«وادي الديسة»... لوحة الجاذبية في معادلة الطبيعة السعودية

الشتاء منح لمواقع شمال البلاد بوابة حضور سياحية عالمية

يُعد وادي الديسة أحد أهم المعالم الطبيعية في شمال السعودية (واس)
يُعد وادي الديسة أحد أهم المعالم الطبيعية في شمال السعودية (واس)
TT

«وادي الديسة»... لوحة الجاذبية في معادلة الطبيعة السعودية

يُعد وادي الديسة أحد أهم المعالم الطبيعية في شمال السعودية (واس)
يُعد وادي الديسة أحد أهم المعالم الطبيعية في شمال السعودية (واس)

الشتاء في معظم مدن السعودية له رونقه، خاصة شمالاً، وحتى تلك المناطق التي تمتاز باعتدال الأجواء صيفاً، جنوب البلاد، تظل معظمها بوصلة أصيلة للتنقل وبدء رحلات التميز السياحي في أكثر من مكان بتنوع للخيارات، بعد أن نجحت المملكة في تحجيم انتشار جائحة «كورونا» (كوفيد - 19).
«الشتاء حولك»، كانت عبارة تسويق سعودية، تحقق هذا المفهوم، حيث حملت جميع المدن الكثير من المتعة لكل زائر وسائح من داخل البلاد وخارجها، وأصبح الشتاء موسماً لأكثر من مجرد رحلات برية في الصحراء، بل دخلت الجبال السواحل مجال المنافسة مع تنوع الصحاري والأودية في مختلف مناطق المملكة.

وادي الديسة... جمال التفاصيل
إحدى أبرز المناطق التي لمع بريقها مع هذا العام، واتجهت بوصلة الرحلات البرية نحوها، كانت «وادي الديسة»، الذي يقع تحديداً ضمن محمية الأمير محمد بن سلمان، وذا امتداد طبيعي حتى مدينة نيوم الحالمة.
الوادي بقعة من الطبيعة الغنية تقع ما بين جبال شاهقة، لترسم على مشارف المدينة الحالمة لوحة جمالية تعكسها مياهها الجارية على امتدادها. ويحتوي الوادي على عيون المياه العذبة، إضافة إلى احتوائه على مواقع أثرية مختلفة، مثل واجهات لمقابر «نبطية» منحوتة بالصخر، وبقايا جدران تحوي كتابات نبطية وعربية بالخط الكوفي.
وادي الديسة، الذي شهد هذا العام إقبالاً واسعاً، يجده الرائي يتشكل من لونين، الأصفر والأخضر، فالأول هو لون التربة والجبال، والثاني هو لون النخيل والأشجار، متشكلة تضاريسه من جبال صخرية شامخة، تجري من بينها المياه التي تسقي النخيل وغيرها من الأشجار والنبات، وتعكس سطح المياه الصافية فيه صورة جمالية لطبيعة المكان.
في وادي الديسة التقت «الشرق الأوسط» عدداً من السياح الذين وفدوا إلى السعودية من دول عديدة، ووجدوا في المكان رحلة سياحية ممتعة سجلوها عبر صورهم في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
تقول المصورة ناتاليا، وهي من أوكرانيا، إنها المرة الأولى التي تزور فيها هذا الوادي الذي كان إحدى المحطات الرئيسية ضمن رحلة برية خططت لقضائها مع زوجها في جميع أنحاء السعودية، وعن هذا الوادي، تعبّر: «لقد أحببتُه كثيراً»، وتضيف: «أعتبره أفضل مكان زرناه خلال رحلتنا».
تواصل المصورة الأوكرانية حديثها عن هذا الوادي، الذي نشرت صوراً له عبر حسابها في منصة «إنستغرام» (@nataliya.mogeem)، وترى أن أفضل شيء فيه هو الهدوء الذي يهيمن على هذا المكان الجميل المليء بأشجار النخيل بين الجبال الشاهقة، ولا تسمع فيه إلا أصوات الطيور.
في حين قالت البرازيلية ديين بافون، إنها عرفت هذا الوادي عبر بعض الصور في منصة «إنستغرام»، لتخطط بعدها لزيارة المكان للمرة الأولى، حيث تقول عن الوادي: «لقد أحببته... وادي الديسة هو أحد أجمل الأماكن التي رأيتها على الإطلاق»، واصفة الطبيعة في هذا الوادي بأنها مدهشة، وتضيف أن أروع ما وادي الديسة هو مناظره الطبيعية الفريدة في وسط الصحراء.
وتابعت بافون حديثها عن الوادي، وقالت: «ما يميز الوادي هو تكوين الصخور، والطبيعة، والغطاء النباتي إضافة إلى مجرى المياه، وإمكانية القيادة بينها»، مضيفة أن المكان هادئ ومثالي لقضاء اليوم به أو التنزُّه أو مجرد الاسترخاء.
فيما قال المصور السعودي، يونس الدهيمان، إنه عرف الوادي عن طريق بعض الصور في منصة «إنستغرام» لرحالة زاروا هذا المكان في موسم الشتاء.
رحلات الاستكشاف للوادي لا تنقطع شتاء أو صيفاً، حيث تشير درجات الحرارة في «وادي الديسة» إلى تنوُّعها من 12 درجة مئوية شتاء، إلى 31 درجة خلال فصل الصيف، وأمطار يبلغ متوسط هطولها نحو 8 أشهر خلال العام.
هذا بينما ينتظر الوادي مشروعه التطويري الذي تستهدفه خطط الاستثمار السياحي عبر «صندوق الاستثمارات العامة السعودي»، الهادف إلى الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية للوادي، واستثمار مقوماته السياحية من مناخ معتدل وتضاريس جبلية مميزة وعيون متدفقة على مدار العام، لتصبح إحدى مناطق الجذب السياحي في المملكة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».