*بالتعاون المدروس مع الحرفيين المكسيكيين في «أواكساكا» وغيرها، يساعد المصممون المعاصرون في تطوير وحماية واحدة من أكثر الحرف اليدوية ديمومة في العالم
على مدار ثلاثة عقود، ابتداءً من عام 1935، قام الفنانان الألمانيان - الأميركيان جوزيف وآني ألبرز بثلاث عشرة رحلة إلى المكسيك درسوا فيها أهرامات وقصور الحضارات المتهالكة التي سبقت الغزوات الأوروبية التي بدأت في القرن السادس عشر. فقد اجتذبتهم الرسوم على أشرطة «الإغريكاس» ذات الأنماط الهندسية المعقدة التي تنتشر في فسيفساء حجرية بلون الرمال عبر الجدران العالية في موقع «ميتلا»، الأثري القديم الذي يعود لحضارة « زابوتيك» في ولاية أواكساكا الجنوبية.
كانت تلك المباني والمناظر الطبيعية مصدر إلهام لآني لتنفيذ أعمال مثل «الجدار المعلق» الشهير عام 1968 الذي صممته لردهة فندق «كامينو ريال» في مكسيكو سيتي.
بعد عشرين عاماً، عندما بدأ ماريو شافيز جوتيريز (40 عاماً)، في نسج سجادته الأولى في سن الثامنة، وجهه والده خوان، النساج الرئيسي في قرية «زابوتيك» في منطقة «تيوتيتلان ديل فالي»، نحو موقع «ميتلا» أيضاً، وأمره بإعادة إنشاء أنماط الرسم المتدرجة.
قال والده إنه من خلال عمل هذه التصميمات، يمكنه تعلم التقنيات الأساسية لنول الدواسة الخشبي للعائلة الذي يبلغ عرضه مترين. أتقن غواتريز حرفته من خلال نسخ تصميمات عائلته ودمجها في النهاية مع التصميمات الجديدة التي قُدمت بحلول الثمانينيات عندما كان بائعو السجاد الأميركيون يكلفون نساجي «أواكساكا» بصنع سجاد على طراز «نافاجو». واصل غواتريز صقل مهاراته حتى تمكن من تقديم منحنيات صعبة غير شائعة نسبياً في «زابوتيك» بشكل لا تشوبه شائبة.
في عام 2015، عرض المصمم وفنان النسيج المقيم في مدينة أواكساكا، دانيال فييلا، 37 عاماً، أعماله أمام عمل غوتيريز في متجر «هوزيك» الذي يديره مجموعة من الحرفيين المحليين. بعد فترة وجيزة، تقدم فييلا إلى غواتريز بعدد من الرسومات التي صنعها من ثوب تقليدي يشبه معطف السكان الأصليين المعروف في الكثير من مناطق المكسيك باسم «كوتشمنتل».
كانت الأنماط غير المتماثلة التي تصورها تتقاطع مع الملابس في خطوط مستقيمة وعرضية، في إشارة إلى الشبكة غير الكاملة لمدينته. كان فييلا حريصاً على التعاون مع الحرفي الذي يعتمد عمله على الأنماط التقليدية.
في هذا السياق، قال غواتريز إن «هذه التصميمات المعاصرة تجبرك على كسر تقنيتك وإعادة بنائها. وعندما تواجه هذه التحديات بنجاح، فإنك تبدأ في العثور عليها في كل قطعة تصنعها بعد ذلك».
الخط الناتج المسمى «فغمنتو» هو واحد من بين العديد من تلك التي ربطت في العقد الماضي بين مهارات الأسلاف فيما يخص حرفيي النسيج ومقاربات حضرية واضحة التصميم. وبدلاً من إضفاء الطابع الرومانسي على الحرف الأصلية كشعار ثابت للتقاليد، فإن هذه المشاريع تعامل النسيج باعتباره أحد أشكال الفن الحي التي لا تعد ولا تحصى والتي تُمارس في جميع أنحاء المكسيك، وتتطور وتتغير من خلال مواجهاتها مع التصميم المعاصر اليوم، كما في عصر «البرسيس»، وتغير أسلوبهم بالعودة إلى المهارات القديمة.
لقد مر الاهتمام بالمنسوجات المكسيكية التقليدية بين الفنانين بمراحل مد وجزر على مدار القرن الماضي، من مثالية ما بعد الثورة في لوحات فريدة كاهلو في ثلاثينيات القرن الماضي إلى أعمال المعرض الخاصة بالنساجة الدنماركية ترين إليتسجارد، التي تستخدم النول الذي استوردته من كوبنهاجن إلى «أواكساكا» منذ 30 عاماً لتعديل وتغيير طبيعة المواد والتقاليد السائدة في جنوب المكسيك.
كذلك جرى الإعلان عن منسوجات السكان الأصليين كرموز قومية يستخدمها السياسيون وزوجاتهم كاختزال للتواصل والتعاطف (السطحي) مع الناخبين الريفيين، ورفضته الطبقة الوسطى الحضرية باعتبارها آثاراً لا مكان لها في دولة حديثة.
إن الحماس تجاه المنسوجات اليوم هو جزء من حنين عالمي أكبر للأشياء المصنوعة يدوياً، إلى جانب السيراميك والأواني الزجاجية والميزكال.
يعمل معظم النساجين وفناني النسيج المكسيكيين بشكل مستقل جنباً إلى جنب مع عائلاتهم، وينتجون قطعاً لسوق السياحة والمسابقات التي ترعاها الدولة والعملاء من القطاع الخاص، وكذلك لمجتمعاتهم الخاصة. ويمكن أن يولد ذلك التعاون مجموعة واسعة من المشاكل: بعضها استعماري بلا شك، حيث يربح المصممون والبائعون المتهورون ربحاً سريعاً من خلال معاملة الحرفيين كعمالة منخفضة التكلفة. لكن أفضل الشراكات تشمل النساجين أنفسهم كجزء لا يتجزأ من عملية التصميم.
لنفكر في المصممة الهولندية المكسيكية إيما جافالدون فان ليوين بومكامب (31 عاماً) التي أسست أنماط سجادها المنسوجة في «تيوتيتلان»، على الخطوط الصارخة لفن ديكو المكسيكي. فمن خلال توسيع وتبسيط ثم كسر تصاميم مكسيكو سيتي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين إلى كتل من الألوان الزاهية، فإن بومكامب تحاكي استخدام رصائع الألماس في وسط العديد من السجاد التقليدي.
هناك مشاريع أخرى مقرها الولايات الجنوبية مثل «ريس ستوديو» الذي يديره المصمم الدومينيكي «جيفير ريس» (33 عاماً)، ومشروع «أم أيه» للفنانة المكسيكية ميليسا أفيلا (36 عاماً) التي تتخذ نهجاً معاكساً لتكييف الأشكال من العالم الطبيعي إلى بساط يتسم بالحيوية الغني بالمناظر الطبيعية السريالية لفنان مثل جوان ميرول.
في سلسلة المحتوى الداخلي لعام 2018 لريس، بات عنصر الماء الذي ربما كان نتاج مدينة وحضارة «زبوتك» يمثله ذات يوم بنهر متعرج على طول حدود السجادة في شكل خطوط عريضة. في عملها الفني، تستخدم أفيلا الشمس التي تصورها تقاليد السكان الأصليين الأخرى على أنها سلسلة من الألماس متحدة المركز ذات وجه بشري.
في أقصى الشمال، في ولاية كواويلا الحدودية القاحلة، بدأ المهندس المعماري والمصمم دانيال فاليرو البالغ من العمر 32 عاماً حياته المهنية في عام 2014 من خلال العمل جنباً إلى جنب مع النساجين السرابيين في مسقط رأسه في «سالتيلو».
بالعودة إلى التقاليد القديمة، قد تكون البطانيات المخططة النابضة بالحياة قد تطورت هناك بعد وصول المستعمرين الإسبان والمستوطنين الأصليين في نهاية القرن السادس عشر. وقد بلغ صنع الجلاليب ذروته بحلول منتصف القرن التاسع عشر، وتضاءلت خلال المائة عام الماضية مع انتشار التصنيع الحديث.
في عام 2018، عمل فاليرو مع الأخوين تامايو، وهو من آخر عائلات نسج الجلاليب المتبقية، على صنع 12 سجادة تشبه «الكولاجيليج» التي تتسم بأنصاف دوائر وأشكال ناقصة تجاوزت حواف المحيط المستطيل. تُباع المنسوجات تحت اسم مشروع «مسيتز» الذي يتصف «بخلط المعارف - وليس فقط الأعراق»، بحسب فاليرو، مضيفاً أن «كل قطعة هي شيء ليس لي فقط ولا يخصهم فحسب، بل هي شيء أكثر من ذلك».
تشغل مثل هذه الإبداعات المساحة المحدودة بين الفن والتصميم، والتقاليد والحداثة، والمدينة والدولة، والتجريد والتمثيل. هي الحدود التي طالما تعامل الحرفيون الأصليون في المكسيك معها على أنها قابلة للاختراق. الأهم من أي شيء أن «ميتلا» كانت مدينة قبل أن تستحيل خرابا، وقد تكون زخارفها - الأشكال التي ألهمت ألبرز وجوتيريز وغيرهما - مصنوعة من القطن قبل نحتها على الحجر. كل نسيج، بغض النظر عمن يصممه ومن ينسجه، هو بالتالي نقل للمعرفة - وتحول في حد ذاته.
*خدمة «نيويورك تايمز»

