ما زال في جعبة فان غوخ ما يبهر

أكسل روغر مدير متحف فان غوخ بأمستردام إلى جانب اللوحة المكتشفة (أ.ب)
أكسل روغر مدير متحف فان غوخ بأمستردام إلى جانب اللوحة المكتشفة (أ.ب)
TT

ما زال في جعبة فان غوخ ما يبهر

أكسل روغر مدير متحف فان غوخ بأمستردام إلى جانب اللوحة المكتشفة (أ.ب)
أكسل روغر مدير متحف فان غوخ بأمستردام إلى جانب اللوحة المكتشفة (أ.ب)

أعلن متحف «فان غوخ هنا»، أمس، عن تعرفه على لوحة جديدة بارزة لفينسنت فان غوخ. وقد قام برسم ذلك العمل الفني، الذي يحمل اسم «غروب الشمس في مونماجور»، في آرل عام 1888، وهي فترة اعتبرت ذروة الحياة العملية للفنان.
يقول مدير المتحف، أكسل روغر، في مقابلة أجريت معه «للمرة الأولى في تاريخ المتحف، على مدار فترة الأعوام الأربعين الماضية، يتم اكتشاف عمل جديد مهم من أعمال فان غوخ لم يكن معروفا من قبل في الأدب. دائما ما ظننا أننا قد شاهدنا كل شيء وأننا نعلم كل شيء، والآن، نحن قادرون على إضافة عمل جديد بارز إلى مجموعة أعماله». وأضاف «إنه عمل من أهم الفترات في حياته، حينما أنتج روائعه المهمة، مثل (عباد الشمس) و(البيت الأصفر) و(غرفة النوم)».
تجسد اللوحة منظر مونماجور شديد الانحدار في بروفنس، مع حقول القمح وحطام دير بنديكتي في الخلفية. كانت المنطقة المحيطة بمونماجور موضوعا تناوله فان غوخ بشكل متكرر خلال الفترة التي أمضاها في آرل. وكانت اللوحة ضمن مجموعة فنية لإحدى الأسر على مدى عدة أعوام، وأشار روغر إلى أنه بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية، لا يمكن كشف أي معلومات عن الملاك.
وحتى عام 1901، كانت بين مجموعة الأسرة الفنية التي يملكها شقيق فينسنت، ويدعى ثيو، بحسب ماريغ فيلكوب، رئيس المجموعات الفنية والأبحاث والعرض بالمتحف. وتم عرضها في باريس وبيعها لتاجر أعمال فنية هناك، والذي قام ببيعها بعد ذلك لجامع أعمال فنية نرويجي في عام 1908، على حد قولها. وبعد فترة قصيرة من ذلك، حسبما أضافت فيلكوب «أعلن عن كونها مزيفة، أو ليست أصلية»، وقام جامع الأعمال الفنية النرويجي بوضعها في عليته، حيث بقيت بها إلى أن قام الملاك الحاليون بشرائها منه. ورفض فيلكوب الإدلاء بأي معلومات إضافية عن تاريخ الشراء أو ملاك المجموعة الفنية.
يذكر أن اللوحة رسمت أيضا على النوع نفسه من قماش القنب (الكانافاه)، بالنوع نفسه من التلوين غير الكافي الذي استخدمه في لوحة أخرى واحدة على الأقل، و«الصخور» (التي يملكها متحف الفنون الجميلة في هيوستن) من المنطقة نفسها وفي الوقت نفسه، بحسب المتحف. وقد تم إدراج العمل أيضا بوصفه جزءا من مجموعة ثيو فان غوخ في عام 1890، ثم بيع في عام 1901.
تتماثل لوحة «غروب الشمس في مونماجور» في الحجم مع لوحة «عباد الشمس» لفان غوخ في العام نفسه. ورفض مسؤولو المتحف التأمل في قيمة العمل. «من هذه الفترة، لا يوجد عدد هائل من اللوحات في السوق - سواء بهذا الحجم أو بهذه المكانة، من ثم، يصعب قول أي شيء عن ذلك»، تقول فيلكوب. وبيعت لوحته «عباد الشمس» في العام نفسه نظير 25 مليون جنيه إسترليني (39.9 مليون دولار) في عام 1987 في مزاد في دار «كريستيز» بلندن.
وقد أتى بها الملاك إلى المتحف مرة واحدة من قبل في عام 1991، بحسب روغر، ولكن في ذلك الوقت، لم يتعرف عليها أحد باعتبارها عملا لفان غوخ. يقول «في هذه المرة، لدينا معلومات طبوغرافية، إضافة لعدد من العوامل الأخرى التي ساعدتنا في تحقيق الأصالة. البحث أكثر تقدما جدا الآن، لذلك، قد نصل لنتيجة مختلفة تماما».
وانتقل فإن غوخ إلى آرل في فبراير (شباط) 1888 وأمضى وقتا في استكشاف المناظر الطبيعية في بروفينس، وإتمام عمل فني «في الهواء الطلق» أو بين أحضان الطبيعة. كان مفتونا على وجه الخصوص بالمنظر الطبيعي المنبسط حول تل مونماجور ببروزاته الصخرية وحقوله الملونة وأنتج العديد من اللوحات من حطام الدير وأشجار الزيتون والصخور الناتئة من التلال. وفي خطاب يرجع تاريخه إلى شهر يوليو (تموز) من عام 1888، قال إنه ذهب إلى مونماجور للمرة الخمسين على الأقل «لرؤية المشهد من فوق الأرض المنبسطة». وفي وصفه هذه المنطقة لصديقه، الزميل الفنان إميل برنار، كتب «تعتبر مساحة واسعة من الريف، نظرة عليه من أعلى قمة تل: كروم وحقول قمح تم جنيه حديثا. كل هذا تضاعف في تكرار لا نهاية له، ممتدا باتجاه الأفق مثل سطح بحر، تحده تلال لاكرو الصغيرة». وتجسد لوحة أخرى معروفة المنظر الطبيعي في «الحصاد في لاكرو مع مونماجور في الخلفية» والتي تعود أيضا لعام 1888.
وسوف تعرض اللوحة في بداية معرض يقام في أمستردام يوم 24 سبتمبر (أيلول) كجزء من المعرض الحالي «فان غوخ في العمل»، والذي يركز على الاكتشافات الأخرى الجديدة عن التطور الفني للفنان.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».