لماذا بيعت صورة رقمية لقط طائر بنحو 600 ألف دولار؟

ذروة جديدة في سوق سريعة النمو لحقوق ملكية الفن الرقمي

بعض المشترين في سوق ملكية الفن الرقمي من هواة  جمع المقتنيات المميزة الذين يعرضون ما اشتروه  عبر شبكات التواصل الاجتماعي (نيويورك تايمز)
بعض المشترين في سوق ملكية الفن الرقمي من هواة جمع المقتنيات المميزة الذين يعرضون ما اشتروه عبر شبكات التواصل الاجتماعي (نيويورك تايمز)
TT

لماذا بيعت صورة رقمية لقط طائر بنحو 600 ألف دولار؟

بعض المشترين في سوق ملكية الفن الرقمي من هواة  جمع المقتنيات المميزة الذين يعرضون ما اشتروه  عبر شبكات التواصل الاجتماعي (نيويورك تايمز)
بعض المشترين في سوق ملكية الفن الرقمي من هواة جمع المقتنيات المميزة الذين يعرضون ما اشتروه عبر شبكات التواصل الاجتماعي (نيويورك تايمز)

خلال السنوات العشر الأخيرة منذ أن ابتكر كريس توريس شخصية الرسوم المتحرك القط نيان، قط طائر يحمل هيكلاً في جسده ويترك خلقه أثر قوس قزح، وجرت مشاهدة هذا «الميم» والتشارك فيه عبر أرجاء شبكة الإنترنت مئات الملايين من المرات.
وطرح توريس نسخة فريدة الخميس، للبيع عبر موقع «فاونديشن» الإلكتروني المتخصص في بيع وشراء السلع الرقمية. وفي الساعة الأخيرة من المزاد، اشتعلت حرب متصاعدة حول الصورة وبيعت صورة القط نيان نهاية الأمر لمستخدم جرت الإشارة إلى هويته فقط باستخدام رقم محفظة العملة المشفرة الخاصة به، وذلك مقابل ما يقرب من 580.000 دولار.
وترك هذا الأمر توريس في حالة ذهول، وخلال مقابلة أجريت معه، الجمعة، قال «أشعر وكأنني فتحت بوابات السيول».
وجاءت عملية البيع هذه لتشكل ذروة جديدة في سوق سريعة النمو لحقوق ملكية الفن الرقمي والوسائط تعرف اختصاراً باسم «إن إف تي». وعادة ما لا يحصل المشترون على حقوق الطبع والنشر أو العلامات التجارية أو حتى الملكية الوحيدة لأي شيء يشترونه، وإنما يحصلون فقط على حق معرفة والمفاخرة بأن نسختهم «أصلية».
من بين الرموز الرقمية الأخرى التي جرى بيعها في الفترة الأخيرة مقطع للاعب السلة الأميركي ليبرون جيمس وهو يقف في وجه تسديدة في مباراة «ليكرز» كرة سلة مقابل 100.000 دولار في يناير (كانون الثاني)، ومنشور عبر «تويتر» لمارك كوبان، المستثمر ومالك نادي «دالاس مافريكس»، بيع مقابل 952 دولاراً.
هذا الشهر، باعت الممثلة ليندس لوهان صورة لوجهها بما يزيد على 17.000 دولاراً، وفي إشارة للعملات المشفرة مثل «بيتكوين»، أعلنت «أؤمن بعالم يتسم باللامركزية المالية». وسرعان ما أعيد بيع الصورة مقابل 57.000 دولار.
وتعكس السوق الناشئة لهذه العناصر خطوة بارزة وذكية من الناحية التكنولوجية من قبل مبتكري المحتوى الرقمي للتواصل مالياً مع جمهورهم والتخلص من الوسطاء.
والملاحظ أن بعض المشترين في هذه السوق الجديدة من هواة جمع المقتنيات المميزة والمعجبين الذين يعرضون ما اشتروه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الشاشات عبر منازلهم. ويحاول آخرون تحقيق ربح سريع، خاصة في ظل ارتفاع أسعار العملات المشفرة. وينظر الكثيرون لهذا الأمر باعتباره شكلاً من أشكال الترفيه يمزج بين المقامرة وجمع المقتنيات المميزة والاستثمار والتداول اليومي.
وأثارت أسعار هذه السوق اللافتة للنظر بعض الارتباك والسخرية، مثلما كان الحال منذ وقت طويل بعالم العملات المشفرة. كانت العملات المشفرة قد كافحت لإيجاد استخدامات جيدة لتقنيتها بخلاف تداول العملات. وثمة شكوك حول استقرار قيم هذه العملات؛ نظراً لاعتماد الكثير من المعاملات على العملات المشفرة والتي أدت إلى تذبذب شديد في قيمة العملات خلال العامين الماضيين.
ومع ذلك، يحرص المتحمسون للعملات المشفرة على تذكير الآخرين بأن معظم التحولات الكبرى بعالم التكنولوجيا، من «فيسبوك» و«إيربنب» وصولاً إلى شبكة الإنترنت ذاتها والهواتف المحمولة، غالباً ما بدأت ظهورها في صورة ألعاب.
في هذا الصدد، قال مارك أندريسن، مستثمر لدى مؤسسة «أندريسين هورويتز»، «يبدي الكثيرون تشككهم حيال هذا الأمر»، وذلك خلال مناقشة جرت عبر تطبيق «كلوب هاوس» الاجتماعي، هذا الشهر. وأوضح هو وشريكه بن هورويتز، أن الكثير من الأشخاص لا يشترون أشياء من عينة الأحذية الرياضية والأعمال الفنية وبطاقات بيسبول من أجل قيمة هذه الأشياء في حد ذاتها، وإنما من أجل شكلها الجمالي وتصميمها.
وعن هذا، قال هورويتز «أنت هنا تشتري شعوراً».
جدير بالذكر، أن هذه السوق بدأت الانتعاش العام الماضي، مع مشاركة أكثر عن 222.000 شخص في مبيعات بإجمالي قيمة 250 مليون دولار؛ ما يشكل ارتفاعاً بقيمة أربعة أضعاف عن عام 2019، تبعاً لما أعلنه موقع Nonfungible.com المعني بتتبع السوق. ومع ارتفاع معدلات التداول اليومي جنبا إلى جنب مع سوق الأسهم خلال الجائحة، بحث المستثمرون عن أماكن أكثر مخاطرة وأكثر سرية لكسب المال، من الأحذية الرياضية وملابس الشارع إلى الأعمال الفنية.
في الوقت ذاته، كان الارتفاع الشديد في قيمة العملات المشفرة يعني أن المزيد من المليونيرات المالكين لعملة «بيتكوين» لديهم أموال ليحرقوها. وبالفعل، لفتت أنظارهم إصدارات رفيعة المستوى من «ديدماو 5» الملحن الموسيقي وجاستن رويلاند، مبتكر كارتون «ريك آند مورتي». وانجذب الأفراد خلال بداية الموسم إلى بطاقات التداول الرقمية الجديدة للدوري. وأسس غريفين كوك فوستر موقع «نيفتي غيت أواي» لشراء وبيع مثل هذه العناصر، وذلك بالتعاون مع توأمه دنكان، عام 2018، وبيعت الشركة مقابل مبلغ لم يكشف عنه إلى «جيميناي»، منصة لتبادل العملات المشفرة أسسها زوج آخر من التوائم، تايلر وكاميرون وينكليفوس، للعام المقبل. إلا أن الأخوين فوستر (26 عاماً)، لا يزالان يتوليان إدارة الشركة.
من جهته، لاحظ كوك فوستر وجود اهتمام كبير بمثل هذه المقتنيات خلال أيام العطلات. وأضاف «عندما بدأنا العمل، كان أصدقائي في الجامعة يسخرون من (نيفتي غيت أواي). الآن، يزايدون على القطع الفنية المعروضة على الموقع بآلاف الدولارات».
جاء هذا الازدهار مرضياً لروهام غارغوزلو. عام 2017، أسست شركته «دابر لابس» موقع «كريبتو كيتيز» الذي يسمح للأشخاص بشراء وتربية قطط رقمية محدودة الإصدار باستخدام عملات مشفرة.
بدت هذه القطط ظاهرة لافتة ومثيرة، لكن «إثيريوم»، الشبكة التي جرى بناء «كريبتو كيتيز» عليها لم تستطع التعامل مع الطلب وكان استخدامها مكلفاً. ومع انخفاض أسعار العملات المشفرة عام 2018، فقد الناس اهتمامهم بالأمر.
ومع هذا، تضاعفت قيمة «دابر لابس» مع جمعها المزيد من التمويل الرأسمالي الاستثماري وأنشأت شبكتها الخاصة باسم «فلو»، وانضمت إلى السوق لبيع مقاطع مميزة من خلال شركة جديدة بعنوان «توب شوت»، وبالفعل حققت مبيعات بلغت 43.8 مليون دولار خلال يناير فقط. جدير بالذكر، أن «دابر لابس» تحصل على نسبة 5 في المائة من كل عملية بيع.
من ناحيته، دعم أندريسين هورويتز «دابر لابس»، وكذلك «فاونديشن»، الموقع الذي تولى إدارة بيع صفقة القط نيان. ورفض ممثل عن «أندريسين هورويتز» التعليق.
ومنذ إطلاقه في 3 فبراير (شباط)، حقق «فاونديشن» أكثر عن مليون دولار من المبيعات. وكان الرد تبعاً لما أفاده مؤسس الموقع، كيفون ترانيان، «قوياً للغاية».
كان أحد الباعة الأوائل عبر «فاونديشن»، دوم هوفمان والذي أدرج مقطع فيديو تولى تصويره عام 2012، وكان عبارة عن مونتاج بسيط وعادي لليلة صيف حارة في نيويورك. ونظراً لأنه كان من أوائل المقاطع المنشورة عبر «فاين»، تطبيق موقع تواصل اجتماعي لم يعد له وجود اليوم كان هوفمان قد عاون في تأسيسه، اكتسب الموقع قيمة تاريخية.
وبعد خمسة عشر عرضاً، بيع المقطع مقابل 8.77 عملة «إيثريوم»، أي ما يعادل 17.198.15 دولاراً.
وقال هوفمان، إن الأمر برمته لا يزال يصيبه بالارتباك والحيرة. وأكد أن «هذا أمر بالتأكيد أقضي وقتاً أطول الآن في التفكير فيه».

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».