رمزية سرت... من «القرضابية» إلى «داعش» مروراً بصعود القذافي وسقوطه

سرت التي «دلّلها» القذافي انتهت مدمَّرة في نهاية حكمه (رويترز)
سرت التي «دلّلها» القذافي انتهت مدمَّرة في نهاية حكمه (رويترز)
TT

رمزية سرت... من «القرضابية» إلى «داعش» مروراً بصعود القذافي وسقوطه

سرت التي «دلّلها» القذافي انتهت مدمَّرة في نهاية حكمه (رويترز)
سرت التي «دلّلها» القذافي انتهت مدمَّرة في نهاية حكمه (رويترز)

تستعد مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، مطلع الأسبوع المقبل، لاستضافة اجتماع للنواب الليبيين بهدف التصويت على منح الثقة لحكومة عبد الحميد دبيبة. وفيما لا تبدو المصادقة على الحكومة مضمونة في ظل الانقسامات الكبيرة بين النواب، فإن مجرد عقد جلسة لمجلس النواب في هذه المدينة سيُعد نجاحاً، نظراً إلى رمزية سرت بالنسبة إلى شرائح واسعة من الليبيين. فقد كانت سرت مسرح هزيمة الغزاة الإيطاليين عام 1915، والمدينة المدلَّلة خلال الحكم المديد للعقيد معمر القذافي، ومسرح سقوطه أيضاً، وكذلك «عاصمة» تنظيم «داعش» الليبية... بالإضافة إلى كونها جزءاً من «الخط الأحمر» الذي رسمه المصريون خلال الاقتتال الليبي العام الماضي.

- سرت 1
يأتي الاجتماع المقرر للنواب الليبيين في سرت، يوم الاثنين، مع اقتراب ذكرى «معركة القرضابية» عام 1915. كانت القرضابية الواقعة بجوار سرت ساحة لمعركة فاصلة بين المجاهدين الليبيين والغزاة الإيطاليين في أبريل (نيسان) عام 1915. حضّر الإيطاليون، بقيادة الجنرال أمياني، للزحف نحو إقليم فزان بجنوب ليبيا سعياً منهم لاستعادة مناطق طُردوا منها، مثل سبها ومرزق. لم يكن الإيطاليون وحدهم في معركة سرت، فقد جلبوا معهم جنوداً من الحبشة وإريتريا، وكانوا كذلك مدعومين بمقاتلين محليين من مصراتة وترهونة ومناطق ليبية أخرى قررت التحالف مع الإيطاليين (ولو بشكل مؤقت). لكن زحف الجنرال أمياني من سرت جنوباً في اتجاه فزان لم يُكتب له النجاح. ففي 29 أبريل 1915 دارت معركة القرضابية بين الليبيين والقوات الإيطالية وانتهت بهزيمة مدوية للطرف الأخير. اضطر الإيطاليون إلى الانكفاء وتساقطت مواقعهم تباعاً في أيدي الليبيين. لكن العاصمة طرابلس بقيت تحت سيطرتهم بالإضافة إلى مواقع أخرى على الساحل. ورغم نكسة القرضابية هذه فإن الإيطاليين أعادوا الكرّة من جديد، لا سيما بعد وصول موسوليني إلى السلطة في روما. وتوّج موسوليني حملته بإعدام زعيم المجاهدين الليبيين عمر المختار عام 1931.

- سرت 2
كانت سرت بمثابة المدينة المدلَّلة للعقيد معمر القذافي خلال سنوات حكمه المديدة التي امتدت منذ انقلاب الفاتح من سبتمبر (أيلول) 1969 حتى إطاحته في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. حوّل القذافي سرت، معقل قبيلته القذاذفة، من بلدة صغيرة هامشية على الساحل الليبي إلى مدينة ضخمة تحوي عدداً من إدارات الدولة وتلعب دور العاصمة الثانية للبلاد بعد طرابلس وأحياناً قبلها. ففيها أُقيم مقر البرلمان الليبي بعد نقله من طرابلس في أواخر الثمانينات. وفي قاعة واغادوغو الشهيرة فيها، أعلن في سبتمبر عام 1999 قيام الاتحاد الأفريقي (خلفاً لمنظمة الوحدة الأفريقية)، علماً بأن القذافي كان يقترح إقامة ما تُعرف بـ«الولايات المتحدة الأفريقية» على أن تكون سرت مركزها الإداري. كما استضافت سرت عدداً من الاجتماعات والمؤتمرات بما في ذلك القمة العربية عام 2010.
لكن كما كان عهد القذافي عهد نهوض سرت إلى مصافّ المدن الكبرى، شكّل سقوطه عام 2011 إيذاناً باندثارها وبدء تهميشها، خصوصاً أنها قاتلت إلى جانبه حتى الرمق الأخير. انطلقت الثورة ضد القذافي في 17 فبراير (شباط) 2011. لكنها، رغم دعمها من دول حلف «الناتو»، لم تتمكن من إسقاط نظامه إلا في أكتوبر من ذلك العام. فرّ القذافي من باب العزيزية، مقره شديد التحصين في طرابلس، قبل وقت قصير من سقوطه في أيدي معارضيه في سبتمبر، والتجأ إلى سرت، معقل قبيلته. لكن في 20 أكتوبر، نجح معارضوه، تحت غطاء جوي غربي دمّر أجزاء واسعة من سرت، في دخول آخر الأحياء التي تَحصّن فيها مؤيدو القذافي (الحي رقم 2). عندها حاول الزعيم الليبي مجدداً الفرار، لكن موكبه تعرض لغارات جوية أوقفته في مكانه وسمحت للمعارضين باعتقاله في أنبوب كان يختبئ فيه. عذّبه المعارضون مع نجله المعتصم، وقتلوهما، ثم نقلوا جثتيهما إلى مدينة مصراتة حيث عُرضتا أمام عامة الناس قبل دفنهما في منطقة غير معروفة.

- سرت 3
استغل تنظيم «داعش»، وتنظيمات أخرى متشددة مثل «أنصار الشريعة» و«القاعدة»، الفوضى التي غرقت فيها ليبيا بعد إطاحة نظام القذافي عام 2011، لإيجاد موطئ قدم في ليبيا. وقد شكّلت مدينة درنة، بشرق البلاد، أحد معاقل هذه الجماعات التي انقسمت لاحقاً بعضها على بعض على خلفية النزاع السوري. أيّد جزء منها «القاعدة» فيما أيّد جزء آخر «داعش». لكن الغلبة في درنة كانت لـ«القاعدة». في المقابل، تمكن «داعش» من انتزاع موقع لا يقل أهمية عن درنة. فبعد توسعه خلال عام 2014 في عدد من المناطق الليبية، نجح عناصر «داعش»، عام 2015، في دخول مدينة سرت التي سرعان ما تحولت إلى عاصمة للتنظيم في ليبيا. أقام التنظيم في سرت محاكم شرعية تطبق تفسيره المتشدد للتعاليم الإسلامية. وفي حين نفّذ التنظيم عمليات إعدام لكثير من الليبيين المعارضين أو المدانين من محاكمه، إلا أن مذابحه البشعة ضد المواطنين الأقباط المصريين والإثيوبيين الذين ذبحهم أمام عدسات الكاميرا أثارت موجة غضب عارمة ليس فقط في ليبيا ومصر وإثيوبيا بل في أنحاء العالم أيضاً. أثارت سيطرة «داعش» على مدينة بحجم سرت وتحكمه بالتالي في موقع استراتيجي على الساحل الليبي على مسافة قصيرة من شواطئ أوروبا الجنوبية، قلق الأوروبيين الذين كانوا قد بدأوا يعانون من هجمات رتّبها «داعش» من مقره في سوريا (مثل تفجيرات باريس وبروكسل عامي 2015 و2016). ونتيجة هذا القلق الغربي من عاصمة «داعش» الليبية، انخرطت الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة في حملة واسعة قادها ليبيون لطرد التنظيم من سرت. بدأت عملية تحرير المدينة من «داعش» والتي عُرفت بعملية «البنيان المرصوص» في مايو (أيار) 2016. وضمت على وجه الخصوص مقاتلين من مصراتة غرب سرت، في تكرار لمعركة إسقاط القذافي عام 2011. شكّل مقاتلو «البنيان المرصوص» جزءاً من القوات الموالية لحكومة «الوفاق» في طرابلس، لكن انتزاع سرت لم يكن نزهة، رغم قيام الطائرات الأميركية بما لا يقل عن 495 غارة، ومشاركة البوارج الحربية في القصف، ووجود قوات خاصة على الأرض لتنسيق تقدم المهاجمين. استمات «داعش» في الدفاع عن معقله، وخاض مقاتلوه قتال شوارع، مكبِّدين المهاجمين خسائر ضخمة. وفي واقع الأمر، أظهر قتال «داعش» المستميت في سرت أن التنظيم لا يتخلى بسهولة عن مناطقه، إذ يقاتل حتى الموت، تماماً كما حصل في الموصل والرقة وكذلك في الباغوز، معقل التنظيم الأخير بريف دير الزور شرق سوريا، عام 2019.
بعد شهور من المعارك الطاحنة، انتهت عملية طرد «داعش» من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016. خسر «داعش» في سرت مئات المقاتلين: بين 800 و900 مقاتل، حسب تقديرات الجيش الأميركي، وبين 2000 و2500 مقاتل، حسب تقديرات محلية ليبية. شكّل القتلى القوة الضاربة لـ«داعش» في ليبيا، وبالقضاء عليهم انتهى إلى حد كبير التهديد الذي كان يمثله التنظيم في هذا البلد ومحيطه. وحتى عناصر «داعش» القلائل الذين تمكنوا من الفرار من سرت لاحقتهم الطائرات الأميركية في الصحراء جنوب المدينة. ففي يناير (كانون الثاني) 2017 قصف الأميركيون مخيماً للتنظيم جنوب سرت، ما أدى إلى مقتل قرابة 90 من عناصره.

- «خط أحمر» يمنع سرت 4
في عام 2020 كادت سرت من جديد تكون ساحة معركة. ففي ربيع ذلك العام نجحت قوات حكومة «الوفاق»، بدعم عسكري تركي وبآلاف المرتزقة السوريين، في قلب دفة المعركة في غرب البلاد، وأرغمت قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، على الانكفاء من على أبواب طرابلس ومن كامل الغرب الليبي. انسحبت قوات حفتر شرقاً في اتجاه سرت على الساحل والجفرة بوسط البلاد، وسط تهديدات من قوات «الوفاق» بمطاردتها حتى شرق البلاد. وبالفعل تقدمت قوات «الوفاق»، وتحديداً تلك الآتية من مدينة مصراتة، شرقاً وسيطرت على مواقع على أطراف سرت، لكن طائرات حربية أغارت عليها وأوقفت تقدمها. ويُزعم أن هذه الطائرات تابعة لمرتزقة يعملون لمصلحة مجموعة «فاغنر» الروسية، ويقاتلون في صفوف قوات حفتر، علماً بأن ناطقاً باسم جيشه نفى مراراً وجود مرتزقة في صفوفه. في المقابل، تؤكد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) وجود «مرتزقة فاغنر» في سرت والجفرة وتقول إن لديهم طائرات حربية من طراز «ميغ» و«سوخوي» يستخدمونها في عملياتهم بليبيا.
وسواء كان هناك مرتزقة روس أم لا في هاتين المدينتين، إلا أن ما أوقف فعلياً معركة سرت الجديدة كان «الخط الأحمر» الذي رسمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من سرت حتى الجفرة، معتبراً أن خرقه يهدد الأمن القومي المصري ويستدعي تالياً تدخلاً عسكرياً مصرياً في ليبيا. وفي خريف 2020 أعلنت الأطراف الليبية المتقاتلة وقفاً للنار، وشهدت سرت بعد ذلك اجتماعات للجان عسكرية من الجيش الليبي المؤيد لـ«الوفاق» في غرب البلاد و«الجيش الوطني» في شرقها، وسط جهود أميركية لجعلها مدينة منزوعة السلاح تنتشر فيها قوة أمنية تحظى برضا الأطراف الليبية المتنازعة على السلطة.
وكما هو واضح، دفع «الخط الأحمر» المصري، الليبيين إلى تجميد معاركهم العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد، وهو ما أثمر في نهاية المطاف انتخاب سلطة تنفيذية جديدة تضم مجلساً رئاسياً من رئيس ونائبين وحكومة جديدة. وستكون سرت، هذه المرة، ساحة لمعركة سياسية ربما تسهم في تجنيب البلاد معركة عسكرية جديدة. فهل تشكل اجتماعات سرت الآن فرصة للمدينة كي تستعيد «دلالها» السابق، كما أرادها القذافي؟



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.