الفلسطينيات يبدعن عملاً وثورة

فلسطينية تواجه جنوداً إسرائيليين خلال مظاهرة بقرية يطا في يناير الماضي (رويترز)
فلسطينية تواجه جنوداً إسرائيليين خلال مظاهرة بقرية يطا في يناير الماضي (رويترز)
TT

الفلسطينيات يبدعن عملاً وثورة

فلسطينية تواجه جنوداً إسرائيليين خلال مظاهرة بقرية يطا في يناير الماضي (رويترز)
فلسطينية تواجه جنوداً إسرائيليين خلال مظاهرة بقرية يطا في يناير الماضي (رويترز)

مثل كل نساء العالم، فإن للفلسطينيات حياة خاصة وعامة، ومعارك كبيرة وصغيرة، والكثير من الأحلام، لكنهن بخلاف الأخريات يناضلن منذ أجيال على جبهة أخرى في معركة مرهقة ومستمرة، حوّلتهن كذلك إلى مقاتلات وشهيدات وأسيرات وملاحَقات، وفي المجمل بإرادة الكثير منهن، أو رغماً عنهن، حارسات بقاء وحياة ونار الفلسطينيين الدائمة، كما وصفهن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
تزخر حياة الفلسطينيين بالكثير من النماذج لنساء تحولن إلى رمز أو أيقونة، أو جلبن الاهتمام والاحترام وربما الجدل في مسيرة الثورة والانتفاضة وفي محاولة البناء، كلٌّ على طريقتها. واختارت «الشرق الأوسط» إلقاء الضوء بشكل سريع على نماذج لفلسطينيات على خط المواجهة، مواجهة الحياة أو الاحتلال.
تختصر ليلى غنام نجاح كثير من الفلسطينيات في الحياة العملية بعدما استطاعت بشكل لا يقبل الجدل قيادة مدينتي رام الله والبيرة منذ عام 2010 حتى الآن بأداء مبهر ومميز وقلَّ نظيره من السيدة الوحيدة التي تقلدت أول منصب «محافظ» حتى الآن في فلسطين، وقد تكون الأولى في العالم العربي. وغنام، التي تتمتع بنفوذ واضح، كونها ممثلة الرئيس الفلسطيني في المدينة التي تعد عاصمة سياسية واقتصادية مؤقتة للسلطة الفلسطينية، تعمل من الشارع أكثر من المكتب، وشعارها البسيط الذي تردده دوماً أنها تعيش بين الناس ولهم.
وعادةً يلتقي المواطنون غنام في الأفراح والأتراح والمسيرات الشعبية، وفي بيوت «الشهداء» و«الأسرى» تحت المطر والثلج وفي عز الصيف، وليس استثناء أنهم فوجئوا بها مع بداية جائحة «كورونا» في الأراضي الفلسطينية تتنقل بين الحواجز الأمنية وتراقب حركة السير وتُجبر المواطنين، بودٍّ منقطع النظير، على العودة من حيث أتوا إلى منازلهم. لقد لعبت أدواراً كثيرة لا تبدأ عند اتخاذ قرارات بإغلاق المدينة ولا تنتهي عند إيقاف السيارات على الحواجز. وهذه الصورة التي تحبها غنام لنفسها وترتضيها تشكّلت بسبب أنها جاءت من أسرة فقيرة ومناضلة جرّبت جميع أنواع الحرمان، وهي التي قادتها كذلك للحصول على شخصية العام وجائزة المرأة المثالية أكثر من مرة، حتى إن فلسطينيين بينهم الأسير المحرَّر علاء البرغوثي، أطلق قبل أعوام على طفلته اسما مركَّباً وهو «ليلى غنام».
وغنام واحدة من بين كثيرات تركت بصمتها لدى الفلسطينيين، لكن كل واحدة منهن بطريقتها الخاصة وحسبما سمحت لها الظروف.
وإذا كان يمكن القول إن غنام سيدة رام الله، فالحاجة عائشة صبيح التي توصف بـ«سيدة العنب» وتوفيت قبل سنوات، تمثل نموذجاً آخر في النضال والمواجهة، هو النموذج الصعب. لقد وقفت الحاجة عائشة (أم مريم) لسنوات طويلة عاجزة، مثل شعبها وقيادته، عن وقف تغوّل الاستيطان الرهيب، لكنها واجهته وحيدة وهو يلتفّ حول أرضها جنوب بيت لحم وظلت شوكة في حلق مستوطنة أفرات. هاجمها المستوطنون مرات عدة، واعتدوا عليها، وهددوها بالقتل، وجربوا أن يضيقوا عليها وخرّبوا زرعها وسدّوا طرقها، وعندما لم ينجحوا عرضوا عليها مبالغ طائلة وكبيرة لكنها ظلت تقول: «هذه الأرض روحي».
قبل أن ترحل شامخة، قالت الحاجة «أم مريم» لـ«الشرق الأوسط»: «والله لو حطوا مصاري (وضعوا فلوس) اليهود والمسلمين والمسيحيين، ما بعتهم هذه الأرض... هذه روحي وأنا تعبت فيها... أنا مش خايفة إلا من الذي خلقني، وأنا لا أبيع ديني وراح أعيش وأموت شريفة، زي أبوي وأمي». قاتلت صبيح وحيدة ورحلت وحيدة لكنها شكّلت نموذجاً ينحني له الأحرار في العالم، وهو نموذج متكرر بين الفلسطينيات.
تقول الروائية الفلسطينية نيروز قرموط، صاحبة قصة «عباءة البحر» التي نُشرت باللغة الإنجليزية قبل أن تحصل على جائزة القلم البريطاني عام 2017 ثم تُترجم أعمالها إلى 14 لغة: «نحب كوننا فلسطينيات». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن المرأة في مجتمعنا يقتلها الخوف، الأسرة تُضعف من وجودها، العادات والتقاليد تكبّلها، والمفهوم الخاطئ للدين يحبس تطورها، والاحتلال يمزّق حريتها، لكنها تحت كل هذا الضغط والألم تُبدع استمرار الوجود... الإبداع هو ثورة، ولحل القضية الفلسطينية نحتاج إلى إبداع ثورته امرأة».
تعتقد نيروز المولودة في مخيم اليرموك في سوريا قبل أن تعود إلى قطاع غزة نهاية 1994 في رحلة من لجوء إلى لجوء وحصار، أنه على الرغم من كل شيء «نحتاج إلى إعادة صياغة دور المرأة».
وتفيد إحصاءات بأن إسرائيل اعتقلت 16 ألف امرأة فلسطينية منذ عام 1967، واليوم يوجد في سجون إسرائيل 43 فلسطينية.


مقالات ذات صلة

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

يوميات الشرق امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (سكوبيي (مقدونيا الشمالية))
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.