وثائقي جديد يرسم صورة رهيبة للمخرج الأميركي وودي آلن

المخرج الأميركي وودي ألين (أ.ف.ب)
المخرج الأميركي وودي ألين (أ.ف.ب)
TT

وثائقي جديد يرسم صورة رهيبة للمخرج الأميركي وودي آلن

المخرج الأميركي وودي ألين (أ.ف.ب)
المخرج الأميركي وودي ألين (أ.ف.ب)

يعيد مسلسل وثائقي فتح ملفات قضية الاعتداء الجنسي المتهم فيها المخرج الأميركي وودي آلن، ويقدّم عبر أربع حلقات شهادات ووثائق قانونية ترسم صورة رهيبة للمخرج الشهير. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فالمسلسل المعنون «ألين ضد فارو» يذاع على محطة «إتش بي أو» الأميركية هذا الأسبوع وفي فرنسا الشهر القادم، ولكنه حسب وصف التقرير «لا يكشف أي أسرار جديدة، لكنه سيلطخ بالتأكيد سمعة المخرج المخضرم في نيويورك».
ويخوض المخرجان المعروفان بأفلامهما الوثائقية، كيربي ديك وإيمي زيرينغ، في ماضي آلن مستخدمين شهادات ووثائق قانونية، بعضها لم يُنشر من قبل، للبحث بشكل أعمق في قضية الاعتداء الجنسي الذي اتهمته ابنته بالتبني ديلان فارو بارتكابه عندما كانت في السابعة من العمر، وهي اتهامات ينفيها المخرج الأميركي باستمرار.
ويربط الوثائقي بين الاعتداء الجنسي المفترض على ديلان وعلاقة آلن بابنة شريكته السابقة، ميا فارو، بالتبني، سون يي بريفين، التي أصبحت زوجته. لكنه يشير بشكل عام إلى انجذاب المخرج إلى الفتيات الصغيرات.
ويستشهد الوثائقي بوثائق محكمة وشهادات تشير إلى أن آلن أقام علاقات جنسية مع سون يي عندما كانت قاصرة.
وتبلغ سون يي من العمر حاليا 50 عاماً وقد التقت ألين عندما كانت تبلغ 16 عاماً، علماً بأن المخرج يكبرها بـ35 سنة.
وإضافة إلى هذه العناصر المزعجة، يطرح مسلسل «آلن ضد فارو» سعي وودي ألين إلى التلاعب خصوصاً بالصحافة، للتقليل من شأن الاتهامات وتشويه سمعة ميا فارو. ويشير الوثائقي إلى أنه قد يكون قد أخرج التحقيقين الرسميين في القضية عن مسارهما، إذ لم يؤدِّ أيٌّ منهما إلى مثوله أمام القضاء وتوجيه اتهامات إليه.
على نطاق أوسع، يستنكر الوثائقي ثقافة الهيمنة الذكورية التي كانت سائدة قبل حركة «#أنا أيضاً» والتي سمحت للرجال الذين يملكون نفوذاً في مجال الأعمال الاستعراضية وغيرها من المجالات بإساءة استخدام مناصبهم مع الإفلات من العقاب، وأحياناً بمعرفة نظرائهم.
سيكون لوثائقي «آلن ضد فارو» صدى خاص في فرنسا، حيث سيُبثّ الشهر المقبل على شبكة «أو سي إس» وسط سلسلة من الادعاءات الأخيرة المتعلقة بسِفاح القُربى تورط فيها كثير من الشخصيات العامة.
ويوضح المخرجان أيضاً كيف استمر ألين كونيغسبرغ، وهو الاسم الحقيقي للمخرج، في الاستفادة من الدعم الثابت لبعض أبرز الشخصيات في عالم السينما بعد الادعاءات، بينما حُرمت ميا فارو من الأدوار وأصبحت، على حد قولها، شخصية غير مرغوب فيها في هوليوود.
ولم يبدأ الممثلون والممثلات الابتعاد عن المخرج الثمانيني إلا في عام 2017 بعد نشر مقال افتتاحي بقلم ديلان فارو بدعم من شقيقها رونان، وهو صحافي أصبح بطل حركة حركة «#أنا أيضاً».
بالنسبة إلى المخرج كيربي ديك، تمتد رسالة الوثائقي إلى ما هو أبعد من ألين، مع أنها تحمل اسمه. وقال ديك في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» إن «الأمر لا يتعلق به».
وأوضحت إيمي زيرينغ: «إنه يتحدث عن نظام»، موضحةً أن «هذا المسلسل يتمحور حول التواطؤ ونفوذ الشهرة والقدرة على التلاعب وطريقة رؤيتنا لمسألة تكررت بشكل كافٍ».
ويغوص الوثائقي أيضاً في عالم ديلان فارو التي عبّرت عن نفسها بطريقة غير مسبوقة وما زالت بعد مرور ثلاثين عاماً تقريباً، تُظهر علامات صدمة عميقة.
وقالت: «هناك الكثير من المعلومات المضللة (...) الكثير من الأكاذيب. شككوا بي ووضعوني تحت المجهر. تعرضت للإذلال» فيما تمكن والدها بالتبني «من الهرب ببساطة من هذه الفوضى».
لكن، يبقى هناك غياب كبير لوودي آلن خلال هذه الساعات الأربع من الاتهامات القاسية، رغم دمج مقتطفات من الكتاب الصوتي الذي قرأه المخرج من سيرته الذاتية «أبروبو أوف نوثينغ» (2020).
وليست هناك أي شهادة تناقض ما ورد، لأنه لا زوجته سون يي، ولا ابنه بالتبني موزيز، وكلاهما دافع عنه في الماضي، قبلا بالمشاركة في الوثائقي.
ولم يستجب وودي آلن لاتصالات وكالة الصحافة الفرنسية للتعليق.
وقال ديك: «أعتقد أن الكثير من الناس عندما يرون هذا الوثائقي، حتى الأشخاص الذين يدافعون الآن عن وودي ألين، سيغيّرون رأيهم أو سيرون الأمور بطريقة مختلفة تماماً».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».