قطارات مصر... حميمية الأحاديث تتجاهل المخاوف من «كورونا»

دردشة الركاب تدور حول الفيروس وكرة القدم و«لقمة العيش»

قطار في إحدى محطات مصر
قطار في إحدى محطات مصر
TT

قطارات مصر... حميمية الأحاديث تتجاهل المخاوف من «كورونا»

قطار في إحدى محطات مصر
قطار في إحدى محطات مصر

في حكاية أقرب للخيال، تداولتها وسائل الإعلام المصرية، الشهر الماضي، قادت «دردشة قطار» بين راكب وسيدة تبيع الألبان والجبن، إلى توصل أسرة إلى نجلها المفقود منذ نحو 20 عاماً، حين كان الراكب يسأل السيدة عما إذا كانت تعرف طفلاً تائهاً يبحث عنه، فأخبرته أنها لا تعرف سوى شاب مفقود بقريتها تبناه أحد الأشخاص في بني سويف (145 كم جنوب القاهرة)، ليلتقط راكب آخر ما يدور بين الاثنين، ويدفعه الفضول لمعرفة المزيد عن هذا الشاب المفقود، بعد أن تذكر واقعة فقدان طفل من قريته في ذلك التاريخ، ليعود بهذه الأخبار لذويه، وتنطلق الأسرة إلى قرية البائعة، لتكون المفاجأة أن المفقود هو نجلهم بالفعل.
لا تخلو قطارات مصر من الأحاديث والدردشات بين الركاب، التي يحاولون بها التغلب على ملل المسافات الطويلة بين المحطات، وكسر عزلة فيروس كورونا، محاولين بأحاديثهم الحميمة والمتشعبة التعايش مع الفيروس وتجاهل المخاوف من الإصابة به، بعد أن التقطه نحو 187 ألف مصري من بداية الجائحة.
وتنقل قطارات السكة الحديد نحو مليون راكب يومياً في الوقت الحالي، ومن المخطط أن يزيد العدد إلى 1.5 مليون راكب يومياً في عام 2024، حسب تصريحات حديثة لوزير النقل المصري.
ومع هذا العدد الضخم، تشهد القطارات باختلاف أنواعها ودرجاتها (المكيفة والعادية) ظاهرة الدردشات الاجتماعية، والمحادثات القصيرة، التي قد تطول بالتشارك في الطعام أو الشراب، حيث يحاول المسافرون، سواء من موظفين ومديرين، وعمال وحرفيين، ونساء ورجال وأطفال، التخفيف على بعضهم البعض من طول الرحلة.
من خلف الكمامات، التي يعد ارتداؤها إلزامياً بالقطارات ووسائل المواصلات كإجراء احترازي للحد من انتشار الفيروس، تسيطر «كورونا» على جل الأحاديث، ويكفي مرور أحد الباعة الجائلين لبيع الكمامة بثمن جنيه واحد فقط (الدولار يساوي 15.73 جنيه)، لتبدأ أحاديث الركاب عن مصدرها، ومدى فاعليتها، ثم تتسع الأحاديث إلى رواية أقاصيص عمن طالهم المرض من أقارب ومعارف الركاب، وكيفية التعافي منه، ومن توفي بسببه، إلى جانب إسداء النصائح بينهم عما يجب الاحتياط به من مأكولات وأدوية لتجنب الإصابة.
ويقول أحمد فاروق، الذي يعمل محاسباً ويستقل القطار يومياً صباحاً ومساء من مسقط رأسه محافظة المنوفية بدلتا النيل إلى مقر عمله بالقاهرة، «تبادل الأحاديث مع جيراني الركاب أمر معتاد، بل فرضت الرحلة اليومية عليّ وجوهاً أعرفها بشكل دائم، وهذه الأحاديث معهم تكون فرصة لكسر روتين الرحلة اليومي».
ويلفت إلى أنه رغم تشعب موضوعات الدردشات، إلا أن فيروس كورونا يحتل صدارة الأحاديث منذ نحو عام، ويضيف: «أينما تجلس في القطار ستحاصرك المعلومات عن الفيروس وكيفية الحماية منه، وأرى في ذلك محاولة لتبديد المخاوف المشتركة، لكن أحياناً كثيرة تكون لدى البعض معلومات خاطئة، بسبب اختلاف الثقافات التي يجمعها القطار».
لا تقتصر الأحاديث على ركاب المقاعد المتقابلة، بل تنتقل إلى المسافرين وقوفاً بين أبواب العربات والطرقات بسبب الزحام، وتتشعب كلماتهم في موضوعات شتى لمحاولة نسيان عناء السفر.
وأعلنت الحكومة المصرية في 2014 وضع خطة شاملة لتطوير كافة عناصر منظومة السكك الحديدية، وضخ نحو 142 مليار جنيه لذلك، سواء في مشروعات تمت أو جارٍ تنفيذها أو مخطط تنفيذها حتى 2024، وتأتي صفقة تصنيع وتوريد 1300 عربة قطار جديدة مختلفة الطرازات، ينفذها تحالف روسي مجري، هي الصفقة الأكبر والأضخم في تاريخ سكك حديد مصر، وهي العربات التي تصل تباعاً وتعول عليها الحكومة رفع كفاءة التشغيل اليومي للقطارات.
وهو التطوير الذي ينال حقه من «دردشة» الركاب. يقول محمود عبد الوهاب، الذي يعمل موظفاً بالقاهرة ويسافر أسبوعياً إلى قريته بمحافظة المنيا: «مع التطوير الذي بدأنا نلاحظه ينشغل كثيرون بالحديث عن السكة الحديد، وأهمية تطويرها، إلا أنه مع تحسن مستوى الخدمة تنصب انتقادات الكثيرين بشكل يومي على أسعار التذاكر وارتفاع قيمتها، لا سيما العربات الروسية الجديدة».
مع زيادة سرعة القطار؛ تزيد وتيرة النقاشات اليومية للركاب التي تدور في كثير من الموضوعات، وتطغى كرة القدم على تلك الأحاديث، لا سيما بين مشجعي ناديي الأهلي والزمالك، وهي مشاحنات يومية معتادة بين أنصار الفريقين، لا تفارقها عقد المقارنات بين الفريقين وإنجازاتهما وتاريخهما، أو ظاهرة «التحفيل» التي انتقلت من الفضاء الإلكتروني إلى الركاب، خصوصاً عند تعثر أحد الفريقين.
حال الطقس أيضاً تأخذ حيزاً من الدردشات، لا سيما أثناء درجات الحرارة المنخفضة خلال الشتاء، كما ترتفع «حرارة» الأحاديث مع التطرق إلى الأمور العامة، والأحوال الاقتصادية والسياسية، ورحلات البحث اليومي للحصول على «لقمة العيش».
مع تجول الباعة ببضاعاتهم في القطارات، تكون الفرصة لتجاذب الأحاديث الساخرة مع الركاب، أو إلقاء «النكات والقفشات» لترويج ما يبيعونه، وهو ما يعمل على إشاعة البهجة بين الجميع في محاولة لتجاهل مخاوف «كورونا».


مقالات ذات صلة

«كوفيد» الطويل الأمد لا يزال يفتك بكثيرين ويعطّل حياتهم

صحتك صورة توضيحية لفيروس «كوفيد-19» (أرشيفية - رويترز)

«كوفيد» الطويل الأمد لا يزال يفتك بكثيرين ويعطّل حياتهم

منذ ظهور العوارض عليها في عام 2021، تمضي أندريا فانيك معظم أيامها أمام نافذة شقتها في فيينا وهي تراقب العالم الخارجي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل جعلت التكنولوجيا الأشخاص أكثر نرجسية؟

كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
TT

هل جعلت التكنولوجيا الأشخاص أكثر نرجسية؟

كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)

تعد الشخصية النرجسية من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، حيث يتسم أصحابها بالتركيز الشديد على ذاتهم والشعور بالعظمة والاستحقاق الزائد والحاجة المفرطة للإعجاب، إلى جانب قلة التعاطف مع الآخرين.

ويرى الدكتور بيتر غاردنفورس، أستاذ العلوم المعرفية في جامعة لوند بالسويد، أن عدد أصحاب الشخصية النرجسية ازداد كثيرا في الفترة الأخيرة، وأرجع السبب في ذلك إلى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقال غاردنفورس لموقع «سايكولوجي توداي»: «لقد كان للتكنولوجيا الحديثة تأثير عميق على صورتنا الذاتية. وبدأ ذلك بالكاميرات والهواتف الذكية التي تتيح للشخص التقاط صور متعددة لنفسه وتحسينها ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على إعجاب الآخرين. وكلما زاد الإعجاب بالصورة زاد خطر أن يصبح نرجسيا، حيث يمكن أن يشعر بالعظمة والاستحقاق بشكل مبالغ فيه».

وأضاف: «إن إنتاج الصور اليوم ليس سريعاً فحسب، بل إنه رخيص أيضاً. يمكننا التقاط عدد كبير من الصور لأنفسنا والتخلص فوراً من تلك التي لا نعتقد أنها تنصفنا. ويمكننا بسهولة التلاعب بالصور لتجميل أنفسنا ثم نشرها على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي. لم تعد الصور تلتقط بالكاميرا لصنع الذكريات بل أصبحت سلعة قابلة للاستهلاك».

ولفت أستاذ العلوم المعرفية إلى أن الاهتمام بالصفات الداخلية مثل شخصية الشخص وذكائه وأخلاقه أصبح في مرتبة أدنى من الاهتمام بالشكل والمظهر وغيرها من الخصائص الخارجية.

كما يرى غاردنفورس أنه كلما زاد التقاط الشخص لصور «سيلفي» لنفسه، تأثرت طريقة تصوره لذاته وكان ذلك مؤشرا على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسيا.

علاوة على ذلك، فإن كثرة مشاركة الأخبار والمنشورات السلبية على مواقع التواصل تجعل الشخص أقل حساسية تجاه هذا النوع من الأخبار في المستقبل وأقل تعاطفا مع الآخرين.

وأكد غاردنفورس أنه يرى أن «فيسبوك» و«إنستغرام» هما تقنيتان مثاليتان للنرجسيين.