قصة حب مع الكتب... واللغة

«من كتبي... اعترافات قارئة عادية» لآن فاديمان

قصة حب مع الكتب... واللغة
TT
20

قصة حب مع الكتب... واللغة

قصة حب مع الكتب... واللغة

ثماني عشرة مقالة كتبتها آن فاديمان، وهي محررة ثقافية في مجلة «أميركان سكولار»، وكانت قد نشرتها في مطبوعات كثيرة، ولكنها جمعتها أخيراً في كتاب «من كتبي... اعترافات قارئة عادية»، الصادر عن دار «المدى»، بترجمة د. رشا صادق.
تروي آن فاديمان في هذا الكتاب قصة حب استمرت مدى الحياة مع الكتب واللغة؛ أصبحت الكتب بالنسبة لفاديمان، كما هو الحال بالنسبة لكثير من القراء المتحمسين، فصولاً أساسية في حياتها الخاصة. إنها تنتقل بسهولة من حكايات عن كوليردج وأورويل إلى حكايات عائلتها الأدبية، في مجموعة والدها المكونة من 22 مجلداً. لكنها لا تتعامل مع التعميمات، بل تكتب عن عاداتها وخبراتها الشخصية العميقة. وسواء كانت تناقش صعوبات دمج مكتبتها مع مكتبة زوجها، أو تتحدث عن متعة قراءة كتاب في سياقه الواقعي، فنحن مدعوون ببساطة للاستمتاع بالرحلة، والتفكير في تجارب القراءة الخاصة بنا على طول الطريق.
لقد عدت آن فاديمان نفسها متزوجة حقاً فقط عندما قررت وزوجها دمج مجموعتيهما من الكتب، في واحدة من أجمل وأظرف مقالات الكتاب التي حملت عنوان «زواج المكتبات». هنا، يتعلق الأمر بحب القارئ لكتبه الخاصة، والتاريخ الفريد للشخص مع كل مجلد على رفوفه، ومخاطر محاولة فرز الكتب وتصنيفها عندما تقوم بدمج المجموعات مع قارئ آخر يتمتع بالدرجة نفسها من الخصوصية. تقول: «لقد تزوجنا في هذه الشقة ونحن ننظر إلى روايتي مِلفيل المحتجزتين كل واحدة في جهة، متعاهدين أن نصون حبنا في السراء والضراء، في الصحة والمرض، لا مشكلة، لكن من حسن حظنا أن كتاب (الصلوات العامة) لم يذكر شيئاً عن تزويج مكتبتينا والتخلص من النسخ المكررة، وإلا لكان عهداً بائساً».
كان على آن فاديمان، وزوجها الذي يشاركها حبها للكتب، مواجهة هذه المشكلة. لقد استغرق الأمر منهم نحو أسبوع لفرز الكتب المكررة، ثم مواجهة صدمة تحديد «لك أم لي»؟ لقد سادت النسخ ذات الأغلفة الورقية على الكتب ذات الأغلفة الكرتونية، إلا إذا كانت تحتوي على هامش. اكتملت المهمة؛ قبلوا وشعروا أنهم الآن متزوجون حقاً.
وتستعير المؤلفة ما كتبته فيرجينا وولف في كتابها «القارئ العادي»، حيث تقول عن هذا القارئ إنه «يختلف عن الناقد، عن العالم؛ ثقافته أدنى، ولم تغدق عليه الطبيعة مواهب فذة. إنه يقرأ من أجل متعته الخاصة، لا لينشر معرفة أو يصحح آراء سائدة. وقبل كل شيء، توجهه غريزة أن يخلق لنفسه من مختلف الأجزاء والتفاصيل التي يمر بها نوعاً من التكامل».
وفي مقالتها المعنونة بـ«متعة الكلمات الطويلة»، تشارك فاديمان عائلتها حب الكلمات، والمتعة التي يحصلون عليها من تعلم كلمات جديدة طويلة أو قديمة، لإضافتها إلى مفرداتهم المثيرة للإعجاب بالفعل، حتى ليبدو الكتاب بحاجة إلى استشارة قاموس كل بضع صفحات.
وفي مقال آخر، تتحدث فاديمان عن رف «لا منتمٍ»، يضم مجموعة من نحو ستين كتاباً عن الاستكشاف القطبي. إنها عملياً تشارك حقائق غير معروفة، وتشرح سبب حبها لهذه الحكايات كثيراً. وهو شبيه لرف لجورج أورويل اللامنتمي أيضاً الذي احتوى رزماً من المجلات النسائية تعود لحقبة 1860 كان يحب تصفحها في حوض استحمامه، مثلما كان لفيليب لاركن رف كبير بالكتب الإباحية.
وفي مقال حمل عنوان «أنت هناك»، تتساءل فاديمان: ما شعور قراءة الكتاب في المكان نفسه الموصوف في صفحاته؟ إنه بالنسبة لها نوع من الضربة الأدبية المزدوجة: القدرة على النظر حولك، ورؤية وشم وتجربة قطعة صغيرة من هذا الكتاب في الجسد. كلما تغير المكان، كان ذلك أفضل، وهذا ما تستمتع به ابنة فاديمان الصغيرة في أحد فنادق نيويورك الشهيرة، كمثال على استكشاف الطريقة التي يتفاعل بها القراء مع كتبهم، والمواقف المختلفة التي لدينا تجاه الكتاب بصفته كائناً. هل نحافظ على كتبنا نقية ونعتني بها بإخلاص أم أننا نضع عليها تعليقات توضيحية بين الصفحات ونجعلها خاصة بنا عموماً؟ هل الكتاب عبارة عن إناء أم شيء مقدس؟ وما الذي يجعل هذا الموضوع بالذات مثيراً للاهتمام لأهل القراءة؟ هذا واحد من الأشياء المفضلة لديها. في فصل عنونته بـ«لا تؤذِ كتاباً»، تذكر فاديمان حادثة حصلت لها في صباها: «في فندق (أوتيل إنجلترا) في كوبنهاغن، ترك كيم على المنضدة بجانب السرير كتاباً مقلوباً على صفحاته المفتوحة، كما يفعل كل ليلة تقريباً منذ تعلم القراءة. في اليوم التالي، عاد ليجد الكتاب مغلقاً، وقصاصة من الورق تشير إلى الصفحة المطلوبة، وفوقه ملحوظة موقعة من خادمة الغرفة، جاء فيها: سيدي، يجب ألا تفعل هذا أبداً لأي كتاب».
كتاب «من مكتبتي» يأتي ضمن الكتب التي شاعت في العقدين الأخيرين، والتي تتحدث عن الكتب والقراءة، وعن المكتبات أيضاً، لكنه يتناول الأمر من زاوية أخرى، طريفة ممتعة.



إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس
TT
20

إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس

تشكل منظومات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج أعمال نصيّة تهديداً خطيراً لمهنة الكتابة والإبداع الأدبي. وتلتهم التقنيات التوليدية المبنية بشكل غير قانوني كميات هائلة من النصوص المحميّة نظرياً بحقوق الطبع والنشر دون منح مؤلفيها أي تعويض أو حتى استشارتهم، وذلك لإنتاج مواد قد تتنافس مع الكتب والمقالات الصحافية، وغير ذلك من فضاءات التحليق الأدبي وتحل مكانها، مما قد يؤدي في النهاية إلى تقلص المهنة، حيث سيتمكن عدد أقل من محترفي نحت الكلمات من الحفاظ على مصدر رزقهم من ممارسة حرفتهم.

وهذه ليست مجرد معضلة للمؤلفين فحسب، بقدر ما هي مسألة ينبغي أن يعنى بها الجميع لأنها ماضية بسرعة البرق في إزهاق روح الإبداع الإنساني المتدفقة عبر أوردة الكتابات، وما لم نتمكن نحن البشر من فرض حوكمة عادلة على طرائق استخدام الذكاء الاصطناعي، فسوف نجد أنفسنا في عالم من النصوص القائمة على المزج وتكرار السابق، وسنفقد الأصوات المغايرة التي تحرّض الخطاب العام على التغيير.

في بريطانيا، وقعت الأسبوع الماضي مجموعة من أبرز الروائيين بمن فيهم ريتشارد عثمان، وكازو إيشيغورو، وكيت موس، وفال ماكديرميد على رسالة مفتوحة باسم جمعية المؤلفين البريطانيين كتبتها رئيستها التنفيذيّة، آنا جانلي، تدعو حكومة المملكة المتحدة إلى محاسبة شركة «ميتا» الأميركيّة للتكنولوجيا، مالكة «فيسبوك»، على استخدامها للكتب المحمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب منظومة الذكاء الاصطناعي التي تطورها. وطالبت الرسالة ليزا ناندي، وزيرة الدولة للثقافة والإعلام والرياضة في الحكومة البريطانية، باستدعاء كبار المديرين التنفيذيين في «ميتا» للمساءلة في البرلمان، ودعت الحكومة إلى «اتخاذ جميع الإجراءات المتاحة لضمان حماية حقوق ومصالح ومصادر عيش المؤلفين بشكل كاف»، مشيرة إلى أن تقصير السلطات سيكون له دون أدنى شك تأثير كارثي لا رجعة فيه على جميع المؤلفين والكتّاب في المملكة المتحدة.

وقالت الرسالة التي نشرت لاحقاً عبر موقع إلكتروني، ووقّع عليها إلى الآن خمسة آلاف شخص من المعنيين بالثقافة والكتب، إنّه ينبغي مطالبة المديرين التنفيذيين في «ميتا» بتقديم رد مفصّل على الادعاءات حول تعمدهم انتهاك حقوق الطبع والنشر بالجملة، وتقديم تأكيدات لا لبس فيها بأنهم سيحترمون تلك الحقوق للمؤلفين البريطانيين مستقبلاً، وسيدفعون تعويضات لهم مقابل جميع الانتهاكات السابقة. وقد تداعى نحو مائة وخمسين من أبرز الكتّاب والمؤلفين إلى التظاهر أمام المقر الرئيس لفرع شركة «ميتا» البريطاني، وحاولوا الدّخول إلى المبنى لتقديم نسخة مطبوعة من الرسالة إلى المديرين التنفيذيين، لكن رجال أمن المبنى منعوهم. ويبدو أن تعليمات مشددة تلقاها العاملون في الشركة التي تمتلك تطبيقات «فيسبوك»، و«واتساب»، و«إنستغرام» بعدم تجاذب أطراف الحديث مع المتظاهرين، والامتناع عن تسلّم أي وثائق منهم. وقال الروائي إيه جيه ويست متزعم المظاهرة للصحافيين مستنكراً: «إنهم يرفضون أن يتسلموا ورقة واحدة منا، لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر»، وأضاف أن «الشخص الذي أريد حقاً أن أسمع منه الآن ليس مارك زوكربيرغ، بل ليزا ناندي، وزيرة الثقافة المفترضة لدينا، التي وقفت مكتوفة الأيدي، بينما نشاهد أكبر اعتداء على حقوق الطبع والنشر في التاريخ البريطاني كله، وسرقة مليارات الكلمات، ولم تر أنه من المناسب أن تقول كلمة اعتراض واحدة بشأن ذلك».

وسخرت الروائيّة كيت موس التي تركت جولة لها في المملكة للاحتفاء بالذكرى العشرين لصدور روايتها «المتاهة - 2005»، وجاءت خصيصاً للمشاركة بالمظاهرة: «إنهم لا يقبلون تسلم رسالتنا، وهم يدّعون بأن تطبيقاتهم معاقل لحريّة التعبير، لكنهم ليسوا مهتمين بالاستماع إلى مظلمة الكتّاب». وقالت الروائيّة تريسي شوفاليه لصحيفة «الغارديان» البريطانيّة إن كتبها مسروقة في مكتبة افتراضيّة تضم مواد مقرصنة على الإنترنت، وإنها تعتقد بأن كبار المديرين التنفيذيين لشركة «ميتا»، بمن فيهم مؤسسها ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ، على دراية أكيدة باحتواء المكتبة على كتب مسروقة عندما سمحوا باستخدام موادها المقرصنة لتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما عدّت أنهّ «يؤثر على فرصها بالكسب، لأن الذكاء الاصطناعي سيمكنه قريباً إنتاج روايات على نسق ما أكتبه، فلا تعد بالقراء ثمة من حاجة إلى تريسي شوفاليه».

كازو إيشيغورو
كازو إيشيغورو

وكانت مجموعة من الكتّاب الأميركيين، من بينهم تانهيسي كوتيس، وأندرو شين غرير، والممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان، قد رفعوا دعوى قضائيّة في وقت سابق من هذا العام، زعموا فيها أن مارك زوكربيرغ وافق شخصياً على الاستفادة من محتويات المكتبة سيئة السمعة، التي يقدر عددها بأكثر من سبعة ملايين كتاب. ونشرت مجلة أميركيّة الشهر الماضي قاعدة بيانات يمكن البحث فيها عن العناوين التي تضمها تلك المكتبة ليكتشف كثير من المؤلفين أن أعمالهم يمكن أن تكون قد تحولت من دون إذن مسبق منهم إلى مادة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى شركة «ميتا». على أن الشركة ما زالت عند موقفها بأنها لم ترتكب أي مخالفات قانونيّة بشأن حقوق الملكيّة الفكريّة، وتؤكد على أن استخدام المعلومات المتاحة على الإنترنت في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يتوافق مع التشريعات الحاليّة التي تتيح الاستخدام العادل للمواد المتوفرة في الفضاء العام.

وقال متحدث رسمي باسمها إن الشركة ستواصل الدّفاع عن نفسها بقوة ضد الاتهامات، وحماية تطوير النماذج الأكثر تقدماً من الذكاء الاصطناعي لما فيه مصالح الجميع. وبحسب معنيين بصناعة الكتب في المملكة المتحدة، فإن لندن مترددة باتخاذ إجراءات أشد بحق شركات التكنولوجيا الأميركيّة في هذه المرحلة بالنظر إلى الأجواء الحذرة السائدة في العلاقة مع الولايات المتحدة بعد فرض الأخيرة تعريفات جمركيّة تتراوح بين 10 و25 في المائة على الصادرات إلى السوق الأميركيّة. واقترح مفاوضون بريطانيون على نظرائهم الأميركيين إيقاف ضريبة بقيمة 2 في المائة منذ 2020 تتقاضاها الخزينة العامّة من مداخيل شركات التكنولوجيا الأميركيّة الكبرى، مثل «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت» من عملياتها بالمملكة. وقرّع مسؤولون أميركيون كباراً في إدارة الرئيس دونالد ترمب الحكومة البريطانية علناً عدّة مرات لمحاولاتها فرض قيود على مواقع التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات أميركيّة، كما أنها اضطرت للتراجع تحت ضغوط من واشنطن عن تطبيق تشريع محلي على شركة «أبل» الأميركيّة يفرض عليها توفير صلاحية الدخول إلى معلومات مستعملي جوالات آيفون لأغراض أمنيّة. ومع سلبيّة الحكومة البريطانية، والتكاليف الباهظة للتقاضي مع شركات ذات ثروات طائلة، فإن معظم الكتاب البريطانيين على قناعة كبيرة بأن «ميتا» وأخواتها سيفلتون على الأرجح من العقاب، ما يدفع الكثير منهم إلى الإعلان على قبولهم مبدأ استخدام موادهم، ولكن مقابل بدل مادي.

ريتشارد عثمان
ريتشارد عثمان

لكن الشركات لا تبدو حتى الآن بوارد المبادرة بهذا الاتجاه أقلّه في مدى منظور. وتبذل بريطانيا وجهات أوروبيّة منذ بعض الوقت جهوداً لفرض حد أدنى من الحوكمة لمنع تغّول الآلة على الإبداع الإنساني، وتسعى إلى بناء توافق دولي عريض حول تشريعات وقواعد ناظمة للنزاعات بشأن حقوق المحتوى الإبداعي، لكنّها تواجه بتعنت من الجانب الرسمي الأميركي الذي يبدو حريصاً على حماية شركات التكنولوجيا الأميركيّة من كل مساءلة.

إنهم (أي المديرين التنفيذيين في ميتا) يرفضون أن يتسلموا ورقة احتجاج واحدة منا لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر



الروائي إيه جيه ويست