ترميم رسومات هندسية نادرة لمساجد أثرية في القاهرة

بعضها يعود إلى أواخر القرن الـ19 الميلادي

ترميم رسومات هندسية نادرة لمساجد أثرية في القاهرة
TT

ترميم رسومات هندسية نادرة لمساجد أثرية في القاهرة

ترميم رسومات هندسية نادرة لمساجد أثرية في القاهرة

تعد الرسومات والخرائط الهندسية للمباني الأثرية أحد أهم عناصر الحفاظ على تلك المباني، إذ يُستند إليها في عمليات الترميم والتطوير في حال تلف أو هدم بعضها بسبب الحروب أو العوامل البيئية.
وقد بدأت وزارة السياحة والآثار المصرية، مساء أول من أمس، مشروع ترميم الرسومات والخرائط الهندسية القديمة وتوثيقها، وهي التي يرجع بعضها إلى أواخر القرن الـ19 الميلادي، على غرار الرسوم التخطيطية لجامع الرفاعي، ورسومات واسكتشات مشروع لجنة حفظ الآثار العربية لترميم جامع محمد علي بالقلعة الذي انتُهي منه عام 1939.
ويُنفّذ المشروع بمنحة من جامعة «هينكل» الألمانية، بالتعاون مع المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، وخبراء متخصصين في مجال الترميم من كلية الآثار جامعة القاهرة، والمتحف القومي للحضارة المصرية والمتحف القبطي، وذلك بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، حسب الدكتور أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، الذي أضاف، في بيان صحافي مساء أول من أمس، أنّ المشروع «يتضمن تدريب كوادر من مركز التسجيل على كيفية التسجيل وعمل الإسعافات الأولية اللازمة للرسومات».
ويدخل هذا المشروع ضمن الخطة العامة للدولة، ووزارة السياحة والآثار، للحفاظ على التراث المادي من خلال الرقمنة والتحول الرقمي، مع إنشاء قاعدة بيانات للوحات الهندسية والخرائط القديمة التي قامت بها لجنة حفظ الآثار العربية، وكذلك فهرسة الأرشيف الخاص باللوحات وفق أحدث المعايير العالمية، بما يمكن الباحثين من الوصول المستمر للبيانات بطريقة سهلة سريعة، وفق طلعت.
ومسجد الرفاعي هو توأم مسجد السلطان حسن، المواجه له شبيهه في الضخامة والارتفاع، وإن كان فارق الزمن بينهما نحو خمسة قرون من الزمان، إذ أنشئ مسجد السلطان حسن سنة 1359، بينما بدأ بناء مسجد الرفاعي سنة 1869. ويمتاز هذا المسجد بدقة الصناعة وكثرة الزخارف، وتبلغ مساحته 6500 متر مربع، وينافس مسجد السلطان حسن في الفخامة والأبهة، وفيه دُفن كثير من أفراد أسرة محمد علي، من بينهم الخديوي إسماعيل والملك فاروق.
ووفق الدكتور سعيد عبد الحميد حسن، خبير ترميم الأخشاب المدير العام في وزارة السياحة والآثار المصرية، فإن هذه الرسومات والخرائط الهندسية تعد المرجعية الرئيسية لتصميم المباني الأثرية والتراثية وشكلها، ويُلجأ إليها في حالة تهدم أو تضرر تلك المباني، إذ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أهمية الصور الفوتوغرافية لتوثيق جماليات وتفاصيل المباني الأثرية، فإنّ الرسومات تمنح أبعاداً ثلاثية كاملة دقيقة لها، فهي تتميز بحفظ تفاصيل المباني التي قد تحتوي على مداخل وقباب وأسقف وجدران ونقوش عدة».
وفي حين يعد جامع محمد علي بقلعة صلاح الدين الأيوبي أكثر معالم القلعة شهرة، وقد بدأ إنشاؤه في سنة 1830، واستمر العمل فيه حتى وفاة محمد على باشا 1848، ودفن في المقبرة التي أعدها لنفسه بداخل الجامع، ووفق رسوماته الهندسية وتخطيطه المعماري، فإنّ هذا الجامع ينقسم إلى قسمين: القسم الشرقي، وهو المكان المعد للصلاة؛ والقسم الغربي، وهو الصحن، وتتوسطه «فسقية» للوضوء. ولكل من القسمين بابان: أحدهما جنوبي والآخر شمالي، وينفرد الجامع بمئذنتيه الشاهقتين اللتين يبلغ ارتفاعهما نحو 84 متراً، بالإضافة إلى احتوائه على نحو 365 مشكاة، حسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصري.
وتذخر «القاهرة التاريخية» بمئات المباني الأثرية الإسلامية والقبطية التي يعاني بعضها من الإهمال، وتحتاج إلى تدخل عاجل، لكن قبل هذا التدخل يكون العثور على أي مخطط أو رسم هندسي أمراً مهماً للغاية.
ويؤكد عبد الحميد أنّ خبراء الترميم يبذلون جهوداً مضنية من أجل الوصول إلى أي رسومات وخرائط هندسية تتعلق ببعض المباني القديمة قبل الشروع في عمليات الترميم، فالتوثيق في حد ذاته جزء لا يتجزأ من الترميم، والمرمم لا يستند إلى أفكاره الشخصية خلال تلك العملية الخطيرة، بل يستمدها من الخرائط، لذلك فإنّ توثيق رسومات الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية في مصر مشروع قومي مهم جداً للحفاظ على التراث الإنساني.
ورغم صعوبة عمليات ترميم الوثائق والرسومات الهندسية القديمة، فإنّ عبد الحميد يرى أنّ مصر تمتلك كوادر بشرية ماهرة جداً في هذا المجال، من بينهم مجموعة ترميم الإدارة العامة لترميم المخطوطات الأثرية، ومجموعة ترميم المخطوطات والكتب والوثائق في دار الكتب المصرية، ومجموعة ترميم المخطوطات في المتحف الفني الإسلامي، بالإضافة إلى مركز ترميم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية الذي يتميز بإمكانات متطورة جداً، مشيداً بـ«نجاح المرممين المصريين في إنقاذ مقتنيات المجمع العلمي الذي أُحرق خلال أحداث العنف التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».