أسماء فوزي تغازل المبتدئين بوصفات واقعية

{الأكلة الحلوة لا تشترط التعقيد}

TT

أسماء فوزي تغازل المبتدئين بوصفات واقعية

إذا كنت لا تحترف مهارات الطهي، ‏ستبدو لك متابعة ‏برامج المحترفين فيه لا تختلف كثيراً عن متابعة طبيب داخل مختبر لاكتشاف لقاح لفيروس «كورونا». صحيح أن برامج الطهي محتوى ممتع ولكن ما يقدمه محترفوه حول العالم أصبح يحمل كثيراً من التعقيد. مكونات لم تسمع عنها من قبل وتطبيقات تحتاج لأنامل سحرية. يبدو أن هذا ما استفز المدونة المصرية أسماء فوزي، لدخول عالم تدوين وصفات الأكل على مواقع التواصل الاجتماعي حاملة رسالة «الأكل سعادة لا تحتمل التعقيد».
وتروي فوزي رحلتها مع تدوين الوصفات لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «علاقتي بالمطبخ بدأت منذ الطفولة، فأنا عاشقة لفنون الطهي، ولأن والدي كان قبطاناً، منحني الفرصة لمتابعة ثقافات مختلفة حول العالم، تعلمت منها أن جزءاً من روعة الوصفة هي أن تعكس شخصية وثقافة صاحبها». وتردف: «قبل أن تنطلق فكرة التدوين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كنت أدون وصفاتي وأسرار الطهي التي أتعلمها مع كل سفرة داخل مدونة ورقية، تحولت بعد سنوات إلى حساب على (إنستغرام)».
لم تتجه أسماء منذ البداية إلى دراسة الطهي، تخرجت في كلية الفنون الجميلة وعملت مدرسة لتعليم الرسم، إلا أن شغفها بالمطبخ وأسراره لم يهدأ، حتى أطلقت مدونتها 2017، حاملة رسالة وحلم. تقول: «رغم أنني أصبحت على علم بأسرار مطبخ أغلب دول العالم، فإن التحدي الحقيقي لأي طاه أو مدون وصفات هو أن ينجح في تقديم وصفة شهية تجلب الدفء لقلب محبيه وتمنحهم لحظات من السعادة دون أي تعقيد أو حسابات. الأكلة الحلوة لا تعني مكونات نادرة، ولا تحتاج تكنيكاً يستغرق ساعات، فالبساطة هي المفتاح».
المنشور الأول في مدونة أسماء كان لوجبة تفوح منها رائحة مطبخ الأم المصرية التي تنتظر عودة أبنائها من المدرسة بطبق متكامل لا يستغرق تحضيره أكثر من ساعة، فكان لطبق من الأرز الأبيض مزوداً بطبقة من البازلاء المٌزينة بقطع الجزر وينتهي برشة من اللحم المفروم، وتتذكر أسماء هذه الصورة على وجه الخصوص: «تعمدت أن تكون أول وصفة على مدونتي قريبة للأمهات، والأهم أنني قدمت هذا الطبق من بقايا طعام اليوم السابق». وتردف: «دخلت عالم الطهي من بوابة تقدير النعم ورغبة في تقديم المطبخ بشكل واقعي يخفف من أعباء الأسرة، لذا، بدأت بسلسلة وصفات معتمدة على إحياء بقايا الطعام، فمن هذا الفُتات يمكن أن تُجهز وصفة ممزوجة بالحب والرضا لتصل فوراً إلى قلب».
تفاعل المتابعين كان دافعاً لأسماء أن تمضي قدماً في طريقها، بل تأكدت أن شغفها بالطهي هو المستقبل، لذا، اتجهت إلى الدراسة الأكاديمية وحصلت على شهادة كطاهية معتمدة من «سيتي أند جيلدس» بلندن، وتروي: «في هذا الوقت قررت أسير في اتجاهين، الأول هو مدونتي التي منحتني علاقة إنسانية مع آلاف المتابعين، والثاني أن يصبح الطهي والمطبخ هما مصدر قوتي ولكن بعيدا عن المدونة التي قررت منذ البداية ألا أتكسب منها».
في الوقت الذي تعمل فيه أسماء كطاهية معتمدة في إحدى الشركات العالمية المالكة لمطاعم شهيرة مثل موري سوشي، ومينس، وتمارا وغيرها من المطاعم، وتسير نحو ترسيخ اسمها ضمن طهاة الوطن العربي بالظهور في برامج تلفزيونية مصرية وعربية، بقيت مدونتها منطقة الإبداع الأهم بالنسبة لها، تأخذنا فيها إلى عالم من الوصفات المجهزة بأنامل أم تدخل السعادة على ابنتها بطبق شهي ومتوازن يعزز جهازها المناعي. فتشارك متابعيها بوصفة «رينبو البان كيك» المجهزة من طبقات متتالية بألوان قوس قزح، تجذب العين قبل الشهية، ورغم ذلك لا تنسى مبدأ المفيد قبل اللذيذ، فبدلاً من الدقيق الأبيض اعتمدت على دقيق الشوفان، وأما الألوان فجاءت جميعها مُجهزة مما تنبته الأرض مثل البنجر والبقدونس، ولم تنس أسماء لمسة المذاق الحلو التي أضافتها بقطرات من عسل النحل بدلاً من السكر.
تحتل الشطائر جزءاً بارزاً يميز مدونة أسماء، فهي أكلة سريعة تناسب الفطور أو العشاء، ورغم بساطتها فإن لها أسرارا تأخذك إلى عالم آخر من المذاق الغني، فإذا اشتهيت شطيرة زبدة الفول السوداني في ليلة باردة من ليالي الشتاء، ستجد وصفة شطائر الزبدة مع الموز وكراميل المزينة بكرات المارشميلو والمطهية بالفرن لتأخذ لمسة قرمشة يعشها الصغار والكبار.
ثم تذهب بنا المدونة المصرية إلى أسرار المطبخ الشامي بوصفة اللبنة والحمص الممزوجة بزيت الزيتون والزعتر المجفف، وتغوص أكثر داخل قلب المطبخ اللبناني مع مكعبات الخبز المحمص مع الأعشاب المجففة.
تحلق المدونة المصرية أحياناً في سماء الوطن العربي بمطبخه الغني، ولكن سرعان ما تعود إلى ضالتها، المطبخ المصري الأصيل، فقدمت على مدونتها واحدا من الأطباق المعروفة في الريف المصري وأحيائه الشعبية إنه «البصارة» المجهزة من الفول مع مجموعة من الخضراوات الورقية مثل البقدونس والكسبرة والشبت، وتزين الطبق الأخضر ذو القوام الكثيف بحلقات البصل المقلي التي تتغلغل رائحتها داخل الروح حتى قبل أن تصل إلى الفم.
من المطبخ المصري إلى الشامي والمغربي، وصفات تختلف في التكنيك والمكونات لكنها تتفق في غاية التعبير عن المطبخ العربي الأصلي النابع من تاريخ بعيد. وتقول المدونة المصرية: «أذهب لتقديم الأطباق الأصيلة والتراثية تارة، ثم أعود بأطباق عصرية تارة أخرى، وهدفي واحد، أن أبقى حقيقية وعفوية وبسيطة أمام العالم الافتراضي الزائف الذي رسخ فكرة النخبوية، وكأن العالم على إنستغرام يتمتع بالكفيار والصلصات المعقدة، أما المتابع عليه أن يكتفي بشطيرة الجبن وحلقات الطماطم بينما يراقب حياة الترف من خلف شاشة زجاجية». تمضي أسماء في القول: «عملي في أشهر المطاعم جعلني على مقربة من أسرار أكثر الأكلات تعقيداً وغرابة، لكني أشعر بمسؤولية إسعاد من يتابعني بوصفة يمكن أن ينفذها على الفور ويشارك بها أسرته أو أصدقائه ليمنحهم لحظات من التواصل الحقيقي والسعادة الملموسة». وتضيف: «التدوين في رأيي وسيلة لتغيير ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم صورة مجتزأة غير الحقيقية».


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.