ظاهرة «المؤثرين» تنتظر التقنين... والجمهور مشتت

هل نشأت حاجة لتغيير المفاهيم حول مشاركة «نجوم التواصل الاجتماعي» في العمل الإعلامي؟

د. خالد الحلوة
د. خالد الحلوة
TT

ظاهرة «المؤثرين» تنتظر التقنين... والجمهور مشتت

د. خالد الحلوة
د. خالد الحلوة

يصف البعض العمل الاتصالي بمختلف مجالاته، سواء الإعلامي أو الإعلاني أو التسويقي، بأنه قطار من التطورات والتغيرات التي لا تتوقف، ففي كل يوم يستفيق هذا المجال على أفكار جديدة، تدعو إلى التغيير ومواكبتها، ووضع ضوابط ورقابة لها. وخلال السنوات الأخيرة، مع التغيرات الحاصلة في وسائل التواصل وبروز شبكات التواصل الاجتماعي، ولدت ظاهرة «المؤثرين»، التي زادت من ضرورة مواكبة العمل الإعلامي والاتصالي لمختلف الجهات الإعلامية وغيرها لمتغيرات المرحلة الاتصالية وفهم وسائل الإقناع والتسويق. وهكذا، ما عاد يغيب مؤثرو شبكات التواصل الاجتماعي عن معظم الحملات الاتصالية، بل صاروا يستخدمونها كأداة فعالة لتحقيق انتشار أوسع، سواءً لأهداف مادية أو إخبارية.

توجه بعض الجهات أو المؤسسات إلى توظيف المؤثرين في حملاتها الإعلامية والإعلانية أدى إلى ربط هؤلاء المؤثرين بالعمل الصحافي أو الإعلامي. وهذا أمر ينفيه متخصصون في هذا المجال، إذ يشيرون إلى العديد من الفوارق بين العمل الصحافي أو الإعلامي والتغطيات الترويجية التي يضطلع بها المؤثرون في منصات التواصل الاجتماعي. ورغم اختلاف تسميات هؤلاء وتعددها - مثل «مشهور» و«مؤثر» و«نجم» و«فنان» -، فإن المسمى الذي يوضح دورهم في هذه الحملات هو «مؤثر»، وهو ما يستخدمه المعلنون.
ومن ثم، يمكن تعريف «المؤثر» بأنه شخص يتبعه العديد من الأشخاص في صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من عشرات الآلاف على أقل تقدير إلى ملايين المتابعين. وبالتالي، بمقدوره التأثير على نسبة منهم سلوكياً. وتثبت هذا الواقع الإحصاءات التي يحققها المؤثرون في سرعة الانتشار لجمهور أوسع، والعوائد المادية التي يحققها المعلن، من زيادة الإقبال والمعرفة بخدماته أو منتجاته.
من ناحية أخرى، يرى بعض المتخصصين والعاملين في مجال الاتصال، أن الاعتماد على مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي يوحي بضعف اتصالي لدى الجهة. ويضاف إلى ذلك أن استضافة المؤثرين قد تنعكس بعيوب اتصالية على الصورة الذهنية للجهة المستضيفة، كونها لا تستطيع فرض نوعية المحتوى الذي ينشره المؤثر، على المدى القصير أو الطويل. وجانب ثالث، يستحق الإشارة، هو أن الاعتماد على مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل مفرط، يجعل من بعض المؤثرين أقرب إلى «ناطقين» باسم الجهة المعلنة.
استطراداً، ورغم الأخطاء الاتصالية التي قد تنشأ من الاعتماد على المؤثرين، فإنه يمكن لمؤثر واحد إنعاش منتجات أو خدمات وتوجيه متابعيه لاقتنائها أو استخدامها، أو إثارة انتباه الجمهور لحدث معين، لا سيما، إذا توافرت لديه قاعدة جماهيرية ضخمة، يستطيع التأثير عليها. وبالفعل، حققت العديد من الحملات الإعلانية والإعلامية السابقة التي وظفت مؤثرين للتسويق لمنتجات أو الإعلام بخدمات، انتشاراً وإقبالاً كبيراً، وعادت بأرباح ضخمة.

ظاهرة جديدة
الدكتور خالد الحلوة، أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود سابقاً في العاصمة السعودية الرياض، يرى أن ظاهرة المؤثرين ظاهرة جديدة انتشرت في أنحاء العالم مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها العالم العربي. ومن ثم «ظهر العديد من الأشخاص في مختلف منصات الإعلام الاجتماعي الشهيرة، وباتوا يروجون لسلع وخدمات أو لشركات أو لحملات إعلامية لجهات حكومية أو غيرها من المؤسسات». ثم يوضح أن «السبب في لجوء هذه الشركات والجهات الحكومية إلى هؤلاء المشاهير، أو المؤثرين، هو التغير الكبير في طبيعة سوق الدعاية والإعلان والتسويق خلال السنوات الأخيرة».

جمهور مشتت
ويتابع الدكتور الحلوة حديثه، فيشرح: «إن الإعلان في وسائل الإعلام التقليدية، مثل الجرائد والمجلات الورقية والتلفزيون، ما عاد يصل إلى قطاعات واسعة من الجمهور كما كان الوضع عليه في السابق. إذ غدا الجمهور الآن مشتتاً ومتوزعاً بين العديد من وسائل الإعلام الجديدة ومنصات التواصل المختلفة. وهكذا، صار من المتعارف عليه راهناً أن الوصول للجمهور يجب أن يكون عن طريق البحث عنهم أينما كانوا، وعلى وجه الخصوص... في المنصات الجديدة». وتابع «قد يكون أفضل مَن يصل إلى هذه القطاعات أو الشرائح في وسائل التواصل الاجتماعي المشاهير... الذين صنعوا لأنفسهم حشداً كبيراً من المتابعين. ومن هذا المنطلق، تسعى الجهة المعلنة إلى الوصول لقطاعات هذا الجمهور عن طريق هؤلاء المشاهير أو المؤثرين».

حوكمة الإعلان
وفي سياق شرحه هذا الواقع، ينصح الدكتور الحلوة بأنه «نظراً لحداثة هذه الظاهرة، فإنها تحتاج إلى المزيد من الرقابة وتطبيق التشريعات الهامة التي تضبط عمل هؤلاء المؤثرين». وهنا يشير إلى أنه «في الولايات المتحدة الأميركية تتولى هيئة التجارة الفيدرالية مهمة ضبط هذه الظاهرة عن طريق القوانين ومتابعة تطبيقها من قبل المشاهير والجهات المعلنة. ومن أهم ضوابط إعلانات المؤثرين التي تطبقها الهيئة مسألتا الصدق والموثوقية في الإعلان لتجنب خداع المستهلك، وكذلك أهمية تنبيه المستهلك بأن ما يشاهده هو إعلان مدفوع الثمن، وأن يبرز ذلك بشكل واضح وصريح. ثم يوضح أن العديد من الدول بدأت بتطبيق قوانين مشابهة للقوانين الأميركية، مثل بريطانيا وأستراليا وغيرهما».

الحالة السعودية
في المملكة العربية السعودية، تتجدد بين كل فترة وأخرى، مطالب بضرورة «حوكمة» نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً الإعلانات بها، والتي يكون خلفها عادةً المشاهير والمؤثرون. وهو ما انعكس أخيراً، بإلزام إشارة المؤثرين إلى أن المحتوى الذي يقدم هو مادة إعلانية.
وخلال الأسبوع الماضي، نشر عبد الرحمن الحسين، المتحدث الرسمي لوزارة التجارة السعودية، مقطعاً مرئياً عبر منصة «تويتر»، أوضح فيه 4 ضوابط إلزامية للإعلان في منصات التواصل الاجتماعي، إذ قال إنه يجب أن يلتزم المعلن سواء كان فردا أو منشأة بضوابط الإعلان المنصوص عليها في نظام التجارة الإلكترونية، مشيراً إلى أن من أهم هذه الضوابط: أن يصرح بوضوح أنه يقدم مادة إعلانية، وأن يذكر اسم المنتج أو الخدمة المعلن عنها، وأن يتحاشى تضليل المستهلك بادعاءات كاذبة، وأن يمتنع عن الإعلان عن منتج مقلد أو مغشوش أو علامة تجارية لا يملك موفر الخدمة حق استخدامها.

المؤثر ليس إعلامياً
وحول عمل المؤثرين وعلاقته بالعمل الإعلامي، عودة إلى الدكتور الحلوة، الذي يقول «إن المؤثر ليس إعلامياً، وفي الغالب هو شخص من الجمهور، له متابعوه بحكم خبرته أو جاذبيته الشخصية، وهو يستفيد من هذه الشهرة في نقل أفكاره للجمهور، ومن ضمن ذلك الترويج للسلع والمشاركة في الحملات الإعلامية وغير ذلك». ويردف موضحاً «في التعريف الأكاديمي للمؤثر... هو شخص له شبكة واسعة من المتابعين أو الصداقات في المجتمع، بحيث يكون له دور في تشكيل الرأي حول قضية معينة، لما يملكه من خبرة أو جاذبية أو سمعة لدى جمهور محدد»، ويختتم بالقول «المؤثرون ليسوا إعلاميين بقدر ما هم قادة رأي في مواضيع محددة، وفقاً لمتطلبات البيئة الاجتماعية التي يمارسون فيها نشاطهم».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.