بيونسيه وذي ستاليون وسويفت أهم الفائزات بـ«غرامي»

بيونسيه أثناء تسلمها جائزة عن أغنيتها «سافاج» (أ.ب)
بيونسيه أثناء تسلمها جائزة عن أغنيتها «سافاج» (أ.ب)
TT

بيونسيه وذي ستاليون وسويفت أهم الفائزات بـ«غرامي»

بيونسيه أثناء تسلمها جائزة عن أغنيتها «سافاج» (أ.ب)
بيونسيه أثناء تسلمها جائزة عن أغنيتها «سافاج» (أ.ب)

أتاحت الحفلة الثالثة والستون لتوزيع جوائز «غرامي» مساء الأحد للمغنية الأميركية بيونسيه تحطيم الرقم القياسي في عدد الجوائز التي حصلت عليها امرأة في هذه المسابقة، فيما كوفئت وصيفتها مغنية الراب ميغن ذي ستاليون بتتويجها أفضل فنان جديد هذه السنة.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فقد حطمت المغنية الأميركية تايلور سويفت هي الأخرى رقماً قياسياً، إذ باتت بذلك أول امرأة تحصل ثلاث مرات على جائزة ألبوم العام، معادلة هذا الإنجاز الذي سبقها إليه عمالقة الموسيقى كستيفي ووندر وفرانك سيناترا وبول سايمون. وقالت عقب فوزها: «لقد كنتم على الموعد في العالم الخيالي الذي أوجدناه» في ألبوم «فولكلور» المستوحى من العودة إلى الأرض وإلى الأشياء البسيطة في الريف.
وفي الحفلة التي كانت للنساء حصة كبيرة من جوائزها، كوفئت الأميركية هير عن «آي كانت بريذ» التي اختيرت «أغنية العام»، وهي مستلهمة من التظاهرات المناهضة للعنصرية التي شهدتها الولايات المتحدة الصيف الفائت، في حين حصلت المغنية الشابة بيلي أيليش على جائزة تسجيل العام عن «إفريثينغ آي وانتد»، وهي المرة الثانية توالياً تنالها.
واتخذت إجراءات وقائية صحية صارمة في الاحتفال الذي أقيم في لوس أنجليس بعد عام تماماً على أول إغلاق لقاعات الحفلات الموسيقية في الولايات المتحدة بسبب فيروس كورونا، إذ وضع النجوم الكمامات والتزموا التباعد بعضهم عن بعض، لكن الأمسية لم تخل من عروض غنائية صادمة.
ومُنِحت ميغن ذي ستاليون جائزة أفضل فنان جديد لتصبح أول مغنية راب تحصل على هذه الجائزة العريقة منذ لورين هيل عام 1999، وكرّست هذه الجائزة نجاح الفنانة بعد سنة تميزت بصدور أول ألبوم لها في الاستديو بعنوان «غود نيوز»، وبأغنية «واب» التي أدتها مع كاردي بي وحققت نجاحاً كبيراً، إضافة إلى التوزيع الجديد من أغنيتها «سافدج» مع بيونسيه.
ونالت الفنانتان عن هذه الأغنية جائزة «أفضل أداء راب» و«أفضل أغنية راب».
ومع بلوغ مجموع ما فازت به خلال مسيرتها 28 جائزة، دخلت «كوين بي» تاريخ جوائز «غرامي» من خلال تحطيمها الرقم القياسي في عدد جوائز «غرامي» التي حصلت عليها امرأة، وفي عدد الجوائز التي حصل عليها ميغن، سواء أكان رجلاً أو امرأة.
وكمنفردة، حصلت بيونسيه على جائزة أفضل أغنية مصوّرة عن «براون سكين غيرل»، وكانت جائزتها الأبرز فوزها في فئة أفضل أداء «أر أند بي» عن «بلاك باريد» التي صدرت في خضمّ موجة الغضب بعد مقتل جورج فلويد والتظاهرات الواسعة المناهضة للعنصرية خلال صيف 2020، وهو ما لم تكن أكاديمية فنون التسجيل وعلومه التي تمنح جوائز «غرامي» تستطيع تجاهله.
وتدين كلمات «بلاك باريد» القوية، العنصرية وتدعو إلى التحرك في سبيل الحقوق المدنية وتشكّل تحية لثقافة السود.
ومع أنها تضبط انفعالاتها عادة، بدت بيونسيه بوضوح متأثرة لدى تسلّمها الجائزة التي رفعتها إلى صدارة الفنانات. وقالت: «كفنانة، أعتبر أن وظيفتي، لا بل وظيفتنا جميعاً، أن نعكس زماننا». وأضافت: «أردت دعم وتشجيع جميع الملكات والملوك السود الذين يواصلون إلهامي وإلهام العالم بأسره، والاحتفاء بهم».
وكرّمت «غرامي» الأميركية هير بمنحها جائزة «أغنية العام» عن «آي كانت بريذ» التي تدعو إلى وضع حد للتمييز العنصري وعنف الشرطة، ويذكّر عنوانها بعبارات جورج فلويد الأخيرة، وقبله الأميركي الأسود إريك غارنر الذي توفي اختناقاً خلال توقيفه في نيويورك في يوليو (تموز) 2014.
وقالت المغنية، البالغة 23 عاماً، لدى تسلّمها جائزتها: «لم أتخيل إطلاقاً أن خوفي وألمي سيكون لهما أثر».
وحصلت بيلي أيليش للمرة الثانية توالياً على جائزة تسجيل العام عن «إفريثينغ آي وانتد»، ما يعدّ إنجازاً لهذه الفنانة التي لا تزال في التاسعة عشرة، علما بأنها حصلت العام الفائت على جوائز الفئات الأربع الرئيسية.
وقالت المغنية الشابة لدى تسلّمها الجائزة إنها كان يجب أن تعطى لميغن ذي ستاليون. كذلك حصلت بيلي أيليش على جائزة عن «نو تايم تو داي»، وهي الأغنية الرسمية للفيلم الجديد من سلسلة جيمس بوند، وقد كتبتها مع شقيقها.
ورغم ترجيح عدد من النقاد حصولها على أكثر من جائزة، اكتفت دوا ليبا بالفوز في فئة أفضل ألبوم لموسيقى البوب عن «فيوتشر نوستالجيا»، وهي مجموعة من الأغنيات من نوع الديسكو والألحان المناسبة للرقص.
أما المغني هاري ستايلز الذي افتتح الأمسية بأغنيته «ووترميلن شوغر» وهو يلف عنقه بوشاح من الريش الأخضر، فنال «غرامي» لأفضل أداء منفرد في موسيقى البوب.
وبعدما كانت شهرتها تستند إلى كونها عضواً في فرقة «ألاباما شايكس»، فازت بريتاني هاورد بجائزة أفضل أغنية روك، بينما حصلت فيونا آبل على جائزتين عن ألبومها «فيتش ذي بولت كاترز».
وفي فئة الروك التي حضرت فيها النساء بقوة، نالت فرقة «ذي ستروكس» جائزة أفضل ألبوم عن «ذي نيو أبنورمال»، وهي أول جائزة لهذه الفرقة رغم مسيرتها الطويلة.
كذلك حصل مغني الراب المخضرم ناس على جائزة أفضل ألبوم لهذا النوع الموسيقي عن «كينغز ديزيز»، وهي أول جائزة له بعد 14 ترشيحاً.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)