الأسبلة الأثرية بالقاهرة تستعيد رونقها التاريخي بعد الترميم

«الأمير شيخو» بقلعة صلاح الدين أحدثها

 ترميم سبيل الأمير شيخو الأثري
ترميم سبيل الأمير شيخو الأثري
TT

الأسبلة الأثرية بالقاهرة تستعيد رونقها التاريخي بعد الترميم

 ترميم سبيل الأمير شيخو الأثري
ترميم سبيل الأمير شيخو الأثري

ضمن مشروع استعادة رونق الأسبلة الأثرية في القاهرة، أعلن المجلس الأعلى للآثار، عن البدء في مشروع ترميم سبيل الأمير شيخو بمنطقة الحطابة المجاورة لقلعة صلاح الدين الأيوبي وسط القاهرة، في الوقت الذي تواصل وزارة السياحة والآثار تنفيذ مشروع ترميم 100 أثر بالقاهرة التاريخية، والذي يضم مجموعة أخرى من الأسبلة الأثرية.
ويتضمن مشروع ترميم سبيل الأمير شيخو، المقرر الانتهاء منه قريبا، أعمال التنظيف الميكانيكي لأحجار واجهات السبيل، وإظهار النقوش الكتابية والزخارف الموجودة عليها، وإزالة التعديات الحديثة بجانبيه ووضع سياج حديدي لحمايته، حسب الدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار.
وقال طلعت، في بيان صحافي أمس إن «سبيل شيخو يعتبر فريداً من نوعه بين الأسبلة، لأنه الوحيد المحفور في الصخر، ويقع على حافة التل المشيد عليه قلعة صلاح الدين الأيوبي»، مشيراً إلى أنه «من النماذج النادرة في بناء أسبلة غير ملحقة بمسجد أو مدرسة أو خانقاه أو منشأة دينية أو مدنية».
والأسبلة هي منشآت خيرية في الأساس، أنشأها الأمراء والسلاطين والحكام والأثرياء لسقاية المارة، كنوع من الصدقة الجارية، ويوجد بالقاهرة عدد كبير من الأسبلة، يتركز معظمها في الأسواق والأحياء التجارية مثل شارع المعز، وشارع الصليبة، وحي الجمالية، وحي الغورية وحي السيدة زينب وغيرها.
ووفقا لوزارة السياحة والآثار فإن الأمير الكبير سيف الدين شيخو العمري الناصري، بنى السبيل في عام 775هـ، 1354 م، وينسب الأمير شيخو إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وتدرج في وظائف الدولة حتى بلغ مكانة عظيمة في عهد المظفر حاجي ابن الناصر محمد، ويتكون السبيل من واجهة واحدة على شكل مستطيل تطل على شارع باب الوداع، تتوسطها حنية مجوفة، يوجد داخلها خمسة عقود مدببة في صف واحد، ويتوسط هذه الحنية فتحة الدخول إلى السبيل حيث تفضي إلى حجرتين، الواحدة تلو الأخرى.
وكغيره من المباني الأثرية في القاهرة، تعرض السبيل للإهمال، مما أدى لسوء حالته، وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قام مجموعة من متطوعي «مبادرة سيرة القاهرة للحفاظ على تراث العاصمة» بتنظيف السبيل وإزالة القمامة والرديم منه.
ويتميز سبيل شيخو بزخارفه النباتية المتداخلة، وهو العنصر الزخرفي الذي يزين بحر العقود الموجودة بالواجهة الرئيسية، يليه شريط كتابي يزين واجهة السبيل، بالإضافة إلى النصوص الكتابية الخاصة بالأمير شيخو.
ويأتي البدء في ترميم سبيل شيخو بعد أيام قليلة من إعلان وزارة السياحة والآثار الانتهاء من ترميم سبيل رقية دودو في منطقة سوق السلاح، ضمن مشروع ترميم وإنقاذ 100 مبنى أثري بالقاهرة التاريخية.
ويقول محمود عبد الباسط، مدير عام مشروع تطوير القاهرة التاريخية، لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المقرر الانتهاء من أعمال ترميم سبيل كتاب حسن أغا كوكليان، وسبيل مصطفى سنان، وواجهة حمام بشتاك، خلال الأسابيع القليلة المقبلة ضمن مشروع ترميم وإنقاذ 100 أثر بالقاهرة التاريخية».
وأوضح عبد الباسط أن «المشروع يستهدف تطوير ورفع كفاءة المباني الأثرية الموجودة في منطقة سوق السلاح، وتحويل الشارع إلى ممر سياحي وإعادة تعريف الأثر بالبيئة المحيطة بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري والأجهزة المعنية، ويستهدف المشروع مباني أثرية أخرى بنطاق مدينة القاهرة التاريخية»، مشيراً إلى أن «فكرة ترميم وإنقاذ 100 أثر هدفها إنقاذ عدد كبير من الآثار التي تحتاج إلى تدخلات نوعية، ولا تكلف ميزانيات ضخمة، وتحقق حالة الحفظ».
وأُطلق مشروع ترميم وإنقاذ 100 أثر عام 2015، وفي عام 2018 أعلنت وزارة السياحة والآثار عن البدء بترميم عشرة أسبلة ومبان أثرية بتكلفة 21 مليون جنيه، خمسة منها في منطقة السيدة زينب والخليفة وهي: سبيل أحمد أفندي سليم، وسبيل يوسف بك، وقبة الخلفاء العباسيين، وقبة سنجر المظفر، وقبة وزاوية أيديكن، وأربعة بمنطقة الدرب الأحمر والسيدة عائشة وهي: سبيل كتاب رقية دودو، وسبيل كتاب حسن أغا كوكليان، وسبيل مصطفى سنان، وواجهة حمام بشتاك، إضافة إلى مبنى أثري بمنطقة الأزهر والغوري وهو منزل جمال الدين الذهبي.
وقال عبد الباسط إنه «حتى الآن انتهت أعمال الترميم للعديد من الآثار المستهدفة، برفع الكفاءة، والصيانة، والتدخل النوعي، لإظهار العناصر الزخرفية، وفتح الأثر للجمهور، ويجري حاليا العمل في نحو 14 مشروعا آخر، سيتم تسلم سبعة منها خلال الفترة المقبلة، بعد الانتهاء من الترميم»، لافتاً إلى أنه «يجري باستمرار تحديث قائمة الآثار المستهدفة، ونوع التدخل المطلوب فيها، وتحديد الأولويات وفقا لحاجة الأثر وتوفر التمويل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».