أرمينيا: انقسام في الشارع والمؤسسة العسكرية... ودعوات للحوار

تداخل مواقف موسكو وباكو وأنقرة يؤجج الصراع الداخلي

مظاهرات في يريفان مؤيدة لرئيس الوزراء الذي حذر من تدخل العسكر في الأزمة السياسية  (أ.ف.ب)
مظاهرات في يريفان مؤيدة لرئيس الوزراء الذي حذر من تدخل العسكر في الأزمة السياسية (أ.ف.ب)
TT

أرمينيا: انقسام في الشارع والمؤسسة العسكرية... ودعوات للحوار

مظاهرات في يريفان مؤيدة لرئيس الوزراء الذي حذر من تدخل العسكر في الأزمة السياسية  (أ.ف.ب)
مظاهرات في يريفان مؤيدة لرئيس الوزراء الذي حذر من تدخل العسكر في الأزمة السياسية (أ.ف.ب)

اتجهت الأزمة السياسية في أرمينيا إلى مزيد من التصعيد وسط تبادل مكثف للاتهامات بين أنصار رئيس الوزراء نيكول باشينيان وخصومه. وتجاهل الفريقان أمس دعوات أوروبية لـ«فتح حوار شامل يفضي إلى تسوية تستند إلى الشرعية الدستورية» وفقاً لبيان فرنسي، وواصل أنصار الطرفين حشد مؤيدين في الميادين العامة، في حين دخلت تأثيرات خارجية على خط الأزمة المستفحلة. وبدا أن الأزمة المتصاعدة في أرمينيا تنذر بتوسيع المواجهة بين باشينيان وخصومه. وعلى الرغم من محافظة رئيس الوزراء الأرميني على الإمساك بمقاليد القرار على خلفية الانقسام الواسع في المؤسسة العسكرية وفي الشارع الأرميني استمرار تدهور الوضع الداخلي وإصابة البلاد بحالة من الشلل وفقاً لتعليقات صحافية دفعا إلى موجة جديدة من التكهنات حول قدرته على مواصلة قيادة البلاد في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تراكم ضغوط داخلية وخارجية عليه. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع انحازت إلى رئيس الوزراء وحذرت عدداً من جنرالات رئاسة الأركان من الإدلاء ببيانات سياسية أو التدخل في الشؤون الداخلية، بدا أن الانقسام داخل المؤسسة العسكرية يفاقم الوضع المتوتر، علماً بأن عدداً من جنرالات رئاسة الأركان كان أطلق شرارة الأزمة الحالية بإصدار بيان طالب باشينيان بالاستقالة وحمّله مسؤولية تدهور الوضع في البلاد. وسرعان ما انضمت المعارضة إلى المطالب ودعت أنصارها إلى الاعتصام في الميادين في مقابل اعتصامات نظمها أنصار باشينيان قرب مقر الحكومة. وبدا أمس، أن الرئيس أرمين سيركيسيان يريد المحافظة على توازن علاقاته مع طرفي الصراع، فهو ماطل في التوقيع على قرار باشينيان بإقالة رئيس الأركان، وأصدر بياناً أمس شديد اللهجة رفض فيه تلويح رئيس الوزراء بأن رفض التوقيع يعني الانضمام لما وصف بأنه «انقلاب عسكري». وجاء في البيان، إنه «ليس مقبولاً توجيه إنذارات أو محاولات ابتزاز للرئيس»، لكن سيركيسيان الذي لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة، بل يستند إلى رمزية منصبه، أشار في الوقت ذاته إلى ضرورة الاحتكام للحوار للخروج من الأزمة وعدم اتخاذ خطوات قد تسفر عن تصعيد الموقف. على هذه الخلفية، بدا أن عنصر القوة الأساسي الذي ما زال باشينيان ينطلق منه في إدارة الأزمة يكمن في محافظته على غالبية برلمانية؛ ما يعني أنه لا يواجه خطر سحب الثقة. فضلاً عن الضغط المتواصل لأنصاره في الشارع. ومع الانقسام الواسع في الشارع وفي المؤسسة العسكرية يبدو الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات داخلياً مع استمرار اعتصامات الفريقين، فضلاً عن دخول عنصر جديد على خط الأزمة تمثل في مواقف البلدان المعنية مباشرة بالوضع في أرمينيا.
إذ بدا واضحاً أمس، أن موقفي باكو وأنقرة يميلان نحو زيادة الضغوط الممارسة على باشينيان لدفعه إلى الاستقالة، في حين حافظت موسكو على غموض موقفها وإن برزت إشارات في وسائل الإعلام تضع مسؤولية تفاقم الموقف على رئيس الوزراء الأرميني.
على الصعيد الرسمي، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث في مكالمة هاتفية مساء الخميس المستجدات في أرمينيا مع رئيس الحكومة باشينيان. وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، إن بوتين أعرب عن «تأييده للحفاظ على النظام والهدوء في أرمينيا وتسوية الوضع ضمن إطار القانون». وزاد، أن بوتين «دعا جميع الأطراف في أرمينيا إلى ضبط النفس». لكن اللافت، أن بيانَي الكرملين ورئاسة الوزراء الأرمينية جاء متباينين بقوة حول فحوى المكالمة، وفي حين قالت يرفان، إن بوتين «عبّر عن دعمه للسلطات الشرعية في أرمينيا»، فقد اكتفى البيان الروسي بعبارات فضفاضة حول حل الأزمة في إطار قانوني. وقال بيسكوف «إذا نظرتم بعناية في النص الذي نشرناه، فيمكنكم رؤية عبارة هناك تقول إن الرئيس الروسي يؤيد حل المشكلة في إطار القانون. هذا مهم للغاية. قدمنا صياغة شاملة إلى حد كبير، تحتوي على ما فيه الكفاية من المعلومات». جاء هذا الموقف بعد إعراب وزارة الدفاع الروسية أول من أمس، عن استياء بسبب تصريحات لرئيس الوزراء الأرميني حول عدم كفاءة الصواريخ الروسية الصنع من طراز اسكندر في الحرب الأرمينية الأذرية الأخيرة. وقالت الوزارة، إن الصواريخ أثبتت كفاءة عالية في سوريا ويوغسلافيا ومناطق عديدة أخرى. واتهمت باشينيان بأنه أطلق تصريحات تحت تأثير تضليل وقع فيه. ورأى معلقون، أن أهمية هذا البيان أولاً في توقيته؛ لأنه حمل رسالة إلى المحتجين ضد باشينيان ومعارضيه في المؤسسة العسكرية لتعزيز تحركهم. فضلاً عن العنصر الأكثر أهمية لأن موضوع الصواريخ الروسية كان بين جذور تفجر الوضع أخيرا في أرمينيا؛ إذ جاء موقف رئاسة الأركان على خلفية قرار باشينيان بإقالة نائبه تيغران خاتشاتوريان؛ لأنه سخر من تلك التصريحات؛ ما آثار حفيظة رئاسة الأركان التي قالت في بيانها أن باشينيان «يقوم بتصرفات غير مسؤولة وتهدد العلاقة مع الجيش».
وكان لافتاً أمس، أن باكو تدخلت أيضاً في هذا الجانب، وأعلن الرئيس الأذري إلهام علييف أن صواريخ إسكندر لم تستخدم أصلاً في المواجهة الأخيرة، وسخر من «عدم كفاءة» باشينيان. وبرزت أيضاً إشارات إلى أن تحرك رئاسة الأركان مرتبط بتحالفات سياسية، لها أيضاً علاقة مع موسكو. وهو أمر أوضحه باشينيان عندما اتهم «الانقلابيين» بأنهم مرتبطون مع رئيس الوزراء السابق الذي أطاحه تحرك شعبي قبل عامين قاد باشينيان إلى السلطة. بالإضافة إلى ذلك، بدا أن موقف باشينيان حول ضرورة أن يتم استكمال مناقشة الوضع النهائي لمرتفعات قره باغ في إطار مجموعة مينسك، التي تضم أوروبا والولايات المتحدة وروسيا لعب دوراً في مواقف باكو وأنقرة وموسكو ضده. وكشفت باكو أمس، عن أهمية هذا الجانب في اتخاذ الموقف المناهض لباشينيان؛ إذ قال الرئيس الأذري تعليقاً على التطورات الأخيرة، إن باشينيان «أودى بالبلاد إلى الهاوية والدمار». وزاد، أن آخر المستجدات في أرمينيا تمثل نتيجة مباشرة لتصرفات سلطات هذا البلد. وأكد علييف، أن باكو تعتبر ما يجري في أرمينيا شأناً داخلياً لهذا البلد، مبدياً أمله في ألا تؤثر هذه الأحداث على تطبيق الإعلان الثلاثي المبرم بين أذربيجان وأرمينيا وروسيا بشأن تسوية النزاع في إقليم قره باغ المتنازع عليها. لكنه لوح بأنه «في حال عدم تطبيق شروط الاتفاق بشأن قره باغ، ستجد أرمينيا نفسها في وضع أكثر صعوبة». وحذر الرئيس الأذري من أن بلاده «سترد على أي خطوات محتملة من قبل يريفان»، مشدداً على ضرورة «رفع مسألة الوضع القانوني لإقليم قره باغ من أجندة أي حوارات»، معرباً وفقاً لهذا الشرط عن استعداد أذربيجان لتطبيع العلاقات مع أرمينيا، ولم يستبعد إبرام اتفاق سلام بين الطرفين. ولم يلبث هذا الموقف أن تلقى دعماً من جانب تركيا، التي رأت أن باشينيان «وصل إلى مرحلة إسقاطه عن طريق الشعب»، وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن تركيا «ترفض جميع أشكال الانقلابات، وإذا كانت هناك حاجة إلى تغيير الإدارة في أرمينيا فيجب ترك هذا الأمر لإرادة الشعب». وزاد «لقد وصل باشينيان إلى المرحلة التي أصبح فيها بإمكان الشعب الإطاحة به، لكن عندما يدور الحديث عن انقلاب فإن موقفنا واضح، ونحن نعارض هذه الخطوة».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».