منزل فيروز يتحول إلى متحف بقرار من بلدية بيروت

شهد طفولتها وخروجها منه عروسا في منتصف الخمسينات

فيروز
فيروز
TT

منزل فيروز يتحول إلى متحف بقرار من بلدية بيروت

فيروز
فيروز

خبر تحويل منزل فيروز الواقع في منطقة زقاق البلاط إلى متحف خاص بها، أثلج قلوب اللبنانيين الحريصين على المحافظة على تراثهم بكل أشكاله. فقد صدر حديثا مرسوم يجيز لبلدية بيروت استملاك هذا المبنى وتحويله إلى متحف خاص بأعمالها.
وجاء قرار بلدية بيروت هذا بعد أن وضع المنزل على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية الموجودة في بيروت، من قبل وزارة الثقافة، وهو الأمر الذي يحميه من الهدم. ورغم أن هذا القرار الذي يحمل رقم 74 صدر في عام 2010 (أثناء تولي سليم وردة وزارة الثقافة)، فإن الإجراءات الرسمية التي يجب أن يمرّ بها أخّرت تنفيذ استملاك البيت لبلدية بيروت التي كانت قد اتخذت قرارا وبالتعاون مع وزارة الثقافة بتحويله إلى متحف.
ويوضح رئيس بلدية بيروت المهندس الدكتور بلال حمد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الأمور تسير في طريقها الصحيح ولكن ببطء، وأن هناك إجراءات رسمية يجب أن يمرّ بها القرار بحيث يحوّل الاستملاك إلى لجنة الاستملاكات البدائية، التي تضع بدورها تخمينا لسعر العقار ومن ثم ترسله إلى المجلس البلدي للبتّ فيه. ويضيف: «سنحاول أن نسرّع في الإجراءات قدر الإمكان، وبعد إعادة درس التخمين الموضوع من قبل لجنة الاستملاك، سنرسله إلى حساب مصرف لبنان، ليستفيد منه المالك الأصلي للعقار».
ويؤكد رئيس بلدية بيروت في سياق حديثه أن البلدية تتمسّك بإقامة هذا المتحف بشكل يليق بمسيرة فيروز الغنيّة بمحطات تاريخية، وكذلك بموقعها الفني المرموق في لبنان والعالم، ويضيف: «عندما نقول فيروز فكأننا نتحدث عن لبنان أو عن أرزه، فهي سفيرتنا إلى النجوم، وعلم من أعلامه التي رفعت اسمه بالعالي عربيا وعالميا، فأقلّه أن نكرّمها بهذا الموقع الوطني وبالطريقة التي تليق بها». وعما إذا تمّ التنسيق مع فيروز حول هذا الموضوع أجاب: «في الحقيقة وعند البدء في التنفيذ لا بد أن ننسّق معها، فأنا أريد أن آخذ برأيها وبالأفكار التي تقترحها علينا في هذا الصدد. كما أنوي أن ألتقيها قريبا للتباحث معها حول رأيها في الموضوع عامة، فنحن في بلدية بيروت لا نريد أن نقوم بأي خطوة في هذا الشأن دون نيل موافقة فيروز عليها».
وعن موعد البدء في عملية التنفيذ يردّ: «بعد أن توضع الخرائط ودفتر الشروط والمواصفات اللازمة من أجل ترميم المنزل، يأتي وقت البدء في التنفيذ، وهذا الأمر لن يتمّ قبل نهاية هذا العام».
والمعروف أن منزل فيروز الواقع في منطقة زقاق البلاط، عاشت فيه فترة طفولتها وصباها منذ الثلاثينات، وخرجت منه عروسا في منتصف الخمسينات عندما تزوّجت من الموسيقار عاصي الرحباني. كما شهدت جدرانه على بشائر موهبتها الفذّة منذ البداية، وكان عمرها لا يتجاوز يومها السنوات الخمس. ويقال إنها كانت تجلس على إحدى نوافذه المطلّة على الحديقة المحيطة به، تستمع إلى أغان لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد، تصدح من راديو الجيران فترافقها بدندناتها وبصوتها الملائكي.
يعود تاريخ بناء هذا المنزل الذي تبلغ مساحته نحو مائة متر، إلى أوائل القرن التاسع عشر، أي في حقبة الحكم العثماني بالتحديد. أما طابعه الهندسي فيتراوح ما بين اللبناني والعثماني. ويشير ناجي راجي من تجمّع «أنقذوا تراث بيروت» الذي يعنى بحماية المباني القديمة في العاصمة، إلى أن فيروز سكنت في الطابق الأرضي من هذا المبنى المؤلّف من طبقتين وأضيفت إليه الطبقة العلوية في العشرينات.
ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هو موصول مع بيوت أخرى من المستوى نفسه من خلال دار تتوسطه وتحيط به حديقة صغيرة. وكان المنزل يتألّف من غرفتين وتوابعهما، تتميّز أسقفه بالعقد والقناطر المستوحاة من العمارة اللبنانية التراثية. أما أرضه فقسم منها مغطّى ببلاط الموزاييك، فيما القسم الآخر تكسوه مادة الصلصال أو الطين كما هي معروفة بالعاميّة».
ترعرعت فيروز في هذا المنزل الذي كان يعدّ حارة من حارات منطقة زقاق البلاط، فلعبت في حديقته وتسلّقت أشجارها، كما شكّل المهد الأول لموهبتها الغنائية قبل أن يكتشفها محمد فليفل (أحد الأخوين فليفل مؤلّفي النشيد الوطني اللبناني)، في إحدى الحفلات المدرسية التي شاركت فيها عام 1946. أما عائلتها ذات الحالة الاجتماعية البسيطة فقد سكنت هذا المنزل بعد أن تم تحويله من مخفر للشرطة يعرف بـ«كركول الدرك»، إلى مسكن استأجره والد فيروز في منتصف الثلاثينات. وكانت العائلة تتألّف من أب هادئ الطباع ويدعى وديع حداد، يعمل في مطبعة صحيفة «لوجور» في بيروت. ومن أم تدعى ليزا البستاني المحبوبة جدا من جيرانها. نهاد حداد هو الاسم الحقيقي لفيروز، وكانت الابنة البكر في العائلة التي تتألّف بالإضافة إليها، من أخ يدعى جوزيف كان يرافقها أثناء دراستها في المعهد الوطني للموسيقى، ومن أخت تدعى هدى وعرفت أيضا فيما بعد في عالم الغناء.
وتعليقا على تحويل المنزل إلى متحف خاص بفيروز، أكّد وزير الثقافة في لبنان روني عريجي أن الدور الذي لعبته الوزارة في هذا الصدد انحسر في الكشف على العقار وتحويله إلى لائحة الجرد العام. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نساند بلدية بيروت مساندة كاملة في هذا الموضوع، ومن شأن وزارة الثقافة في لبنان أن ترعى المتاحف التي تقام، ولكن موضوع البتّ فيها وتنفيذها يعود مباشرة لبلدية بيروت». وتمنى الوزير عريجي الذي ذكر لنا أنه سنحت له فرصة التعرّف إلى السيدة فيروز عن قرب، عندما التقاها في منزلها إثر تعيينه وزيرا للثقافة، أن يتم التسريع في إنهاء الإجراءات الخاصة في هذا الموضوع ليتسنى لأجيال كثيرة مشاهدته وزيارته.
وفي العودة إلى المتحف قيد الإنشاء لفيروز وحسب تطلّعات رئيس بلدية بيروت دكتور بلال حمد، فإنه من المتوقّع أن يتضمن تاريخ فيروز الطويل في عالم الغناء من جوانب عدّة. وقال في هذا الصدد: «أعتقد أنه سيكون مرجعا رسميا لأغانيها ومسرحياتها والملحنين والشعراء الذين تعاملت معهم، إضافة إلى عروض تسجيلية لمسرحياتها، وربما يتضمن المتحف عددا من الأزياء التي ارتدتها في تلك المسرحيات التي ما زالت عالقة في أذهان كثيرين منا». وختم بالقول: «كل هذه الأفكار ما زالت مجرّد اقتراحات سنقدّمها لفيروز التي سيكون لها القرار الأول والأخير في تنفيذها أو العكس».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».