«أتيليه الإسكندرية» يصارع تهديدات الطرد من مقره التاريخي

بعد حكم «إنهاء الإيجار» بين إدارته وورثة القصر الأثري

{أتيليه الإسكندرية} من الخارج
{أتيليه الإسكندرية} من الخارج
TT

«أتيليه الإسكندرية» يصارع تهديدات الطرد من مقره التاريخي

{أتيليه الإسكندرية} من الخارج
{أتيليه الإسكندرية} من الخارج

انتقل مبنى «أتيليه الإسكندرية» التاريخي إلى منصات التواصل الاجتماعي واجتماعات المسؤولين بعد أن صار مهدداً بتوقف أنشطته داخل مقره العريق، ليُجدد بذلك قصة «الأتيليه» الذي أسس كيانه الفنان التشكيلي المصري الرائد محمد ناجي عام 1934. وذلك بعد عودته من العاصمة اليونانية أثينا، مُستلهماً منها فكرة الأتيليه، أو المركز الثقافي التي يُتيح المساحة والإمكانيات لأنشطة الفنانين والكُتاب. وأسس ناجي بعدها بنحو عشرين عاماً «أتيليه القاهرة»، في وقت كانت فيه مدينة الإسكندرية بطابعها الكوزموبوليتي هي العاصمة الأولى للثقافة المصرية، يسبق فيها تأسيس الكيانات الفنية نظيراتها في العاصمة القاهرة.
وانتقل الأتيليه من مقر لآخر حتى استقر منذ نحو 65 سنة في مقره الحالي في قصر أثري يقع في شارع فيكتور باسيلي بحي الأزاريطة وسط الإسكندرية، وهو قصر يعود تأسيسه إلى عام 1893. ويشير الفنان التشكيلي المصري عضو مجلس إدارة أتيليه الإسكندرية خالد هنو إلى هذا التاريخ، ويقول: «هذا التاريخ محفور على لافتة من الحديد ما زالت موجودة على واجهة القصر حتى اليوم»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان القصر مملوكاً لأحد الأجانب المقيمين في الإسكندرية نهاية القرن التاسع عشر، ثم باعه لبائع أخشاب شهير، اسمه إدوارد كرم، أدخل تغييرات فنية كبيرة على القصر، مستعيناً بالأخشاب وفنياتها، ما بين حفر وتبطين للجدران، مما ضاعف من الجماليات الفنية للقصر، ثم قام البنك الإيطالي بشراء المبنى، واستأجر الأتيليه هذا القصر عام 1956، ليصبح منذ هذا التاريخ مقراً ثابتاً للأتيليه وأنشطته».
إلا أن المبنى الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، ويعد أقدم الجمعيات الثقافية في مصر، يواجه أزمة بعد تأييد حكم المحكمة الدستورية العليا بإنهاء العلاقة الإيجارية، وتسليم المقر الحالي للأتيليه للورثة، وهو الحكم القضائي الذي طلب القائمون على الأتيليه استئنافه في جولة أخرى من المنتظر أن تحسمها محكمة الاستئناف لصالح أي من الطرفين.
ومع لجوء القائمين على الأتيليه إلى طلب الاستئناف في هذا الحكم، وخوفاً من أن يكون الطرد من المقر تمهيداً لهدم هذا المبنى العريق، دشن كثير من الفنانين والمثقفين المصريين «هاشتاغاً» لدعم موقف الأتيليه باسم «#أنقذوا_أتيليه_الإسكندرية». وهو الهاشتاغ الذي لاقى تفاعلاً واسعاً، انضمت له أصوات واسعة تطالب بالحفاظ على هذا التاريخ، علاوة على القيام بالتواصل المباشر مع وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم، ومُحافظ مدينة الإسكندرية محمد شريف، اللذين يقول خالد هنو إنهما على تفهم كامل للقضية، ودعم لموقف الأتيليه، فيما تمت الدعوة لمؤتمر حاشد للمثقفين يوم 26 من فبراير (شباط) الحالي في مقر الأتيليه لدعم عدم طرده من مقره التاريخي، ومناشدة رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي التدخل للحفاظ على الأتيليه وموقعه العريق.
ويتكون قصر «الأتيليه» من طابقين، علاوة على السطح، والقبو الذي يضم مجموعة من مراسم الفنانين، وكانت تلك المراسم قبل تأسيس كلية الفنون الجميلة هي في حد ذاتها مقراً لتعليم الرسم على يد رواد الفنانين، وكذلك يضم حديقة ما زالت تحتفظ بأشجار نادرة.
وحسب خالد هنو، فإن أنشطة الأتيليه عبر تاريخه لم تقتصر فقط على الأنشطة المحلية داخل مصر، وإنما شهد استضافة معارض لفنانين عالميين، منهم بابلو بيكاسو وأوجست رينوار وكلود مونيه، إذ يقول هنو: «الإسكندرية كانت عاصمة للفنون مثل باريس، وكانت العروض الفنية بها لها مكانة عالمية»، ويضيف: «علاوة على العروض التشكيلية، استضاف الأتيليه محاضرات لعميد الأدب العربي طه حسين والعقاد، كما سبق أن قمنا بتكريم كبار المخرجين السينمائيين، ومنهم يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، وأخيراً قبل عدة أشهر قمنا باستضافة المخرج علي بدرخان، علاوة على تنظيم عروض الأفلام والحفلات الموسيقية، وحفلات التوقيع والندوات، في تواصل لم ينقطع عبر أكثر من ستين عاماً لفعاليات الأتيليه الثقافية في هذا المقر التراثي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».