محطات تسوية الأزمة الليبية... من الصخيرات إلى جنيف

ستيفاني ويليامز -  غسان سلامة
ستيفاني ويليامز - غسان سلامة
TT

محطات تسوية الأزمة الليبية... من الصخيرات إلى جنيف

ستيفاني ويليامز -  غسان سلامة
ستيفاني ويليامز - غسان سلامة

مرت ليبيا بأزمات ومحاولات عديدة للتسوية السياسية منذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)»، قبل عشر سنوات، ولكن تظل منذ توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 2015، ووصولاً إلى محطة جنيف راهناً، هي الأبرز في تاريخ هذا الصراع الدامي على السلطة. ورغم اضطلاع البعثة الأممية بالسعي لحلحة هذه الأزمة عبر الدفع بستة مبعوثين بداية من وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الإله الخطيب، وانتهاءً بتعيين الدبلوماسي السلوفاكي المخضرم يان كوبيش، مروراً بالأكاديمي اللبناني غسان سلامة، توقفت الأزمة طويلاً عند محطة «اتفاق الصخيرات». هذا الاتفاق أفرز المجلس الرئاسي لـ«حكومة الوفاق» كي يتولى إدارة شؤون البلاد. ومنذ ذلك الحين ساد ليبيا انقسام سياسي حاد، لم يخل من اشتباكات وحروب وتصاعد لغة الكراهية.
اثنان من المبعوثين السابقين، هما الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون والدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، توليا إخراج ورعاية هذه المرحلة التي يراها غالبية المنتمين إلى شرق ليبيا سبباً في تردي الأوضاع السياسية بالبلاد. ووصفت الفترة التي تولى فيها ليون عمله بأنها الأصعب بين كل المبعوثين؛ إذ كان الاقتتال وتسلّط الميليشيات المسلحة على أشده، لكنه غادر منصبه تاركاً وراءه حالة من الغضب، ومعه «تركة» ثقيلة لخلفه كوبلر. غير أن الأخير، الذي عيّن في الفترة من 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 إلى 21 من يونيو (حزيران) 2017، أخفق أيضاً على الرغم من تجاربه السابقة في العراق وأفغانستان والكونغو الديمقراطية، وذلك بسبب خلافات الأطراف الليبية التي ساهمت إلى حد كبير في إفشال الاتفاق.
في المقابل، يُحسب للمبعوث الأممي السابق الدكتور غسان سلامة، أنه أحدث تقدماً ملحوظاً - وفقاً لليبيين أنفسهم - في ملفات عدة، أهمها المصالحة والحوار بين كثير من الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة، منذ تعيينه في يونيو 2017. كذلك نجح في إجراء تعديلات على «اتفاق الصخيرات»، معتمداً على تراكم خبرات سابقة بصفته وزيراً وأستاذاً جامعياً. لكن العملية العسكرية على طرابلس، التي أمر بها المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، قبل أيام من عقد «مؤتمر جامع» كان يعد له سلامة عطّلت خطته الأممية لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد، ولـ«أسباب صحية» فضّل سلامة ترك منصبه في مطلع مارس (آذار) 2020، لتتولى نائبته ستيفاني ويليامز، رئاسة البعثة بالإنابة.
وسارت ويليامز (الأميركية الجنسية) على خطى سلامة، فراحت تعمل على إكمال المسارات الثلاثة التي انتهى إليها «مؤتمر برلين» في 19 يناير (كانون الثاني) 2020، بحضور 12 رئيس دولة، وهي المسارات العسكري (5+5)، والاقتصادي، والسياسي. ويوم 9 نوفمبر 2020 احتضنت تونس أولى جلسات الحوار بين الأفرقاء الليبيين بإشراف الأمم المتحدة، في مسعى للتوصل إلى تفاهمات لإنهاء النزاع والترتيب لوضع مؤسسات الحكم الدائمة. وبدأت البعثة من خلال قائمة ضمت 75 اسماً، من مختلف مدن ومناطق ليبيا، يمثلون التوجهات السياسية والاجتماعية كافة، العمل على اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة.
في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وقّع وفدا اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» في جنيف، اتفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية؛ وجاء الاتفاق بعد أربعة أيام من بدء جولة مباحثات هي الرابعة من نوعها للجنة، ووصفت ويليامز هذه الخطوة بأنها «علامة فارقة تبعث على الأمل لدى الشعب الليبي».
ويوم 16 يناير 2021، أعلنت الممثلة الأممية، أن «ملتقى الحوار السياسي» سيصوّت على آلية لاختيار السلطة التنفيذية المؤقتة، بعدما لفتت إلى أن اللجنة الاستشارية الليبية المكونة من 18 عضواً توصلت لاتفاق على مقترح آلية اختيار السلطة التنفيذية‎‎ المؤقتة.
وأخيراً، في 5 فبراير 2021 نجح المشاركون في «ملتقى الحوار السياسي» بجنيف في اختيار السلطة التنفيذية الجديدة، لتحدث المبعوثة بالإنابة ويليامز اخترقاً غير مسبوق في الأزمة الليبية، بالنظر إلى ما حظيت به هذه الخطوة من تأييد وإجماع دولي وإقليمية ومحلي. وقالت فور الإعلان عن الفائزين: «بالنيابة عن الأمم المتحدة، يسعدني أن أشهد هذه اللحظة التاريخية».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»