كانت مدربة الغناء سوزي زومبي تجري تدريبات الإحماء مع طالب، فبدأت بتقويم عموده الفقري وتوسيع صدرها قبل أن توجهه إلى سلسلة من تمارين التنفس بطرد دفعات هوائية قصيرة وحادة.
بدأ صوته يعود وأصدر همهمة رنانة انطلقت عالياً وكانت أقرب إلى الصرير، قبل أن تنخفض وتعود كما كانت. من ثمّ أخرج لسانه كما لو كان في حالة اشمئزاز، في تمرين لعضلات الوجه.
كرر الطالب واين كاميرون التمارين واحداً تلو الآخر، وواصلت زومبي تشجيعه باستحسان قائلة: «رائع وأين. رائع. لكنني أعتقد أنه بإمكانك أن تعطيني مزيداً من حركة اللسان في ذلك الجزء الأخير».
رغم أن التمارين كانت تجرى عبر تقنية «زوم»، فإنها كانت قريبة الشبه بتلك التي تقودها زومبي عادة في «الأكاديمية الملكية للموسيقى» أو في «أوبرا غريسنغتون» حيث تتولى تدريب المطربين الشباب. لكن كاميرون (56 سنة) ليس مغنياً في الأوبرا؛ بل مدير للوجيستيات المستودعات بشركة لوازم مكتبية. وقد وصف الأطباء الجلسة في جزء من خطة شفائه بعد تجربة مدمرة مع «كوفيد19» في مارس (آذار) الماضي.
تحت اسم «تنفس اي إن أو»، ويعنى «برنامج الأوبرا الإنجليزية لتحسين التنفس»، طورت دار الأوبرا الإنجليزية الوطنية البرنامج بالتعاون مع أحد مستشفيات لندن؛ إذ يقدم البرنامج الذي يمتد 6 أسابيع دروساً صوتية مخصصة للمرضى، تشمل تمارين استشفاء مثبتة إكلينيكياً بعد أن أعيدت صياغتها بواسطة مدرسي غناء محترفين يجري تقديمها عبر الإنترنت.
ورغم أن عدداً محدوداً من الهيئات الثقافية لم تتأثر بتداعيات الوباء، فقد تضررت دور الأوبرا بشكل خاص في كثير من بلدان العالم. في بريطانيا، على سبيل المثال، لم تتمكن الفرق الأوبرالية من تقديم عروض حيّة أمام الجماهير لنحو عام، فيما تمكنت بعض المسارح وأماكن الحفلات الموسيقية من إعادة فتح أبوابها في الخريف الماضي للعروض المتباعدة اجتماعياً في الفترات التي تخللت عمليات الإغلاق. ولذلك كان اختفاء كثير من منتجي الأوبرا أوضح من غيرهم.
لكن «دار الأوبرا الوطنية الإنجليزية»، كانت تحاول إعادة توجيه طاقاتها. ففي وقت مبكر، عزز فريق التعليم أنشطته وصنع قسم خزانة ملابس لمعدات واقية للمستشفيات خلال فترة النقص الأولي في المعدات والمستلزمات على الصعيد الوطني. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قدمت الشركة «تجربة الأوبرا بالسيارة» التي تتميز بأداء مختصر لبوتشيني بعنوان: «لو بوهيمي» بث على شاشات كبيرة في حديقة بلندن. وفي الشهر نفسه، بدأت بتجربة البرنامج الطبي المذكور.
في مقابلة بالفيديو، أوضحت جيني موليكا، المسؤولة عن برنامج التوعية في «الأوبرا الوطنية الإنجليزية»، أن الفكرة تطورت في الصيف الماضي عندما بدأت حالات «كوفيد الطويلة» في الظهور، واستهدفت الفكرة هؤلاء الأشخاص الذين تعافوا من المرحلة الصعبة من المرض لكنهم ما زالوا يعانون من آثارها؛ بما في ذلك ألم في الصدر وتعب، وتشوش الدماغ، وضيق التنفس.
في هذا الصدد، قالت موليكا إن «الأوبرا متأصلة في النفس. هذه هي خبرتنا، وربما أن (الأوبرا الوطنية الإنجليزية) لديها ما تقدمه».
في البداية، اتصلت بالدكتور سارة إلكين، اختصاصية الجهاز التنفسي في إحدى كبرى شبكات المستشفيات العامة في البلاد؛ وهي «إمبريال كوليدج إن إتش ترست»، واتضح أنّها وفريقها كانوا يجهدون عقولهم أيضاً بمسألة كيفية علاج هؤلاء المرضى على المدى الطويل.
وأوضحت الدكتور سارة في مقابلة أنه «مع ضيق التنفس، يمكن أن يكون الأمر صعباً للغاية»، مشيرة إلى «قلة العلاجات المتوفرة لـ(كوفيد19)، ومدى سوء فهم آثار المرض. فبمجرد الانتهاء من إمكانات العلاج بالعقاقير، تشعر أنه ليس لديك الكثير لتقدمه للناس». اعتادت سارة أن تغني «الجاز» بنفسها وشعرت بأن التدريب الصوتي قد يساعد.
جدير ذكره، أن أكثر من 12 مريضاً جُندوا في البداية، وبعد استشارة فردية مع اختصاصي صوتي لمناقشة تجربتهم مع «كوفيد19»، شاركوا في جلسات جماعية أسبوعية، أجريت عبر الإنترنت. بدأت زومبي بأساسيات مثل وضعية الوقوف، والتحكم في التنفس، قبل توجيه المشاركين للغناء لفترات قصيرة من الطنين والغناء، وتجربتهم في الفصل وتشجيعهم على التدرب في المنزل.
كان الهدف هو تشجيعهم على الاستفادة القصوى من سعة الرئة لديهم، التي أضر بها المرض في بعض الحالات، وأيضاً تعليمهم التنفس بهدوء والتعامل مع القلق؛ وهي مشكلة لدى كثير من الأشخاص الذين مروا بمرحلة طويلة من المرض.
عندما سُئل كاميرون عما إذا كان يريد الانضمام، كان مرتبكاً، وقال: «فكرت: هل سأكون بافاروتي التالي؟»، واستطرد قائلاً إن «كوفيد19» جعله يشعر بالهزيمة. فبعد خروجه من المستشفى اضطر للقيام زيارات عدة إلى غرفة الطوارئ، ووُجّه إلى الخضوع لأشهر من العلاج لمتابعة جلطات الدم ومشكلات الجهاز التنفسي. وأضاف: «كنت أعاني لأستنشق الهواء»، لكن بعض تمارين التنفس البسيطة أحدثت فارقاً كبيراً وسريعاً. وأكد أن «البرنامج يساعد بدرجة كبيرة جسدياً، وعقلياً، وكذلك في التغلب على القلق».
بالنسبة لعنصر الغناء، كانت لدى المدرسين فكرة استخدام أغاني الأطفال المستمدة من الثقافات حول العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى سهولة إتقانها، حسب السيدة زومبي، ويرجع ذلك جزئياً أيضاً إلى أنها مهدئة للأعصاب. وقالت: «نريد بناء علاقة عاطفية من خلال الموسيقى، وجعلها ممتعة، فهي ليست جسدية فقط».
وكيف أصبح غناء كاميرون الآن؟ رد ضاحكاً: «أنا أكثر تناغماً»، فالبرنامج ساعد في الوصول إلى نغمات عالية أثناء الغناء في السيارة. وأضاف: «بعد أن تعلمت التقنية، يمكنني التحكم في التنفس والصوت بطريقة أفضل بكثير».
* خدمة «نيويورك تايمز»