السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود

طوابير انتظار تستثني الأثرياء والأنيقين والجميلات.. وتعاقب الفقراء

السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود
السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود
TT

السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود

السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود
السوريون على الحدود اللبنانية: نتعرض لإذلال بلا حدود

لم يعد السفر من دمشق إلى بيروت فرصة للتنفس خارج فضاء النار والبارود والرعب، بل هو في أحسن حالاته هواجس من الإذلال على الحدود اللبنانية، وبصعوبة بالغة يتقبل السوريون التشديدات والتصرفات النزقة لبعض موظفي الأمن العام اللبناني، والتي لا يمكنهم تبريرها فقط بالحد من تدفق اللاجئين، لأن التشديدات لا تنحصر باللاجئين فقط، بل هناك تمييز طبقي بين المسافرين السوريين، فثمة معاملة خاصة للأثرياء، مثل رجال الأعمال، وكذلك للسيدات الجميلات الأنيقات.
سامر الذي كان حصل على موعد لمقابلة في السفارة الأميركية طالما انتظره، على أمل الحصول على فيزا للحاق بزوجته وابنه الذي ولد في الولايات المتحدة، ولم يره بعد، يقول: إن من سوء حظه تزامن موعد السفارة مع اليوم الذي فرضت فيه شروط جديدة لدخول السوريين إلى لبنان بداية العام الجاري.
كان عليه الوقوف في طابور يُرى أوله ولا يُرى آخره. وقد بذل جهودا استثنائية للوصول إلى رجل الأمن العام المكلف بتنظيم الدور الذي كان يفرز الواقفين في الساحة أمام المبنى، إلى سوريين وغير سوريين. فأخبره أن لديه موعدا في السفارة الأميركية، إضافة إلى أنه يحمل جواز سفر أميركيا يعود لطفله الصغير، وعلى الفور استثناه موظف الأمن من الدور مشيدا بتبعية ابنه لأميركا لا لهؤلاء «الرعاع» السوريين، والتي عبر عنها بكلمة عامية نابية قال سامر بأنه لا يسمح لنفسه بتكرارها.
القصة التي رواها سامر واحدة من مئات القصص التي يتداولها السوريون اليوم عن الإذلال الذي يتعرضون له على الحدود اللبنانية، بدءا من إلزامهم بالوقوف طويلا خارج المبنى، وصولا إلى عدم السماح لهم بالدخول، والمعاملة السيئة للفقراء منهم والبائسين لا سيما النازحين. وقد يرفض دخول آخرين بناء على الشكل والملابس، بحسب ما يؤكد سائق تاكسي على خط دمشق بيروت يقول: «المسألة ليست إجراءات، بل هو قرار بالتضييق على السوريين ليكرهوا السفر إلى لبنان»، لافتا إلى أن تطبيق الإجراءات «يتسم بالمزاجية، فأحيانا هناك أشخاص ورغم استيفائهم كافة الشروط يتركهم الأمن العام ينتظرون لعدة ساعات قبل أن يسمح لهم بالدخول». وأحيانا أشخاص يبدو عليهم أنهم أثرياء لا يُسألون عن الوثائق والأوراق ويكتفون بإبراز بطاقة نقابية. ويذكر السائق حادثة جرت معه الأسبوع الماضي عن سيدة مسنة جاءت معه إلى بيروت للعلاج، وكانت تحمل كافة الأوراق التي تثبت ذلك مع اسم المشفى والطبيب والإضبارة الطبية ومبلغا ماليا يعادل ألف دولار، ومع ذلك انتظرت نحو تسع ساعات ريثما سمحوا لها بالدخول لمدة يومين فقط. وفي ذات الوقت كان معه مسافر يحمل بطاقة من غرفة التجارة سمح له بالدخول فورا، مع ترحيب مبالغ فيه.
وبحسب تقدير مصادر لبنانية، فإن الإجراءات الجديدة أفلحت في تخفيض عدد السوريين الداخلين إلى لبنان يوميا من خمسة عشر ألفا في اليوم إلى سبعمائة شخص يوميا، بعد نحو شهر من فرض تلك الإجراءات، علما بأن مصدرا بارزا في وزارة الداخلية اللبنانية سبق وقال لـ«الشرق الأوسط» بعد أسبوع على اتخاذ الحكومة قرارا بمنع دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان، بأن الإجراءات «أثمرت تخفيضا في عدد السوريين الداخلين إلى لبنان من 8000 إلى 3000 شخص يوميا»، مشددا على أن السوريين الذين يدخلون لبنان «لا يتضمن بينهم أي مواطن سوري يدخل بقصد النزوح».
ويبرر الجانب اللبناني قرار منع دخول اللاجئين السوريين بازدياد الضغوط والأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي فاقت قدرة لبنان على تحملها، بعد أن تجاوز عدد اللاجئين السوريين المليون و130 ألف لاجئ سوري، في حين لا يتجاوز عدد سكان لبنان 4 ملايين نسمة.
على الجانب السوري هناك استياء كبير من الإجراءات اللبنانية لأنها تطبق بطريقة «استفزازية» بحسب ما قالته ن.ع، موظفة العلاقات العامة في شركة سورية خاصة ولا تحمل بطاقة نقابية تثبت عملها، التي قالت: إنها مضطرة للذهاب إلى بيروت كل شهرين لمتابعة عمل شركتها في بيروت، وفي المرة الأخيرة انتظرت تسع ساعات على الحدود قبل أن يسمح لها بالدخول لمدة أربع وعشرين ساعة فقط، لم تكن كافية لإتمام عملها. وكذلك طبيب الأسنان سامي. غ الذي يقصد بيروت مع زميل له لإجراء عمليات جراحية في مركز لزراعة الأسنان تعاقد معه للعمل عشرة أيام من كل شهر. عن آخر زيارة لبيروت قال: تعرضنا لما هو أشد من الذل، مع أننا قلنا لهم بأننا أطباء ولسنا نازحين، ومع ذلك، تركونا ننتظر ست ساعات، وقبلها أمضينا ساعتين حتى وصلنا إلى باب المبنى.
أما نهال. م، وهي أم لشابين يقيمان في لبنان هربا من الخدمة العسكرية واعتادت زيارتهما كل شهر مرة، لكنها الآن لم يعد ذلك ممكنا لها، إذ ليس لولديها سند إقامة في لبنان ولا تملك ألف دولار، لتحقيق شرط التسوق، وليس لديها مال فائض لتحجز فندقا ليومين، وتقول: ما أحمله من مال بالكاد يكفي أجرة تاكسي للذهاب والإياب والإقامة عند أولادي يومين.
وتقول نهال. م: «إلى قبل شهرين كان لبنان نافذتنا الوحيدة للتنفس ولكن هذه النافذة أغلقت الآن، وصرنا على الحدود نتعرض لإذلال بلا حدود، وكأن ما بنا من مصائب لا يكفي». وتستدرك قائلة: «نحن لا نريد الهجرة إلى لبنان أو إلى أي بلد غيره، نريد أن نبقى في بلدنا وأن يعود لنا أبناؤنا. وإذا أرادوا أن يحلوا مشاكل لبنان ومشاكل اللاجئين وهم على حق في ذلك، فليساعدوا سوريا في حل أزمتها، لا أن تحل كل المشاكل على حساب السوريين وزيادة معاناته».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.