«كورونا غيت» تعمّق خلافات الرئاسات الثلاث في تونس

الحكومة أعلنت فتح تحقيق في دخول لقاحات بشكل غير رسمي إلى مؤسسات الدولة

سياسيون اتهموا الغنوشي بتلقي لقاح «كورونا» بطريقة سرية (د.ب.أ)
سياسيون اتهموا الغنوشي بتلقي لقاح «كورونا» بطريقة سرية (د.ب.أ)
TT

«كورونا غيت» تعمّق خلافات الرئاسات الثلاث في تونس

سياسيون اتهموا الغنوشي بتلقي لقاح «كورونا» بطريقة سرية (د.ب.أ)
سياسيون اتهموا الغنوشي بتلقي لقاح «كورونا» بطريقة سرية (د.ب.أ)

يتوقع مراقبون للشأن السياسي في تونس، أن تستفحل الخلافات أكثر بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، إثر الكشف عن تكتم رئاسة الجمهورية على خبر تسلمها ألف جرعة من لقاح «كورونا»، وتوجيهها إلى المؤسسة العسكرية، التي ترجع صلاحياتها إلى الرئيس سعيد، دون أن تحيط رئاسة الحكومة بالموضوع، رغم أن هذه الأخيرة هي التي تشرف على وزارة الصحة، وهي التي تتولى عمليات التلقيح، وتضع مخططات لتخزينها وتوزيعها؛ وهو ما دفع بعض النواب إلى إطلاق شعار «كورونا غيت» على هذه الأزمة الجديدة، التي اتُهم فيها أيضاً عدد من نواب البرلمان.
وتفجرت هذه القضية بعد أن كشف عدد من نواب البرلمان المنتمين للمعارضة، من بينهم بدر الدين القمودي، رئيس لجنة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان، والنائبان المستقلان ياسين العياري وخالد قسومة، عن وصول لقاحات «كورونا» إلى تونس سراً، واتهموا السلطات بتوزيعها على كبار المسؤولين والسياسيين والقيادات الأمنية. وأكدت مصادر من رئاسة الجمهورية حصولها بالفعل على ألف جرعة من اللقاحات، هبةً من دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت إنها وجهتها إلى مؤسسة الصحة العسكرية لتوزيعها على الأطر العاملة في الخطوط الأولى لمجابهة الوباء. لكن المصادر ذاتها نفت أن تكون هذه الجرعات قد مُنحت لأي شخص من مؤسسة رئاسة الجمهورية، بما في ذلك الرئيس سعيد، أو للعاملين في الديوان الرئاسي، أو لبعض أفراد عائلته.
في المقابل، أكدت رئاسة الحكومة أنها ستفتح تحقيقاً فورياً لمعرفة ملابسات وكيفية التصرف في هذه اللقاحات وطرق توزيعها. مؤكدة عدم علمها بوصول لقاحات «كورونا» إلى تونس، أو مصدرها أو مآلها، ومشددة على أن إدارة عمليات التلقيح على المستوى الوطني تبقى من مسؤوليات اللجنة الوطنية لمجابهة «كورونا»، وذلك في إطار استراتيجية الحكومة المعتمدة، والتي حددت الفئات الاجتماعية المعنية بالتلقيح، والتي تحظى بالأولوية.
في السياق ذاته، أصدرت رئاسة البرلمان توضيحاً إثر ما راج من إشاعات، حول تلقي راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، تلقيحاً ضد فيروس كورونا، ونفت نفياً قطعياً تلقيها أي نوع من اللقاحات من أي جهة كانت. كما أكدت رئاسة البرلمان التزامها بسياسة الدولة في إطار الاستراتيجية الوطنية، والأولويات التي وضعتها لمنح اللقاحات.
وكان البرلماني القمودي قد أكد أن الكمية التي وصلت من لقاح «كورونا»، «وُزّعت على كبار المسؤولين والسياسيين وقيادات أمنية، أما الشعب فله رب يحميه»، على حد تعبيره. أما النائب قسومة، فقد دعا إلى فتح تحقيق ومقاضاة المسؤولين، إثر ما راج حول حصول عدد من أطر الدولة والقيادات السياسية، ونواب البرلمان على لقاح «كورونا».
من ناحيته، أكد النائب المستقل ياسين العياري، أن سفير دولة الإمارات في تونس أعلم دبلوماسيين تونسيين، أن بلاده قدمت هدية لرئاسة الجمهورية، تمثلت في كمية من لقاح «كورونا». لكنه انتقد «غياب الشفافية، واعتماد مبدأ التكتم عند الحصول على هذه الجرعات».
على صعيد آخر، كشفت أميمة جبنوني، عضوة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن تلقي هذه المنظمة الحقوقية 777 شكوى صادرة عن عائلات الموقوفين في الاحتجاجات، التي عرفتها تونس خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، واتهمت السلطات بانتهاك حقوقهم الأساسية.
وأوضحت جبنوني بأن عدد الاعتقالات المرتبطة بتلك الاحتجاجات قاربت ألفي حالة في ظرف وجيز جداً، ومن بينهم نسبة لا تقل عن 30 في المائة من صغار السن، الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة. وكانت منظمات حقوقية تونسية ودولية عدة قد طالبت بإطلاق سراح كل الموقوفين، الذين اعتبرت مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية مشروعة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.