«الرابطة المارونية» تطالب باحتجاج رسمي لدى إيران على «إساءة»

الحشود التي اجتمعت السبت الماضي في بكركي للاستماع إلى كلمة الراعي (إ.ب.أ)
الحشود التي اجتمعت السبت الماضي في بكركي للاستماع إلى كلمة الراعي (إ.ب.أ)
TT

«الرابطة المارونية» تطالب باحتجاج رسمي لدى إيران على «إساءة»

الحشود التي اجتمعت السبت الماضي في بكركي للاستماع إلى كلمة الراعي (إ.ب.أ)
الحشود التي اجتمعت السبت الماضي في بكركي للاستماع إلى كلمة الراعي (إ.ب.أ)

طالبت «الرابطة المارونية» في لبنان وزارة الخارجية باستدعاء السفير الإيراني في بيروت، للاحتجاج على «إساءة» قناة «العالم» الإيرانية الناطقة بالعربية للبطريرك الماروني بشارة الراعي، على خلفية مطالبته بالحياد وعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لأجل لبنان.
واتهمت القناة في مقال نشر على موقعها الإلكتروني الراعي بأنه يسعى للتطبيع مع إسرائيل. وساقت الاتهامات له بلغة مسيئة، قائلة إنه، بمطلبه الأخير، «مدفوع بجماعات يمينية معروفة بعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل».
وشجبت «الرابطة المارونية» ما أوردته قناة «العالم» بحق الراعي، ووصفتها بـأنها «اتهامات وافتراءات باطلة طاولت البطريرك الراعي ومن ورائه من وما يمثل لبنانيا ومسيحياً». وقالت إنها تستنكر بشدة «وتدين ما أوردته القناة المذكورة ومع احتفاظها بمراجعة القضاء المختص». وتمنت على وزير الخارجية اللبناني شربل وهبه «استدعاء السفير الإيراني وإبلاغه رفض لبنان بكل مكوناته هكذا مواقف». ولم يكن المقال الذي نشر على موقع القناة الأول الذي انتقدت فيه القناة البطريرك الراعي، فقد أعدت تقريراً من بيروت رأت فيه أن «ما طرح من مشاريع تدعو للحياد وتدويل الملف اللبناني إنما يصب في خدمة إسرائيل». وقالت القناة إن ما شهده مقر البطريركية المارونية تأييداً لمواقف الراعي يوم السبت الماضي «والتخفي خلف شعارات لا تخدم إلا أعداء لبنان والمتربصين به شرا»، هو «محاولة لمحاصرة المقاومة وإنجازاتها الوطنية».
ويأتي ذلك في ظل رفض «حزب الله» طروحات الراعي، من غير أن يقفل باب الحوار معه. وقال نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم «إننا لا نرغب بمساجلة غبطة البطريرك في أفكار طرحها، وحريصون على أن تستمر لجنة الحوار الثنائية الموجودة بين حزب الله والبطريركية المارونية».
واعتبر قاسم مساء الأربعاء في حديث تلفزيوني أن طرح تدويل الأزمة اللبنانية «خطر يزيد مصائبنا ومشاكلنا»، متسائلاً: «هل يجري تدويل من دون اتفاق الأطراف الداخليين؟».
وقال: «نحن لا نناقش فكرة التدويل والمؤتمر الدولي من موقع وجود مؤامرة أو وجود جهة تحاول أن تأخذ لبنان إلى مكان معين، نحن نناقش فكرة المؤتمر الدولي أو التدويل كفكرة قائمة بذاتها، إذا كانت هي صح أو خطأ». وأضاف: «إذا كانت فكرة التدويل مطروحة نحن لا نوافق عليها، وهناك حلفاء كثيرون لنا أيضاً، وناس كثيرون في الساحة السياسية يقولون إنهم ضد التدويل، إذاً نحن نعتقد أن التدويل فكرة غير قابلة للحياة».
وفي المقابل، أكد حزب «القوات اللبنانية» تأييد طروحات الراعي، واعتبر النائب عنه بيار بو عاصي أنه «في المنطق السياسي، نحن اليوم أمام رؤيتين للبنان: تلك التي عبر عنها البطريرك الراعي والأخرى التي عبر عنها «حزب الله». وقال: «نحن كقوات لبنانية خيارنا واضح من 40 عاما، يقوم على الانفتاح على العالم والمدخل لذلك هو الحياد وعلى التمسك بالسيادة وعدم المساومة عليها، والعمل لتوفير الاستقرار والازدهار وإيجاد فرص لتحقيق كل مواطن ذاته».
ورأى بو عاصي «إننا نواجه مشروع «حزب الله» القائم منذ عام 2005 على عزل لبنان عن العالم لربطه بالمحور الإيراني وتحقيق أيديولوجيا عنوانها «المقاومة الإسلامية». بكل وضوح، الخيار الذي يترأسه «حزب الله» أدى إلى ما وصلنا إليه اليوم، من التهجم الدائم على دول الخليج، ولا مصلحة للبنان بذلك، إلى توتير الأجواء في المنطقة والتدخل عسكريا في دول أخرى».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.