اللبنانيون يستضيفون «جويس» القطبية... بحرارة

تساقط حبّات البرد سيؤثر من دون شك على المزروعات ولا سيما اللوزيات منها (الشرق الأوسط)
تساقط حبّات البرد سيؤثر من دون شك على المزروعات ولا سيما اللوزيات منها (الشرق الأوسط)
TT

اللبنانيون يستضيفون «جويس» القطبية... بحرارة

تساقط حبّات البرد سيؤثر من دون شك على المزروعات ولا سيما اللوزيات منها (الشرق الأوسط)
تساقط حبّات البرد سيؤثر من دون شك على المزروعات ولا سيما اللوزيات منها (الشرق الأوسط)

استفاق اللبنانيون صباح البارحة على منظر الثلج يسود الجبال وعلى حبات البرد تغطي الساحل. فكانت الطرقات كما السيارات وأسقف القرميد مغمورة بالذهب الأبيض، الذي يحل ضيفاً عليهم بعد غياب. صحيح أنّ موسم الشتاء تأخر في وصوله هذا العام إلى لبنان، إلا أن العاصفة القطبية «جويس» أحدثت الفرق. فهي حطت برحالها مصطحبة معها الرياح والصقيع والشتاء الغزير وتساقط الثلوج. كما شهدت حرارة الطقس انخفاضاً ملحوظاً وصل إلى - 2 في الجبال و5 في المدن الساحلية.
وكان مركز الرصد الجوي في مطار بيروت قد حذّر المواطنين من تأثيرات «جويس» الجوية، كونها العاصفة الأكثر قساوة التي يشهدها لبنان هذا الشتاء.
فالعاصفة آتية من ناحية روسيا وجورجيا مروراً بتركيا. وستؤثر أيضاً على بلدان أخرى كليبيا ومصر وشمال الأردن وسوريا. وستستمر في لبنان إلى ما بعد غدٍ الجمعة مع حصول بعض الانفراجات اليوم الخميس.
ويشير رئيس مركز الرصد الجوي في مطار بيروت مارك وهيبة إلى أن العاصفة «جويس» بلغت أقصى حدودها أمس الأربعاء، بحيث غطّت الثلوج المناطق على ارتفاع 600 متر مساء. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ابتداء من اليوم تخف حدة الأمطار والثلوج لتصبح متقطعة اعتباراً من الظهر مع حدوث انفراجات واسعة. وتحل موجات من الصقيع نتيجة الكتل الهوائية الباردة المستمرة مع هبوب رياح شمالية غربية، حيث يتكون الجليد على الطرقات الجبلية والداخلية اعتباراً من ارتفاع 800 متر خلال الليل، لذلك نحذر من الانزلاقات على تلك الطرقات» ويتابع: «سنشهد ابتداء من غد الجمعة بداية ارتفاع بدرجات الحرارة، وضباب على المرتفعات. كما تتساقط أمطار متفرقة أحياناً مع ثلوج على ارتفاع ألف متر وما فوق. وتستمر الحرارة متدنية رغم تحسن في الطقس، اعتباراً من صباح السبت».
واستقبل اللبنانيون «جويس» بحرارة، ولأول مرة لم يبدوا انزعاجهم من البقاء في بيوتهم بسببها، خصوصاً مع تطبيق قرار الاقفال التام في البلاد والتباعد الاجتماعي.
وتقول ريتا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أخيراً تساقطت الثلوج في برمانا، واستفقنا صباحاً على منظر الثلج يغطي المساحات والأشجار. لقد آن الأوان أن نشعر بموسم الشتاء».
ويشير مارك وهيبة إلى أنّ العاصفة «جويس» لن تكون الأخيرة هذا الشتاء؛ ومن المتوقع أن نشهد غيرها. ويتابع: «قد يمتد فصل الشتاء هذا العام حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل. ومن الطبيعي أن تحدث عندنا تقلبات في الطقس إلى حدّ العواصف».
عمّال الدليفري تضرروا من «جويس». فخدمة التوصيل المجاني إلى البيوت، الرائجة في ظل الإقفال التام في لبنان، كثّفت من تنقلاتهم على دراجاتهم النارية الصغيرة المكشوفة. ويقول فادي أحد عمال الدلفيري لـ«الشرق الأوسط»: «انهمار المطر والبرد والرياح القوية بسرعة 75 كيلومتر في الساعة، أصاب عملنا بالشلل على فترات متقطعة. وكنا نغتنم فرصة حصول بعض الانفراجات في الطقس، لنقوم بمهمتنا».
ويشير جو القارح مدير موقع «ويزر أوف ليبانون» ومقدم نشرات الطقس على قناة «إل بي سي آي»، إلى أنّ لبنان سبق وشهد عاصفة مماثلة في عام 2015. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «نشهد سنوياً عواصف مختلفة، ولكن هذا النوع الذي نعيشه اليوم، المعروف بالقطبي المنشأ والمصحوب بدرجات حرارة متدنية، لم نشهده منذ نحو 6 سنوات». ويقول إنّ تساقط حبّات البرد سيؤثر من دون شك على المزروعات ولا سيما اللوزيات منها. ويختم: «ابتداء من غد الجمعة ستبدأ العاصفة بالانحسار، إلا أن الحرارة المنخفضة ستلازمنا حتى السبت، الذي ستنحسر خلاله الأمطار».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».