«حمام إسلامي» من القرن الثاني عشر يظهر في حانة بإشبيلية

اكتُشف الحمام في حانة شعبية بمدينة إشبيلية (إلباييس الإسبانية)
اكتُشف الحمام في حانة شعبية بمدينة إشبيلية (إلباييس الإسبانية)
TT
20

«حمام إسلامي» من القرن الثاني عشر يظهر في حانة بإشبيلية

اكتُشف الحمام في حانة شعبية بمدينة إشبيلية (إلباييس الإسبانية)
اكتُشف الحمام في حانة شعبية بمدينة إشبيلية (إلباييس الإسبانية)

ظهر حمام إسلامي يرجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وهو مليء بزخارف جدارية هندسية بالغة الروعة مع منارات للإضاءة تتخذ شكل نجوم ثمانية الرؤوس، على صورة غير مكتملة قليلاً، من الجدران والسقوف المقببة الخاصة بإحدى الحانات الشهيرة في قلب مدينة إشبيلية في جنوب إسبانيا. وفق ما ذكرت «الغارديان» البريطانية.
وكان أصحاب حانة «سيرفيرسيريا غيرالدا»، التي كانت تقدم مختلف المشروبات للرواد بالقرب من كاتدرائية إشبيلية منذ عام 1923، قد قرروا في الصيف الماضي الاستفادة من الأعمال المحلية في إصلاح الطرق وانتشار وباء كورونا المستجد بالبدء في أعمال تجديد الحانة تلك التي تأخرت لفترة طويلة من الزمن.
رغم أن الأساطير المتداولة محلياً مع الوثائق التاريخية الغربية تشير إلى أن موقع الحانة ربما كان يضم حماماً شعبياً قديماً في يوم من الأيام، فإن أغلب الناس قد اعتقدوا أن المظهر القديم لحانة «سيرفيرسيريا غيرالدا» يعود إلى الطراز الموديغاري المعماري (شكل من أشكال المعمار النهضوي في الحضارة الموريسكية القديمة على شبه جزيرة إيبيريا)، أو الطراز النهضوي الإسلامي القديم، حيث بنى المهندس المعماري «فينسنت ترافير» الحانة والفندق المجاور على أطلال الحمام القديم في أوائل عشرينيات القرن الماضي.
يقول أنطونيو كاسترو، وهو أحد ملاك الحانة الأربعة: «كان هناك كلام قديم عن وجود حمام في هذا المكان، لكنه لم يبلغ حد إقناع المؤرخين كافة، واعتقد البعض أنه حدث بعد مرور فترة طويلة من الزمن. وكنا نقوم ببعض أعمال التجديد والصيانة، ومن ثم استدعينا أحد علماء الآثار، وهكذا اكتشفنا وجود الحمام القديم».
كان عالم الآثار الفارو خيمينيز على دراية بهذه الشائعات القديمة. ولكنه على غرار الكثيرين هناك، تصور أنها مجرد أقاويل خيالية من الماضي العتيق. وفي أحد أيام شهر يوليو (تموز) الماضي، كان فريق العمل يواصل العمل عبر الغلاف الجصي الذي يغطي سقف الحانة عندما اكتشفوا كوة صغيرة تتخذ شكل النجمة ثمانية الرؤوس.
قال خيمينيز: «بمجرد أن رأينا أحد منافذ الإنارة تأكدنا تماماً من هوية المكان، فلا يمكن أن يكون أي شيء آخر سوى الحمام. وكان لزاماً علينا متابعة نمط منافذ الإضاءة في السقف».
وسرعان ما أسفر اكتشافهم عن قطعة بديعة من التصاميم القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني عشر الميلادي إبان عصر حكم الخلافة الموحدية في الأندلس التي بسطت سيطرتها قديماً على ما يُعرف اليوم في إسبانيا والبرتغال، فضلا عن مساحات شاسعة من الشمال الأفريقي.
وأضاف عالم الآثار قائلا: «من ناحية الزخارف، كانت تلك الحمامات القديمة تحتفظ بأكبر قدر ممكن من الزخارف الجدارية الهندسية المحفوظة لأي من الحمامات الشعبية الأخرى المعروفة في شبه جزيرة إيبيريا». واستطرد قائلاً: «كل شيء هنا مزخرف ومزين بكل تأكيد، ومن حسن الحظ أنه نجا عبر الأزمنة الطويلة. والخلفية عبارة عن ملاط من الجير الأبيض المنقوش بخطوط، ودوائر، ومربعات هندسية بديعة. وأعلى ذلك، هناك لوحات من لون أحمر مُصفر لنجوم ثمانية الأذرع، وزهور متعددة الوريقات مع ثماني بتلات لكل منها. ويتبادل هذان التصميمان ويتشابكان في تأقلم جميل مع باقي الأشكال الهندسية المتنوعة لمنافذ الإنارة في الحمام».
وفي حين أن الكثير من مواد التبييض بحاجة إلى التنظيف من أجل الكشف عن الطلاء الأحمر أسفلها، فإنه جرى الحفاظ على نمط الحمام التقليدي وإصلاحه. ومن المقرر إعادة افتتاح حانة «سيرفيرسيريا غيرالدا» للجمهور مرة أخرى في غضون أسبوعين أو ثلاثة.
وقال خيمينيز، الذي وصف نوعاً من المحاذاة الحتمية لعدد من الأشياء المختلفة في الحمام: «لقد أعيد الحمام والحانة إلى الحياة من جديد، وصارا معا شيئاً رائعاً للغاية. لقد اشتمل الأمر على الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب مع شيء من حسن الحظ».
ويتطلع كاسترو رفقة شركائه الأربعة إلى فصل جديد من تاريخ الحانة الطويل. ولكنهم يتناوبون الشراب أيضاً احتفالاً بالبصيرة الثاقبة للمهندس المعماري «فينسنت ترافير».
وأخيراً قال كاسترو: «كانت تلك الحانة من أشهر الحانات في الماضي، وسيتمكن الناس حالياً من المجيئ إلينا لتناول المشروبات المفضلة في تلك الحانة القديمة التي كانت حماماً تقليدياً في القرن الثاني عشر. وإنه لأمر جيد جداً أن المهندس المعماري من عشرينيات القرن الماضي احترم في أعماله الحمامات القديمة، ولربما كان آخرون حطموا كل شيء لأجل بناء تلك الحانة، لذا نحن ممتنون له كثيراً».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT
20

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».