عيد مار مارون في لبنان في ظل شغور سدة الرئاسة «المارونية»

دعوة جنبلاط لإعطاء «بعد وطني» للاستحقاق أثارت حفيظتهم

عيد مار مارون في لبنان في ظل شغور سدة الرئاسة «المارونية»
TT

عيد مار مارون في لبنان في ظل شغور سدة الرئاسة «المارونية»

عيد مار مارون في لبنان في ظل شغور سدة الرئاسة «المارونية»

احتفلت الطائفة المارونية في لبنان يوم أمس الاثنين بعيد مار مارون مع دخول الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، التي ينص الدستور على أن يتولاها مسيحي ماروني، يومه الـ262 بغياب أي معطيات توحي بإمكانية تحقيق خروقات تذكر في المدى المنظور.
وأحيا المسيحيون بوجه عام والموارنة بوجه خاص بـ«غصة» العيد، وسط شغور الكرسي المخصص لرئيس الجمهورية في الاحتفال المركزي الذي أقيم في كنيسة مار مارون في منطقة الجميزة في وسط بيروت. وتساءل راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر في تصريح له خلال الاحتفال: «كيف يمكن أن يربط مصير لبنان بمصير غيره في الشرق الأوسط لأي سبب؟ كيف يوضع في ثلاجة المصالح إلى أن تهدأ العواصف في الدول الأخرى؟». وشدّد مطر على أن «ربط الانتخابات الرئاسية بحل نزاعات الغير إنما هو خطأ حضاري ومغالطة».
وأثار الموقف الأخير لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي أيّده فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والداعي إلى التفكير بصيغ جديدة للخروج من الواقع الراهن فيما يتعلق بملف الاستحقاق الرئاسي، مقترحا «إعادة الاعتبار للبعد الوطني في هذا الاستحقاق بدل حصره عند المسيحيين فقط»، حفيظة عدد كبير من النواب والقوى السياسية المسيحية التي أعربت عن تخوفها من أن يكون هناك من يحاول أن يسحب بساط الاستحقاق الرئاسي من تحت أرجل المسيحيين.
وأعرب نعمة الله أبي نصر، النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه الزعيم المسيحي ميشال عون، عن أسفه لكون الخلاف المسيحي - المسيحي سمح للبعض بـ«التمادي» في مواقفهم، مشددا على أنّه «وإذا كان الموارنة حتى الساعة لم ينجحوا بحل خلافاتهم، فالأجدى بشركائهم في الوطن المساعدة في هذا المجال ولعب دور المصلح، لا العرقلة»، مصوبا باتجاه موقف جنبلاط الأخير.
وقال أبي نصر لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان هناك من يهتم للبعد الوطني فهم ولا شك اللبنانيون بشكل عام والمسيحيون بشكل خاص، الذين انفتحوا طوال مسيرتهم على كل المناطق من دون استثناء، ولم يتقوقعوا في منطقة محدودة كغيرهم من اللبنانيين»، لافتا إلى أنّهم «دفعوا ثمن هذا الانفتاح من خلال قانون الانتخاب الذي سمح لباقي الطوائف أن تنتخب نوابهم».
وشدّد أبي نصر على أن «رهان المسيحيين على إمكانية نجاح تلاقي الحضارتين الإسلامية والمسيحية بتأسيس دولة، لا يمكن أن يتأثر بتصريح جنبلاط أو بري أو غيرهما».
ونقل زوار بري عنه أنه يؤيد طرح جنبلاط، لجهة إعطاء بعد وطني للاستحقاق الرئاسي والتشديد على أهمية الشراكة الوطنية في إنجازه، لكنه لفت الانتباه في الوقت ذاته إلى أن الأفق الرئاسي لا يزال مسدودا، على الصعيدين الخارجي والمحلي، ولا معطيات جديدة في الاتجاهين.
ويعوّل كثيرون على الحوار الذي انطلق بين الزعيمين المسيحيين عون ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع مطلع العام الحالي عساه يطرح مخارج للأزمة الرئاسية، إلا أن عدم إتمام اللقاء المنتظر بينهما حتى الساعة أوحى للبعض بإمكانية فشل الجهود التي تبذل لطي صفحة خلافات وصراعات مستمرة بينهما منذ نحو 30 عاما.
وأكّد ملحم رياشي، رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات» وموفد رئيس الحزب للحوار مع تيار عون، أن «ما يتم التحضير له أهم وأبعد من الملف الرئاسي، كونه مبنيا على مرتكزات ثابتة وليست لقاءات فولولكورية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما نسعى إليه طي صفحة الماضي نهائيا وفتح صفحة جديدة نقية وناصعة، فنتنافس ونتحالف عندها برقي بعيدا عن صدامات الماضي».
وشدّد رياشي على أن الحوار مع تيار عون يسير على السكة الصحيحة وبالاتجاه الصحيح، مبينا «إننا شارفنا تقريبا على إنهاء المرحلة الأولى التي ستتوج بلقاء الزعيمين لإسدال الستار عن ورقة إعلان نوايا تم التحضير لها طوال الفترة الماضية».
وقال رياشي «إن الموضوع الرئاسي جزء من هذه الورقة التي تحدد مفهوم الرئيس القوي الذي يطمح له الطرفان المتحاوران».
وتنص المادة 49 في الدستور اللبناني على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور». وقد حدّ اتفاق الطائف الذي تم توقيعه في عام 1989 من صلاحيات رئيس الجمهورية التي تحولت لصلاحيات أشبه برمزية. فبعدما كانت السلطة الإجرائية مثلا تناط برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقا لأحكام الدستور، عدلت هذه المادة في الطائف، وأصبحت «السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقا لأحكام هذا الدستور».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم