أرواح قلقة تفر من موت محقق لآخر محتمل

حاتم حافظ في روايته «كقطة تعبر الطريق»

أرواح قلقة تفر من موت محقق لآخر محتمل
TT

أرواح قلقة تفر من موت محقق لآخر محتمل

أرواح قلقة تفر من موت محقق لآخر محتمل

يجمع الروائي المصري حاتم حافظ في روايته الجديدة «كقطة تعبر الطريق»، التي صدرت أخيراً عن «الدار المصرية اللبنانية»، في 263 صفحة، أبطاله تحت فضاء سردي مشترك، فهم جميعاً في حالة ترحال وكأنه مسار إجباري، تطالعنا ملامحه في مشاهد الصالات والمطارات والبحار ومحطات القطارات مروراً بأصوات جر الحقائب، عالم تشي مفرداته بالخذلان والضجيج، لكنهم أصبحوا يمتلئون به لقتل الملل والرتابة، ويحلمون لو كانوا مجرد أشجار منسية في غابة بعيدة.
تبدو فكرة «العبور» مفتاحاً أساسياً لعالم الرواية، بداية من عنوانها الذي يثير لدى القارئ حالة من القلق والخوف، عبر تخيل قطة ضئيلة وهي تتجاوز مخاوفها الفطرية لتعبر طريقاً مكدساً بالسيارات الجامحة. بروح هذه المغامرة الصغيرة تقرر «نعمة» التونسية، إحدى بطلات الرواية، في لحظة شجاعة ترك شتات المنفى والغربة والعودة لمسقط رأسها التونسي حيث دُفنت أمها. قرارها هذا المصحوب بدوافعه «من أجل البحث عن مرفأ للرسو»، يتماثل مع محاولة القطة العبور إلى الجانب الآخر من الطريق، ربما تجد به أملاً في العيش بأمان. كما يسلط ضوءاً على دلالة العبور كمجاز سردي، ربما لاكتشاف أننا طالما كُنا قططاً لم تُغادر مكانها أبداً منذ فترات طويلة.

- شخصيات هاربة
تذوب هنا الفوارق بين فكرة العبور في سياقها العام، وكونها شكلاً من أشكال التحرر الذاتي، والعبور بين الحدود والبلدان، ما يمنح الفكرة اتساعاً في المعنى والدلالة، فهي حالة معاشة، وإجبار في كثير من الأحيان، وفي الوقت نفسه محفزة على قرار بالهروب والفرار. فبطلة الرواية السورية «عالية» التي تعيش في منفاها ببازل السويسرية، يصفها كل من يراها ولو عابراً بأن لها وجهاً غاضباً، لا تجد تفسيراً لهذا وإن كان يُغيظها هذا التعليق الذي كأنما تآمر الجميع على توجيهه لها. تعبر من بازل إلى باريس وراء فرصة عمل لدى إحدى دور النشر الفرنسية التي تطلب مترجمين للغة العربية، وهناك وفي منفى جديد تلتقي وجوهاً مختلفة وسياقات مُحزنة للاغتراب. تقابل شاباً مصرياً يتنكر وراء ملامح تعبيرية هندية، مُصطنعاً إيماءات هز الرأس التقليدية لدى الهنود، كما يحول اسمه من «إيهاب» إلى «باها»، فقط لأن الدار كانت تحتاج عاملاً هندياً، فلجأ لتلك الحيلة في ظل احتياجه المرير للعمل بعد ضياع طويل في أعقاب هجرة غير شرعية وصلت به من قريته المُعدمة بمصر إلى إيطاليا ومنها إلى باريس، وهناك التقى أولجا العجوز التي تُدير أمر الدار فتتعاطف معه وتنصحه بـ«هز رأسه» أمام أصحاب الدار ليحصل على عقد الوظيفة، فيجيد «باها» الحيلة حتى فقد ذاته وراء قناع هندي، وفرنسية مُهجنة.
أما «أولجا» العجوز المُنهكة، فهي كذلك إحدى العابرات اللاتي هربت وزوجها من بيلاروسيا إلى باريس بدافع الخوف من تأثيرات الإشعاع النووي بعد تفجير مفاعل تشرنوبل، ووضع الروس سياجاً على قريتهم. ولم تكن تتخيل أنه سيكون هروباً من موت مُحتمل لموت مُحقق، فينجو من الإشعاع ليموت زوجها ببساطة في باريس وهو يعبر الطريق، في سخرية سوداء للموت الذي لا يحتاج لأسباب، فالكل في الرواية يقطع مسافاته لضفاف يتلمسون فيها الأمان، سواء نجوا أم هلكوا.
يدور السرد في القسم الأول من الرواية على لسان الرُواة الرئيسيين، خصوصاً «عالية» السورية، وصديقها «ميشيل» الفرنسي، اللذين تبدأ الرواية بالكشف عن ثمة توتر في علاقتهما العاطفية، لا تستطيع عالية تفسيره، ويجتهد ميشيل لرأب صدعه، عبر رعاية «عالية» وابنتها «ليلي»، خصوصاً خلال تغيبها أثناء رحلتها إلى باريس.

- الجذور والمنفى
يختار المؤلف في القسم الثاني من الرواية الذي يُطلق عليه «قطط برية» أن ينطق السرد بلسان الراوي العليم، وكأنه يمنح أبطاله بعد طول تيه فرصة لالتقاط الأنفاس، لينوب عنهم الحكي، خصوصاً مع اقترابنا من المعترك الشخصي الذي يقطعه كل بطل رئيسي وثانوي في الرواية، ما بين هروب من ويلات حرب في بلادهم، لهروب وراء تُرهات أحلام، فالجنسيات المتعددة في الرواية تتراجع خصوصيتها أمام وحدة الشجون المشتركة، حتى أن الرواية جعلت أعمق مشاهدها الإنسانية أثراً تلك التي دارت بين غرباء، لا يعرفون بعضهم بعضاً، لكنهم كانوا في حاجة للتنفيس عن حمولتهم أمام أشخاص عابرين، ففي مشهد يجمع بين «عالية» ومسافرة عجوز في قطار، لم تطق عالية حصار العجوز لها بنظراتها ومحاولة افتعال حوار معها، حتى أنها قررت أن تُنهي الموقف بحدة بعد استدعائها شرطة القطار مُتهمة السيدة العجوز أنها تسبب لها الإزعاج، إلا أن العجوز لم تُدافع عن نفسها بكلمة «لم تقل إنها كانت تحاول أن تكون لطيفة أو إنها كانت تحاول تمرير الوقت، وإن حياتها التي كادت أن تنتهي كان ينقصها بعض الثرثرة مع غريب».
ومن خلال اللقاءات المتكررة بين العابرين، تُعمق الرواية خط السرد الرئيسي، وتحديات أبطالها، كما تتسلل خلفيات صوتية نوستالجية تمنح أبطالها التائهين أطواق نجاة مؤقتة، ومنها تسلل صوت «أم كلثوم» شادياً من نافذة سيارة أجرة عابر في يوم باريسي بارد، تقول عالية السورية «انتبهت على صوت أم كلثوم. للحظة ظننت أنني في دمشق ما زلت وأن كل ما مر بي كان مجرد حلم. فصوت أم كلثوم لم يكن آتياً من محل البوظة في شارع نادي المعلمين. كنت - وكانت أم كلثوم - خارج محطة ليون».
هذا الصوت القلق الشارد بين الجذور والمنفى، يُعيره المؤلف أحياناً صوت «أم كلثوم»، وأحياناً يُعيره روائح ذاكرة دمشق، حيث الباعة والحانات وروائح العطور والبخور والتوابل والعطارة، المشاوي والأرجيلة، تتذكرها «عالية» التي تبدأ لتوها مهمة ترجمة رواية عربية للفرنسية، في استغلال تجاري من دار النشر للاهتمام العالمي بسوريا في أعقاب الحرب، تنتهي عالية من قراءة الرواية لتدخل في دوامة بكائية، تستدعي بها الأماكن، وندوب الروح الصغيرة، وارتعاشات البهجة، واليأس والأمل، الحضور والغياب، لقد استعادت حياتها بالكامل، ومعها تتعرف على وجهها الغاضب ربما لأول مرة: «غاضبة لأني مُجبرة على قطع مسافات لا أريد قطعها وطرقا لا أريد عبورها».



«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)
فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)
TT

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)
فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة»، حيث تصدر الفيلم شباك التذاكر بعد اليوم الثامن لعرضه في مصر، محققاً إيرادات تقارب الـ45 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.78 جنيه مصري).

وينافس «الحريفة 2» على إيرادات شباك التذاكر بجانب 7 أفلام تعرض حالياً في السينمات، هي: «الهوى سلطان»، و«مين يصدق»، و«اللعب مع العيال»، و«وداعاً حمدي»، و«المخفي»، و«الفستان الأبيض»، و«ولاد رزق 3» والأخير تم طرحه قبل 6 أشهر.

وأزاح فيلم «الحريفة 2» الذي تقوم ببطولته مجموعة من الشباب، فيلم «الهوى سلطان»، الذي يعدّ أول بطولة مطلقة للفنانة المصرية منة شلبي في السينما، وكان يتصدر إيرادات شباك التذاكر منذ بداية عرضه مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويعد الجزء الثاني من الفيلم «الحريفة» هو التجربة الإخراجية الأولى للمونتير المصري كريم سعد، ومن تأليف إياد صالح، وبطولة نور النبوي، وأحمد بحر الشهير بـ«كزبرة»، ونور إيهاب، وأحمد غزي، وخالد الذهبي، كما يشهد الفيلم ظهور مشاهير عدة خلال الأحداث بشخصياتهم الحقيقية أو «ضيوف شرف» من بينهم آسر ياسين، وأحمد فهمي.

لقطة من فيلم «الحريفة 2» (الشركة المنتجة)

وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي اجتماعي شبابي، حول المنافسة في مسابقات خاصة بكرة القدم، كما يسلط الضوء على العلاقات المتشابكة بين أبطال العمل من الشباب.

الناقدة الفنية المصرية مها متبولي ترجع سبب تصدر فيلم «الحريفة 2» لإيرادات شباك التذاكر إلى أن «أحداثه تدور في إطار كوميدي»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الشباب الذين يشكلون الفئة الكبرى من جمهور السينما في حاجة لهذه الجرعة المكثفة من الكوميديا».

كما أكدت متبولي أن «سر الإقبال على (الحريفة 2) يعود أيضاً لتقديمه حكاية من حكايات عالم كرة القدم المحبب لدى الكثيرين»، لافتة إلى أن «هذا العالم يمثل حالة خاصة ونجاحه مضمون، وتاريخ السينما يشهد على ذلك، حيث تم تقديم مثل هذه النوعية من قبل وحققت نجاحاً لافتاً في أفلام مثل (الحريف) و(رجل فقد عقله)، من بطولة عادل إمام، وكذلك فيلم (سيد العاطفي)، من بطولة تامر حسني وعبلة كامل».

ونوهت متبولي إلى أن الفنان أحمد بحر الشهير بـ«كزبرة» يعد من أهم عوامل نجاح الفيلم؛ نظراً لتمتعه بقبول جماهيري كبير، مشيرة إلى أن «السينما المصرية بشكل عام تشهد إقبالاً جماهيرياً واسعاً في الموسم الحالي، وأن هذه الحالة اللافتة لم نلمسها منذ فترة طويلة».

وتضيف: «رواج السينما وانتعاشها يتطلب دائماً المزيد من الوجوه الجديدة والشباب الذين يضفون عليها طابعاً مختلفاً عبر حكايات متنوعة، وهو ما تحقق في (الحريفة 2)».

الملصق الترويجي لفيلم «الحريفة 2» (الشركة المنتجة)

وأوضحت أن «الإيرادات اللافتة للفيلم شملت أيام الأسبوع كافة، ولم تقتصر على يوم الإجازة الأسبوعية فقط، وذلك يعد مؤشراً إيجابياً لانتعاش السينما المصرية».

وبجانب الأفلام المعروضة حالياً تشهد السينمات المصرية طرح عدد من الأفلام الجديدة قبيل نهاية العام الحالي 2024، واستقبال موسم «رأس السنة»، من بينها أفلام «الهنا اللي أنا فيه» بطولة كريم محمود عبد العزيز ودينا الشربيني، و«بضع ساعات في يوم ما» بطولة هشام ماجد وهنا الزاهد، و«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» بطولة عصام عمر، و«المستريحة»، بطولة ليلى علوي وبيومي فؤاد.