ستيفان رولان يقدم تشكيلة أزياء راقية تعبق بالفن الإسباني

قال لـ «الشرق الأوسط»: لم تكن العملية سهلة لكنها أنعشتني

 حرص المصمم على التوازن الهندسي مع العنصر الفني
حرص المصمم على التوازن الهندسي مع العنصر الفني
TT

ستيفان رولان يقدم تشكيلة أزياء راقية تعبق بالفن الإسباني

 حرص المصمم على التوازن الهندسي مع العنصر الفني
حرص المصمم على التوازن الهندسي مع العنصر الفني

منذ 1968 تقريباً، العام الذي أعلن فيه المصمم كريستوبال بالنسياجا انسحابه من عالم الموضة بعد أن تغير عليه ولم يعد يتماشى مع رؤيته الفنية والإبداعية، والنقاش عن مدى جدوى الـ«هوت كوتور» ومستقبلها يعود إلى الواجهة في كل موسم. المتشائمون أكثر من يرددون هذا السؤال كأن شيئاً بداخلهم لا يريد أن يعترف بأن هذا الخط لا يزال مستمراً حتى بعد مرور أكثر من خمسة عقود على اعتزال كريستوبال. قد يتأثر بالتذبذبات الاقتصادية، وتهزه التغيرات الاجتماعية لكنه سرعان ما يُلملم قوته ويتأقلم. فضل كبير في هذا يعود إلى الإرث الغني الذي تركه كريستوبال بالنسياجا، المعروف بنحات الموضة. فقد تتلمذ على هذا الإرث مصممون كُثر ولا يزالون يغرفون منه من دون هوادة. من هؤلاء نذكر الفرنسي ستيفان رولان، وإن كانت لهذا الأخير شرعية أكبر كونه تدرب على يد كريستوبال في بداية مشواره. وكان من الصُدف أن أصبح مشغله الرئيسي الواقع في شارع جورج 5 في نفس مبنى أستاذه في الخمسينات من القرن الماضي.
مثل كريستوبال، يعشق ستيفان رولان الفن ويرى أن الـ«هوت كوتور» خط يختلف عن كل ما سواه، من ناحية أنه يتحمل إطلاق العنان للخيال إلى أقصى حد، بهدف إبداع قطع تحاكي التُحف، وليس أدل على هذا من تشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2021 التي تم عرضها من خلال فيلم مصور بعارضة واحدة كانت تكفي لتنقل لنا صورة فنية مستوحاة من إسبانيا. تشكيلة أقل ما يمكن وصفها به أنها فنية حجماً وتفصيلاً. استلهمها كما قال في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» من رسام إسباني عاش في العصر الذهبي، وهو دييغو فيلاسكيز، وآخر تأثر بالأول وعاش في القرن العشرين وهو مانولو فالديز المعروف بأسلوبه الذي يعتمد على الأحجام وانعكاسات الضوء والظل.
يستهل ستيفان رولان حديثه عن هذا التأثر قائلاً إن طريقته في العمل لم تتغير. فهي تبدأ دائماً من قاعدة هندسية معمارية أساسها «دائرة وسط مربع». يقول: «سواءً تعلق الأمر بتصميم حذاء أو قطعة أزياء، فإن أكثر ما يدهشني هو كيف أن هذا المربع الصغير يخلق قمة التوازن وهو وسط دائرة ليس لها أول ولا آخر. هذه اللقطة تجعلني دائماً أفكر كيف يمكن لأبسط الأشياء من حولنا أن تثير نظرنا في ثانية لتتملك حواسنا وتسكننا مدى الحياة».
لكي يمنح رولان هذا التوازن بُعداً أكبر ويُضفي عليها صبغة فنية مبتكرة، استلهم التشكيلة من أحد أهم الأعمال الإسبانية «لاس مينيناس» للرسام دييغو فيلاسكيز. لوحة تعد سابقة لأوانها لأنها بمثابة لقطة تصويرية واقعية تُجسد عدة شخصيات في آن واحد. تعود عبقريتها وغموضها إلى أن فيلاسكيز رسمها في زمن كان فيه فن الرسم يتركز على بورتوريهات الملوك والملكات وأصحاب القصور أو شخصيات دينية، بينما تمثل هذه الصورة شخصيات متناقضة من بينها قزم وطفلة ووصيفات إلى جانب الملك فيليب الرابع والرسام نفسه. بيد أن من بين الأشياء التي أثارت نظر المصمم في اللوحة التنورات التي وصفها قائلاً إن «استدارتها كانت من دون شكل أو خطوط واضحة». تجدر الإشارة إلى أن هذا العمل ألهم أيضاً أهم أعمال الرسام والنحات المعاصر مانولو فاسكيز، الذي جسده في منحوتات ضخمة كان لها حضور واضح في هذه التشكيلة أيضاً.
يقول ستيفان إنه لم يستهن أبداً بفكرة أن يجعل عملاً لا يزال يثير كثيراً من النقاشات حول تعقيداته وغموضه، محور تشكيلته «كنت أعرف مسبقاً أن الاستلهام من لوحة مثل (لاس مينيناس) لن يكون موضوعاً سهلاً على الإطلاق. والحقيقة أن الفكرة بدأت تخامرني منذ سنوات إلا أنني كنت دائماً أؤجلها إلى حين تتبلور الصورة في خيالي وأتوصل إلى أنسب طريقة لإعطائها حقها».
بعد سنوات من التفكير، استجمع ستيفان رولان شجاعته شاحذاً كل أدواته لهذه المهمة. كانت منحوتات فالديز رغم ضخامتها، بسيطة غابت فيها التفاصيل، وهذا ما جعلها بمثابة السهل الممتنع. لوحة فيلاسكيز في المقابل، تعكس ترف القصور في القرن السابع عشر بكل ما كان يجسده من سخاء في الزخارف واستعمال الذهب. اعتمد رولان الحل الوسط، بأن أضاف تفاصيل معدنية وترصيعات من اللؤلؤ على بعض القطع حتى يُخرجها من بساطتها المتناهية، من دون أن يُغرق في الزخرفات والتطريزات. يقول إنه ما إن بدأ عملية التصميم حتى ذابت مخاوفه وحل محلها «إحساس بالنشوة والسعادة. فقد اكتشفت أن هذه الأعمال لم تُقيدني بقدر ما منحتني مساحة شاسعة من الحرية للتعبير عما يدور بداخلي. بدأت بالرسم ثم النحت منطلقاً من فكرتي الأساسية والقائمة على وضع مربع بداخل دائرة. في المربع، استعملت التفاصيل بينما تجنبت في الدوائر، أي مبالغة في التطريز أو الزخرفة... أردتها أن تبدو ناعمة وأن تلمع مثل مرآة».
كلما توضحت الفكرة في خياله زادت جُرأته وحماسه لمزج قدرته على الرسم بعملية النحت «فالتنورة مثلاً نُحتت بالملليمتر»، كما يشرح: «حيث تعمدت تخفيف الجوانب وتصغير الخصر لكي أبرز حجم الوركين». مثل فالديز لم يستعمل المصمم طيفاً واسعاً من الألوان، بل ركز على درجات معدودات أغلبها كان الأسود والأبيض مع رشات من الذهبي. التركيز في المقابل كان على الأقمشة. فهي «الكنفاس» الذي سيمنح تصاميمه التوازن المطلوب سواءً جاءت في بنطلونات من الغازار أو من الجيرسيه باللون الأبيض المطرز بخيوط من ذهب أو مرصع بأحجار اللؤلؤ أو المالاكيت، أو في فستان بكورسيه محاك بالذهب ومطرز بالتوباز أخذ صبغة عصرية، بعد أن استعمل فيه الجلد المظفور بمساعدة حرفية إيطالية متخصصة في هذه التقنية تعرف عليها منذ سنوات وجمعتهما تعاونات سابقة. فرغم أن التنورات المستديرة تحتاج إلى عملية نحت دقيقة، فإنها لم تشكل تحدياً فنياً كبيراً مقارنة بالكورسيهات المشدودة على الجسم، حسب قوله: «كان السؤال الملح هو كيف يمكنني أن أجعلها تتناسق مع البنطلونات المنسدلة أو مع التنورات المستديرة التي نحتتها أيادي حرفيين مهرة؟ كان هذا هو التحدي الأكبر». الحل كان يكمن في المربع. فهو الذي سيعطي كل ما هو دائري بُعده الفني وشكله النهائي في الوقت ذاته. هنا جاءته فكرة الكورسيهات المصنوعة من الجلد، للتكسير من صرامة الإطلالة، أضاف إلى الصدر خيوطاً من المعدن تتدلى كأنها شلالات لخلق انسيابية كان الغرض منها أيضاً تنعيم الأحجام الضخمة وإبراز أنوثتها.
في كل المراحل، كان الهم الرئيسي لستيفان رولان هو أن يتناسب التوازن الهندسي مع العنصر الفني من دون أن ينسى أن هذه الأزياء يجب أن تكون واقعية يمكن للمرأة استعمالها بحرية. في بعض هذه التصاميم، مثلاً، اقتصر تأثير «لاس مينيناس» على الإكسسوارات أو على تسريحات الشعر التي تعامل فيها المصمم مع مصففة الشعر إيزابيل، التي يقول عنها إنها «فهمتني سريعاً بأن صاغت بأناملها السحرية رؤيتي الفنية على شكل تيجان من الذهب أو الساتان الأسود». بعد أن وضع رولان نقطة النهاية على 16 تصميماً، أعطى الإشارة إلى عارضته المفضلة، الإسبانية نيفيز ألفاريس لتنطلق، وهو يعرف مُسبقاً أنها، بجمالها الإسباني الكلاسيكي ستجسد صورة من العصر الذهبي للفن الإسباني، كما سترسخ الصورة التي رسمها في ذهنه لامرأة واثقة ومعتزة بنفسها وفي الوقت ذاته يلفها غموض ساحر. يقول: «كنت أعرف أنها ستعطي كل قطعة حقها، فبمجرد أن بدأت تمشي وتتخايل على المنصة، وعلى ثغرها ابتسامة خفيفة جداً قد لا يراها أحد سواي وعيونها مصوبة لبعيد، شعرت كما لو أنها كانت تنظر وتبتسم لكل من دييغو فيلاسكيز ومانولو فالديز وتشكرهما عوضاً عني».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.