انتقادات لإعلامي مصري هاجم «أهالي الصعيد» بسبب «الزيادة السكانية»

أوقف عن العمل... والأزمة تصل إلى البرلمان

الإعلامي المصري تامر أمين (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)
الإعلامي المصري تامر أمين (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)
TT

انتقادات لإعلامي مصري هاجم «أهالي الصعيد» بسبب «الزيادة السكانية»

الإعلامي المصري تامر أمين (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)
الإعلامي المصري تامر أمين (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)

أثار هجوم إعلامي مصري على أهالي الصعيد (جنوب مصر) في معرض تصريحاته بشأن الزيادة السكانية، موجة من الجدل والهجوم بدأت بمواقع التواصل الاجتماعي، ووصلت لساحة البرلمان، وقرر المجلس الأعلى للإعلام الرسمي أمس، وقف البرنامج واستدعاء الإعلامي المصري للتحقيق؛ مما دفع القناة التي أذاعت التصريحات للاعتذار وفتح تحقيق في الواقعة.
بدأت القصة عندما قال الإعلامي المصري تامر أمين، في برنامجه «آخر النهار»، أثناء حديثه عن أسباب الزيادة السكانية، إن «أهل الريف والصعيد ينجبون أطفالاً، لينفقوا على آبائهم»، و«أهالي الصعيد يشحنون البنات إلى القاهرة ليعملوا خادمات»؛ مما أثار موجة من الجدل والهجوم على أمين، دفعته للظهور في فيديو عبر صفحة قناة «النهار» على «فيسبوك»، اعتذر فيه عن التصريحات، مؤكداً أنه «لم يقصد الإساءة لأهالي الصعيد»، وأصدرت القناة اعتذاراً عن التصريحات، وقررت وقف البرنامج والتحقيق في الواقعة.
لكن هذا التصريح لم يهدّئ الأزمة، التي وصلت البرلمان بإعلان عدد من النواب اعتزامهم تقديم طلب في البرلمان لاستدعاء أمين والتحقيق معه، قبل أن يصدر المجلس الأعلى الإعلام (وهو الجهة المسؤولة عن تنظيم الإعلام المصري)، قراراً ظهر أمس (الجمعة)، بوقف برنامج «آخر النهار»، واستدعاء أمين للتحقيق معه غداً (الأحد).
وأكد المجلس الأعلى للإعلام، في بيان صحافي أمس، «ضرورة الالتزام بمدونات النشر التي تخص تعظيم القيم السلوكية والأخلاقية، والاحترام الكامل لأهالي الصعيد الذين يمثلون الشهامة والمروءة والرجولة».
بدوره، أشاد الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، بقرار المجلس الأعلى للإعلام وقف البرنامج، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرار الأعلى للإعلام سليم جداً؛ حتى يعرف من يعملون في المجال الإعلامي أنه لا يصح الهجوم على أحد أو الإخلال بنسق القيم في المجتمع دون سند، وأن هناك حساباً لكل من يتجاوز قواعد ومعايير المهنة الأخلاقية والمهنية».
وقال المرسي، إن «ما قاله أمين يخالف الواقع، خصوصاً أن الفلاحين أهالي الصعيد يهتمون بتعليم بناتهم، وربما يبيعون أثاث منزلهم لتحقيق ذلك»، مشيراً إلى أن «مثل هذه التصريحات تهدد المجتمع، لا سيما أن الفلاحين والصعايدة يشكلون 90 في المائة من المصريين»، موضحاً أن «العفوية وحسن النية لا تبرر مثل هذه التصريحات وعلى الإعلامي أن يدرك قيمة الكلمة».
ومن المقرر أن يشهد البرلمان المصري إلقاء بيانات عاجلة بشأن الأزمة غداً، وقال النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، في بيان صحافي، إن «الإعلامي تناسى أن هناك الكثير من مشاهير المجتمع المصري ترجع أصولهم إلى الصعيد أو الريف»، بينما قال النائب مصطفى بكري، في تغريدة عبر صفحته الرسمية على «تويتر»، «نساء الصعيد لا يعملن خادمات في البيوت، ورجال الصعيد لا يقبلون الجلوس في البيوت لتصرف عليهم بناتهم، الصعيد مصنع الرجال، ويعرف العيب جيداً، أتمنى منك الاعتذار لمن أصيبوا برذاذ كلماتك»، في حين طالب النائب أحمد عبد السلام قورة بمحاسبة تامر أمين، ووقف برنامجه، واستدعاء أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، وكرم جبر، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وحسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ومساءلتهم حول ما اتخذوه من إجراءات ضد الإعلامي الذي يجهل حقائق وتاريخ الصعيد.
وهذه ليست الأزمة الأولى من نوعها، فقد حدثت أزمات أخرى، من أشهرها الواقعة التي حدثت في عام 2018 عندما شن نواب البرلمان هجوماً على اللواء أبو بكر الجندي، وزير التنمية المحلية في ذلك الوقت، بعد تصريحاته مع الإعلامي تامر أمين أيضاً، والتي قال فيها إنه «يسعى لخلق فرص عمل في الصعيد بدلاً من أن يأتي الصعايدة للقاهرة ويبنوا عشوائيات»، وقبلها في عام 2016 شن النائب مصطفى بكري، هجوماً على نقيب الصحافيين المصريين في ذلك الوقت يحيى قلاش، وطالبه بالاعتذار، بسبب تصريحات له سخر فيها من الصعايدة، ووصل الهجوم إلى مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاغ «الصعايدة أشرف من الخونة»، كما قُدمت بلاغات عدة ضد قلاش اتهمته بسب وإهانة الصعايدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.