مروان خوري: أزمات العالم العربي تحد من الإبداع الفني

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه لا يبحث عن نجوم كبار... ويهتم بمن يعبّر عن أفكاره

الفنان اللبناني مروان خوري (حساب خوري على «تويتر»)
الفنان اللبناني مروان خوري (حساب خوري على «تويتر»)
TT

مروان خوري: أزمات العالم العربي تحد من الإبداع الفني

الفنان اللبناني مروان خوري (حساب خوري على «تويتر»)
الفنان اللبناني مروان خوري (حساب خوري على «تويتر»)

قال الفنان اللبناني مروان خوري، إن الأزمات السياسية والاجتماعية في العالم العربي تحد من الإبداع بمجال الفن والغناء، وأكد في حواره مع «الشرق الأوسط»، أنه لا يبحث عن التعاون مع كبار النجوم ليشدوا بكلماته وألحانه بقدر بحثه عن أصوات قادرة على إيصال فكرته بشكل جيد، وأوضح أنه سيكثف أغنياته «السينغل» خلال عام 2021؛ لتعويض جمهوره عن فترات غيابه عنهم خلال الفترة الماضية؛ إذ انشغل بتقديم البرامج التلفزيونية وإحياء الحفلات.
في البداية، تحدث خوري عن أغنيته الرومانسية الجديدة «مهلاً على قلبي» قائلاً «هي من أقرب الأغنيات التي سجلتها خلال الفترة الماضية إلى قلبي، وأحببت أن تكون باكورة أغنياتي لعام 2021؛ لأنها مناسبة لهذه الفترة، وبها رسالة خاصة لكل المحبين والعشاق، والحمد لله استطاعت الأغنية تحقيق نجاح لافت حسب تعليقات أصدقائي وجمهوري عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة».
وعن طرحه الأغنية بطريقة الفيديو كليب، بعد ابتعاده سنوات عدة عن هذا الأسلوب، يقول خوري «فضّلت الاستجابة لطلبات جمهوري بتصوير أغنية لهم، فلم أجد أفضل منها لتقديمها مصورة، وهنا يعود الفضل للمخرجة اللبنانية ليال راجحة، التي اختارت أماكن التصوير، على الرغم من الإرهاق الذي أصابنا بسبب طول مدة تصوير الكليب، والإجراءات الاحترازية المرتبطة بجائحة كورونا».
وكشف خوري عن عدم طرحه أي ألبوم غنائي خلال العام الحالي «خطتي الأساسية للعام الحالي هي زيادة جرعة الأغنيات (السينغل) بشكل مكثف؛ لأنني ابتعدت كثيراً عن تقديم أغنيات كلاسيكية وفصحى لجمهوري خلال السنوات الماضية، بسبب انشغالي الدائم في تقديم البرامج وإحياء الحفلات بمختلف البلدان العربية». مشيراً إلى أنه سيطرح أغنية «سينغل» جديدة قبل شهر رمضان الكريم المقبل، مع إمكانية طرحها بعد الشهر الكريم بأيام قليلة إن حدث أي تأخير، قائلاً «أمتلك مجموعة كبيرة من الأغنيات، وسأختار من بينها، وسأدرس وقت طرحها لكي يتحقق كل ما أطمح له».
يعتقد خوري أن الكتابة والتلحين لنفسه «أمر عفوي»، قائلاً «أنا أكتب وألحّن وأغني منذ بداياتي الفنية، ربما كسرت تلك القاعدة مرات عدة حين لحّن لي ملحنون آخرون، ولكن في الأساس أنا موسيقي وأحب غناء أشعاري التي أبدع فيها؛ لأنها وُلدت بداخلي، وأرى أنني أفضل من يؤديها، ولكن حينما أجد فكرة موسيقية جديدة، وأرى أنها تليق على زميل آخر، لا أتردد في إرسالها له».
وأكد خوري، أن هناك مجموعة كبيرة من الفنانين العرب سيشدون خلال عام 2021 من أغنياته، قائلاً «عقدت عدداً كبيراً من جلسات العمل، وهناك أكثر من تحضير فني مع عدد من نجوم الغناء العربي، ولكن يصعب علي الكشف عن الأسماء قبل الانتهاء الكامل من الأعمال، إنما المؤكد منه حتى الآن هو أن هناك أغنية مع الفنانة المغربية أسماء لمنور، وأغنية أخرى مع الفنانة اللبنانية عبير نعمي، وسيكون هناك أكثر من عمل مع فنان مصري».
ونفى خوري الأخبار التي تحدثت عن تعاونه مع الفنانة اللبنانية إليسا أخيراً، وقال «لم نلتقِ معاً خلال الفترة الأخيرة بسبب تداعيات الجائحة، لكن أتمنى لقاءها قريباً مع هدوء الجائحة في لبنان، ليجمعنا عمل فني مميز مثل الأعمال التي قدمناها معاً خلال السنوات الماضية».
وقال خوري، إنه لا يبحث عن الأسماء الشهيرة لكي تشدو بكلماته وألحانه «تعاونت مع كبار مطربي ومطربات الوطن العربي، وحققت نجاحات معهم جميعاً، ولكن حين أرسل فكرة أو عملاً إلى فنان لا أبحث مطلقاً عن حجم اسمه وشهرته، بقدر بحثي عن الصوت القادر على التعبير عن أفكاري، وإضافة أبعاد جديدة لها، لا أكون أنا قادراً على تقديمها».
وأوضح خوري، أن «الموسيقى والأغنية العربية ستظلان تعانيان من الأزمات بسبب اضطراب الأوضاع في المنطقة»، قائلاً «علينا الاعتراف بوجود أزمة عامة للموسيقى والأغنية العربية بسبب الأوضاع الجارية، فالموسيقي أو الشاعر الغنائي لن يبدع أو يقدم كل ما في وسعه وهو يعيش معاناة ومشاكل وأزمات مستمرة؛ فالوطن العربي يمر منذ سنوات بفترات صعبة كانت نهايتها (كورونا)؛ لذلك نتمنى أن تستقر الأوضاع لنبدع ونقدم موسيقى جيدة».
واختتم حديثه بالإعلان عن رأيه في موسيقى المهرجانات، «أنا أُطلق عليها الموسيقى المصرية الشعبية... لم أستمع لها بتمعن، ولكني أحببت التعرف عليها وعلى أسباب انتشارها بهذه الصورة، فوجدتها خفيفة وتناقش قضايا مختلفة، لكنها في النهاية لا تقدم قيمة موسيقية جيدة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».