نقد أفلام برلين 2015

الفيلم الألماني «ملكة الصحراء»
الفيلم الألماني «ملكة الصحراء»
TT

نقد أفلام برلين 2015

الفيلم الألماني «ملكة الصحراء»
الفيلم الألماني «ملكة الصحراء»

‪‬ ملكة الصحراء Queen of the Desert
* ‫في فيلم الألماني فرنر هرتزوغ «ملكة الصحراء» كل عناصر الفيلم الساحر بصريا وفي مقدمتها تلك الصحراء المترامية برمالها الذهبية. مثل ديفيد لين في «لورنس العرب»، ينقل هرتزوغ الصحراء جميلة ومخيفة في الوقت ذاته. جميلة لطبيعتها الغريبة (ترليونات من حبات الرمل في كل متر مربع؟) وتضاريسها المتنوعة. ومخيفة إذ تعود الكاميرا إلى الوراء لتحول الناس إلى مجرد ظلالات فوق أرض شاسعة.
هؤلاء الناس هم غرترود بل، الرحالة البريطانية التي جابت الصحراء العربية بحثا عن نفسها أولا، ثم في محاولة منها للتواصل مع زعماء القبائل في الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية مبدية أيما إعجاب بالثقافة الإسلامية (تستشهد بأقوال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم) والبدوية، ومبدية الاستعداد لمساعدة البريطانيين رسم خطوط فوق الرمال تكون بمثابة حدود لدول المنطقة مستقبلا. ينطلق الفيلم بنا معرفا إيانا بامرأة جميلة (تؤديها نيكول كيدمان) تشعر بالملل في دارها البريطانية الأرستقراطية وتستخدم نفوذ والدها للسفر إلى طهران، في مطلع القرن العشرين، كموظفة في السفارة البريطانية. إنها المرة الأولى التي نرى فيها إيرانيين بطرابيش تركية، لكن تجاهل هذا الخطأ التفصيلي تدخل قصـة حب بين غرترود والسكرتير (الثالث) في السفارة البريطانية هنري (جيمس فرانكو هشا) هي مفاجأة محسوبة: هرتزوغ هنا يقدم حكاية عاطفية. هذا الأمر الذي يصلح عنوانا لمقال كون المخرج الألماني المعروف لم ينجز عملا رومانسيا في حياته. الآن هو يستوحي من حياة غرترود المناسبة لفعل ذلك ويصرف نحو 40 دقيقة ثمينة متابعا تلك الحكاية. لكنها في مكانها الصحيح كون غرترود تحمل لهنري (الذي مات في حادثة) الحب وتعتبر نفسها وقد تزوجت منه رغم أنها لم تفعل. «لقد قررت أن لا أكون مع رجل آخر»، تقول لثاني حب في حياتها (داميان لويس) الذي يموت بعد ذلك (خارج الفيلم كالحب الأول) خلال اشتراكه في الحرب العالمية الثانية.
غرترود مغامرة من طراز أول، كما نراها في هذا الفيلم. جريئة وذكية. تحب الصحراء وتحترم التقاليد وتكن ألفة كبيرة لرئيس القافلة الصغيرة التي تصاحبها (اسمه فتوح ويقوم به جيدا جاي عبدو) وحين يسألها أحد زعماء العرب مستقبلا: «لماذا تحبين العالم العربي إلى هذه الدرجة؟» تأتي بجواب ينم عن مدى تقديرها لفتوح وما تعلمته منه. وتقف بالند ضد محاولة تجيير معلوماتها كجاسوسة بريطانية من قبل أحد الضباط (ولو أنها لاحقا ما تنخرط في عمل الحكومة البريطانية) فتقول له: «لدى البدو ما تفتقده أنت وحكومتك: الحرية والكبرياء».
إذا ما بحث المرء عن صورة زاهية للشخصية العربية سيجدها في هذا الفيلم. هرتزوغ (الذي صور معظم الفيلم في الأردن في العام الماضي) يمارس قدرا من السخرية السياسية التي تنال من السياسة الأوروبية حينها، ويكن كل ذلك التقدير لغرترود ويمنح نيكول كيدمان ذلك الدور الذي يحقق لها، أخيرا، ما كانت تبحث عنه منذ سنوات عندما أخذت تظهر في أفلام غير هوليوودية.
لا يمكن تفويت المقارنة بين هذا الفيلم وفيلم «لورنس العرب»، كلاهما يدور في الجغرافيا ذاتها وفي الفترة التاريخية نفسها. وكلاهما يعتمد على الطبيعة الصحراوية لسرد حالات أوروبية - عربية مركبة (هي أكثر تعقيدا في نسخة ديفيد لين الكلاسيكية). ضعف الفيلم الحالي الأساسي يكمن في أن المخرج يختفي من الدلالات والمفادات حين يتسلل السؤال حول سبب تحقيق «ملكة الصحراء». يعتمد لفترة طويلة (أكثر من ساعة من ساعتي الفيلم) على سرد السيرة الخاصة وحدها لكنه لاحقا ما يلملم بعض الأبعاد ويضيفها على العمل. الممثل روبرت باتنسون يؤدي شخصية لورنس العرب هنا محجما عن المشاركة في أي رحلة، فالفيلم ليس عن رجل مغوار اسمه لورنس، بل عن امرأة فاقته براءة وبذلا اسمها غرترود
‬«تاكسي» Taxi
* ‫كيف يمكن لمخرج إيراني محكوم عليه بعدم ممارسة أي نشاط سينمائي لعشرين سنة، إضافة إلى حكم آخر بحبسه في منزله من دون مغادرته لبضع سنوات أخرى، يستطيع أن يركب سيارة ويجول بها في طهران ويحقق فيلما عن نفسه وهو يفعل ذلك؟‬
هل هناك من اتفاق بينه وبين السلطات الإيرانية، فإذا بالسلطات تخفف ذلك الحكم الجائر لصالح أن تبرز إعلاميا في فيلم يحمل هوية البلد؟ أم أن المخرج جعفر باناهي خرق الحكم وانطلق يجوب شوارع طهران متحديا؟
إذا كان الاحتمال الأول هو الصحيح فإن في الأمر لعبة، وإذا ما كان الاحتمال الثاني هو الصحيح فإن المخرج حكم على نفسه بعقوبة إضافية. لكن في كل الأحوال «تاكسي»، الفيلم الجديد المقدم ممهورا باسم جعفر باناهي ليس فيلم مسابقات، ولا حتى فيلما سينمائيا جيدا. إنه مجرد فيلم.
هناك كاميرا ثبتها المخرج على رف السيارة الأمامي الداخلي ذات يد يستطيع عبرها إدارة الكاميرا حيث يرغب. واللقطة الأولى للفيلم من تلك الكاميرا (فرضا) على طريق مزدحم في طهران والناس والسيارات تتقاطع. ثم يُضاء النور الأخضر فتتقدم السيارة لتجتاز تقاطع الشارعين ولتتوقف لرجل يشير لها. إنها سيارة تاكسي والسائق ليس سوى المخرج نفسه. ثم يلتقط امرأة. وبعد ذلك رجل ثان وهذا الرجل هو من يتعرف على باناهي بعد نزول الراكبين الآخرين لأنه هو الذي يبيعه الأفلام المقرصنة التي يطلبها. ينزل هذا الراكب من مكانه في المقعد الخلفي ويركب لجانبه ويأخذه إلى طالب في مدرسة الفنون ليبيعه أفلاما أخرى يختارها للطالب المخرج نفسه.
بعد ذلك هو مع امرأتين تودان رمي سمكتين في نهر قبل الظهر وإلا، تبعا لبعض الأوهام، ستموتان. باناهي ليس لديه وقت لسماع تلك الخرافات وينزلهما من السيارة إلى أخرى ثم يذهب إلى المدرسة حيث ابنة شقيقته ذات الأربع عشرة سنة تحمل كاميرا ديجيتال وتصور بها كل ما تراه بما فيها هو نفسه.
كل هذا ونحن لا زلنا بعيدين عن نهاية فيلم لا يوجد سبب فعلي له سوى رغبة المخرج في العمل. ولا يوجد سبب لوجوده على شاشة هذا المهرجان إلا للاستفادة من اسمه الذي حققه عبر أفلام أفضل سابقة. لكن «تاكسي» فيلم ثرثار مصور بكاميرا لا يلمسها أحد ممتزجة بما تصوره ابنة أخته وبالتأكيد بلقطات من كاميرا أخرى غير كاميرا السيارة.
إذا ما كان باناهي «جريئا» و«مذهلا» و«ذا بصيرة» (كما كتب بعض النقاد) لمجرد قيامه بتمثيل دور سائق تاكسي في فيلم يعتمد على ثرثرة طويلة (هناك مشهد البداية ومشهد النهاية بلا حوار يذكر) فلم لم يكن جريئا لتحقيق فيلم أفضل؟ حكاية أخرى؟ تحد أعلى؟ بكلمات أخرى: إذا ما كان قرر الخروج من منزله مخالفا الحكم عليه، ألم يكن بإمكانه اختيار وإنجاز عمل أفضل من هذا؟
هناك، ومنذ أن تتحرك السيارة، تبعا للإشارة الخضراء، تدرك أن كل شيء مرتب في الوقت الذي أراد فيه باناهي تمويه المشاهد لبعض الوقت. الرجل الأول الذي أوقف السيارة صرف سيارة تاكسي أخرى توقفت له. لاحظها تدرك بأنه كان يعلم أي سيارة ليركب ليؤدي أي دور.
الأفلام الإيرانية التي تستخدم سيارات خاصة أو عامة مكانا لبث حكاياتها كثيرة. باناهي قام بذلك في «الدائرة» (2000) وعباس كياروستامي في «عشرة» (2002) و«حكايات» لراخشان بنيمعتمد (2014). السيارة هي حصن داخلي بعيد عن أعين الرقباء ولا أجهزة تنصت تتيح للركاب تبادل الحديث (لكن بحذر) كما الحال هنا. لكن إذ إن الركاب في هذا «التاكسي» يعرفون أنهم جزء من التمثيلية الدائرة فإن ما يقع على الشاشة (وهو قليل جدا) غير مثير إلا لدى من يعتقد أنه يمكن التضحية بالفن مقابل تقديم العذر للمخرج، كونه لا يستطيع، في ظروفه الخاصة، تحقيق ما هو أفضل أو أهم.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.