«العوامات» تجد منازل جديدة مع إلغاء مسيرات «ماردي غرا»

صور تذكارية لـ«المدرب» كولينز لويس والملكة الكبرى كيم (نيويورك تايمز)
صور تذكارية لـ«المدرب» كولينز لويس والملكة الكبرى كيم (نيويورك تايمز)
TT

«العوامات» تجد منازل جديدة مع إلغاء مسيرات «ماردي غرا»

صور تذكارية لـ«المدرب» كولينز لويس والملكة الكبرى كيم (نيويورك تايمز)
صور تذكارية لـ«المدرب» كولينز لويس والملكة الكبرى كيم (نيويورك تايمز)

تدفقت أشعة شمس الغروب عبر نوافذ المستودعات حيث نحت رينيه بيير الدعائم العائمة من الإسفنج البلاستيكي ليضيف تفاصيل دقيقة إلى عشرات الزخارف الخاصة بكرنفال «ماردي غرا»، الذي يُنظّم كل عام في الولايات المتحدة والمقرر إقامته الثلاثاء.
عمل بيير الذي يمتلك شركة «كريسينت سيتي أرتيستس» فناناً في كرنفالات «ماردي غرا» السنوية طيلة الـ34 عاماً الماضية. لكنه احتاج هذه المرة، لاستكشاف طريقة جديدة لتنفيذ هذه الأشياء بعد أن ألغت المدينة المسيرات لمنع الحشود الكبيرة من التجمع. لذلك قرر هو وغيره من المحتفلين بناء طوافات أمام منازل الناس بدلاً من ذلك.
كان ذلك في منتصف شهر يناير (كانون الثاني)، ولم يتبق سوى أسابيع على الاحتفال، وكانت ملابس بيير ويداه مغطاة بالطلاء، وعمل معه اثنان من الفنانين اللذان يلتزمان بتوجهاته، وكذلك نجار مخضرم لعمل الطوافات.
لم يكن بيير متأكداً من أنّ المهرجان سيقام من الأساس. فمع انتشار فيروس كورونا، كانت السياحة من الأنشطة الأولى التي اختفت، وكان ذلك أكثر وضوحاً خلال موسم «ماردي غرا»، الذي عادة ما يدرّ ملايين الدولارات على نيو أورلينز مع بداية كل عام.
تكبدت المسيرات خسائر مالية ومعنوية. فمنذ انطلاق أول مهرجانات «ماردي غرا» في مدينة «نيو أورلينز» عام 1857. دأبت الطوافات على التجول في شوارعها يوم الثلاثاء الأخير قبل بدء الصوم الكبير، وكان آلاف من الناس يجوبون الشوارع، وتتوافد الفرق الموسيقية وفرق الرقص من كل مكان لتقديم عروضها، ليتردد صدى طبولها في أرجاء المدينة.
واستعداداً لهذا الحدث الفريد، تقضي النوادي الاجتماعية ومجموعات الفنانين والمنظمين التي تحمل أسماء مثل «كيو أوف أورفيوس»، و«كيو أوف موسيز» شهراً كاملاً من العام في إعداد العربات والاحتفالات.
بيد أنّ العام الحالي لن يحدث أي شيء. فالفرق الفنية لن تسير في الشوارع بعد أن ألغيت العروض، وسُرّح العشرات من الفنانين والنجارين.
لكن المدينة لم تكن لترحب بهذا الاستسلام. فبعد فترة وجيزة من إعلان الإلغاء، قالت سيدة تدعى ميغان بودرو على موقع التواصل «تويتر»: «لقد تقرر ذلك، وسنقوم بما يتعين علينا القيام به. فقط حوّل منزلك إلى عوامة، وألقِ كل الخرزات الموجودة في الغرفة العليا على جيرانك الذين يمشون بالقرب منك».
انطلقت الفكرة، وبدأت فرق مثل «كروز» و«موزيس»، و«ريد بينز» العمل على الفور في المنازل.
وشكلت السيدة بوردو فرق عمل تحت اسم «كروز أوف هاوس فلوتس»، وتعني «فنانو المنازل الطوافة»، التي تولت أعداد المنشآت التي زيّنوها مع آخرين حول المدينة، إذ بلغ العدد ما يقرب من 3 آلاف منزل طواف في منطقة «نيو أورليانز» الكبرى.
في هذا السياق، قالت بودرو: «أعتقد أنّ ما يجري يعكس مدى شعور الأشخاص اليائسين بشيء إيجابي يتطلعون إليه. لا يهم ما إذا كانت ميزانيتك صفر وكنت تُعدّ تدوير الصناديق الكرتونية، أو ما إذا كانت ميزانيتك تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات ولديك قصر في سانت تشارلز. نريد مشاركة كل من يريد القيام بذلك».
يقدم فريق «كرو أوف ريد بينز» وجبات الطعام للعاملين في الخطوط الأمامية ويوفرون عملاً للفنانين العاطلين عن العمل. وتقول الفرقة إنّها جمعت ما يقرب من 300 ألف دولار وأوجدت ما يقرب من 50 وظيفة حتى الآن، من خلال أحد برامجها التي تحمل اسم «أوجد عملاً لفنان من ماردي غرا».
وفي السياق ذاته، قالت كيلي ستاريت، التي طلبت من بيير تركيب طوافة في منزلها: «من الجيد أن تبدل نيو أورلينز موقفها السيئ بآخر إيجابي. لن يكون لدينا موكب؟ حسناً، سنزين المنازل وسنجد طريقة لتوظيف الفنانين وجمع الأموال للأعمال الخيرية. وهكذا سنظهر مرونة الناس في المدينة».
لن تكون جميع عروض العام الحالي احتفالية. لكنّ الناس سيرون أعضاء «ماردي غرا» من الهنود المعروفين ببدلاتهم اليدوية المتقنة وسيرون المجتمع أسود البشرة ذا التقاليد المتجذرة بالثقافة الأفريقية.
فكما حدث في أجزاء أخرى من البلاد، ضرب الفيروس العائلات السوداء في «نيو أورلينز»، وشكل المرضى من السود أكثر من ثلاثة أرباع المرضى الذين نقلوا إلى المستشفيات في جميع أنحاء المدينة جراء تفشى «كوفيد - 19» في الربيع الماضي.
ستعرض كل من الطوافات الخمس المنزلية، صورة بعرض ثمانية أقدام لرجل ماردي غرا الهندي.
وبالنسبة لبيير (54 سنة)، فقد جلبت العوامات المنزلية الأمل. وعلقت زوجته، إينيز، عندما ألغيت المسيرات في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) بقولها: «كنا نحاول العثور على عمل يكون آمناً لنا لنعيش».
ولكن رغم أنّ المسيرات لا يمكن أن تستمر، فإنّه من الممكن للعربات أن تستمر. فقد بدأ بيير في عرض بناء طوافات منزلية للآخرين.
لم يتبق سوى أقل من شهر على كرنفال «ماردي غرا»، وها قد استقل ثلاثة من موظفي بيير شاحنة وقاطعين المدينة لتركيب المنشآت. وعمل بيير على 60 منزلاً عائماً في نيو أورلينز الكبرى وحدها. واختتمت أينيز قائلة: «أحياناً يجب أن أجلس وأفكر في مدى سهولة تغيير التقاليد. نحن جزء مما يجري، وها قد أصبح الحلم حقيقة».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».