باريس بالألوان

الشتاء لا يزال هنا بأمطاره وزوابعه وغيومه الثقيلة. وقد زادت الجائحة من منسوب الكآبة بعد أن حبست الباريسيين في الشقق المعلبة. وللتحايل على هذه الأجواء القاتمة قرر الفنان ستيفان فرانك برتيلو أن يلتقط صوراً لمختلف زوايا العاصمة وأن يشتغل عليها بألوان بهيجة تنقلها، برمشة ريشة، من الشتاء إلى الربيع.
ما يقوم به برتيلو من تلوين صور الأبيض والأسود يذكرنا بأعمال الأميركي آندي وارهول. كما أنّ هذا الأسلوب الهندسي في التصميم ظهر في إيطاليا في ثمانينات القرن الماضي، على يد إيتوري سوتساس. وسبق للفنان أن لوّن لقطات مأخوذة داخل غرف البيوت، أو في ردهات عامة مغلقة، أو مصانع تفتقد إلى الحيوية. لقد أخذ على عاتقه أن يصنع البهجة. وهو إحساس يحتاج إليه الإنسان في كل زمان ومدينة.
مع الأيام الأولى للجائحة، بدأ الفنان رسم هذه السلسلة من اللوحات التي يجمعها معرض افتراضي. كان يرى الشوارع خالية من زحامها فيتخيلها وقد استحالت إلى حدائق ومتنزهات متعددة الألوان، توحي بالسعادة. إنّها دعوة للهرب نحو آفاق من الفرح والتمتع بمناظر تحاول أن تتجاهل الواقع، لحين عبور الأزمة. كيف ستنظر الأجيال المقبلة إلى هذه اللوحات، هل ستدرك أي حسرة كانت الدافع لهذا التلوين السوريالي؟ وماذا سيسمي الفنان مجموعته: «لوحات كورونا». السؤال مؤجل طالما أنّ مستشفيات العاصمة تعلن اكتظاظ ردهات العناية المركزة وتنقل مرضاها بطائرات الإسعاف والقطارات المجهزة طبياً إلى مراكز للعلاج في المدن القريبة.
يستخدم الفنان المولود في مدينة لاروشيل عام 1973 الأحرف الأولى من اسمه الثلاثي لتوقيع أعماله. وهو يعرضها على موقعه الخاص. وهو قد درس التجارة وعمل مؤلفاً موسيقياً ومديراً للعلاقات العامة في مجموعة إعلامية كبيرة، قبل أن يقرر التفرغ لعمله الفني الحالي الذي تلهمه إياه العاصمة التي يقيم فيها. وقد اشتهرت أعماله وأقام معارض في السويد وروسيا وسويسرا والبرتغال وأستراليا. وسبق له أن قدم مجموعة من الأعمال الفنية التي تقوم على الإنارة والموسيقى، حملت اسم «نيون» ولقيت أصداء طيبة.
إنّ برتيلو مسكون بالحداثة. وباريس التي نراها في لوحاته تبدو وكأنها عجوز استعادت شبابها، تناولت أقلام الكحل وأحمر الشفاه وتزينت بشكل فاقع. لكن هناك من يفضل الملامح العتيقة لعاصمة النور، ويرى أنّ عراقتها هي الأصل في سحرها الذي اجتذب 50 مليون سائح في عام 2018، على الرّغم من الاضطرابات التي تسببت بها مظاهرات ذوي السترات الصفراء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».