«غوغل» تدعو إلى بناء شبكة إنترنت عربية أكثر أماناً

أشارت إلى ضرورة تحقق المستخدمين من إعدادات الخصوصية

«غوغل» تدعو إلى بناء شبكة إنترنت عربية أكثر أماناً
TT

«غوغل» تدعو إلى بناء شبكة إنترنت عربية أكثر أماناً

«غوغل» تدعو إلى بناء شبكة إنترنت عربية أكثر أماناً

دعت «غوغل» مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اتخاذ خطوات بسيطة تضمن حماية بياناتهم وخصوصيتهم وسلامتهم على شبكة الإنترنت بمناسبة يوم الإنترنت الآمن (اليوم الثلاثاء). وتستمر حملة #نِت_آمِن لأسبوع واحد تدعو الشركة خلالها المستخدمين إلى التحقق من إعدادات الخصوصية، وميزة فحص الأمان في قسم «إدارة إعدادات الخصوصية» في حساباتهم في «غوغل»؛ للمساعدة على تحديد إعدادات الخصوصية عبر مجموعة من منتجات «غوغل»، وكذلك تشجعهم على دعوة مجموعة من أفراد العائلة أو الأصدقاء للقيام بالأمر نفسه؛ بهدف بناء شبكة إنترنت عربية أكثر أماناً للجميع.
وفي هذا السياق، أعلنت الشركة أيضاً عن عقد شراكة مع مؤسسة «إنجاز العرب» ووزارات التعليم في كل من السعودية والإمارات وقطر ومصر والمغرب لتدريب 26000 طالب على برنامج «أبطال الإنترنت» الذي يعلّم الأطفال أساسيات المواطنة الرقمية والسلامة الإلكترونية ليتمكنوا من استكشاف الإنترنت بثقة وأمان. وتهدف هذه الخطوة لمساعدة الآباء والأمهات في جميع أنحاء الشرق الأوسط على تزويد أطفالهم بالأدوات اللازمة لخوض تجربة أكثر أماناً خلال مرحلة التعلم عن بُعد طوال عام 2021، وتمثل جزءاً من التزام «غوغل» بمساعدة الناس على خوض تجربة رقمية أكثر أماناً وحماية بياناتهم وخصوصيتهم.
ويمكن إحداث فارق عبر اتباع عدد من الخطوات البسيطة التي تشمل تحديث جهاز المستخدم والمتصفح بصورة دورية، واستخدام كلمات مرور فريدة يصعب تخمينها. وكذلك يساعد استخدام ميزتي «مدير إدارة كلمات المرور» و«التحقق من كلمة المرور» في توفير حماية أكبر لحسابات المستخدمين. وتساعد ميزة «التحقق من كلمة المرور» المستخدمين على التحقق من مستويات أمان كلمات المرور التي يحفظها حسابهم في «غوغل». كما يساعد تفعيل ميزة المصادقة الثنائية في توفير مستوى أعلى من الأمان للحساب في حال تعرضت كلمة المرور للسرقة.
وتتيح ميزة «إدارة إعدادات الخصوصية» للأشخاص الذين يملكون حساباً في «غوغل» على حماية خصوصيتهم وبياناتهم عبر مجموعة من الخدمات، سواء من خلال اختيار حذف سجل التصفح ومحفوظات المواقع تلقائياً، أو إيقاف تفعيل سجل المخطط الزمني في «خرائط غوغل»، وإدارة سجل المشاهدة على «يوتيوب» أو تعيين تنبيه لإجراء التحقق من الخصوصية. وتوفر صفحة التحقق من إعدادات الخصوصية وسيلة سريعة تسمح للمستخدمين تعديل إعداداتهم بحسب ما يرونه مناسباً. وبالمثل، تتيح خاصية إدارة كلمة المرور والتحقق منها إمكانية التحقق من مستوى أمان كلمات المرور التي حفظها المستخدم في حسابه في «غوغل».
الجدير ذكره، أن أكثر من 200 مليون شخص يزورون صفحة التحقق من إعدادات الخصوصية كل عام. وسيتمكن الأشخاص الذين يكملون إجراء التحقق من إعدادات الخصوصية وكلمة المرور من مشاركة «شارة»، وسيتم تشجيعهم على دعوة مجموعة من الأصدقاء وأفراد العائلة للقيام بالأمر نفسه والمساعدة في إنشاء شبكة ويب عربية أكثر أماناً.
وإضافة إلى الخطوات السابقة، ستشارك «غوغل» نصائح يومية خلال الفترة بين 9 و15 فبراير (شباط) عبر حسابات Google Arabia في منصتي «فيسبوك» و«تويتر» لتثقيف الناس أكثر حول كيفية حماية بياناتهم والتمتع بتجربة أكثر أماناً على الإنترنت.
وصُمم برنامج «أبطال الإنترنت» لمنح الآباء والمعلمين المزيد من الأدوات للتحدث مع الأطفال بعمر 7 إلى 12 سنة حول موضوع السلامة على الإنترنت. ويقوم البرنامج على خمس ركائز أساسية وبسيطة، هي «شارك بانتباه»، و«لا تصدق الخدع»، و«احم أسرارك»، و«اللطافة من سمات الأبطال»، و«اسأل واستفسر». وتساعد هذه الدروس مجتمعة في جعل الأطفال يتعاملون بجدية مع مسألة الأمان، فضلاً عن تحفيز ثقافة التغيير الإيجابية على شبكة الإنترنت.
وتعتبر «غوغل» أن ضمان سلامة وخصوصية المستخدمين هي جزء أساسي من جهودها وخدماتها التي تصممها. وتسعى الشركة لتوفير تجربة أكثر أماناً عبر الإنترنت لجميع سكان العالم العربي، سواء من خلال تقديم تدريبات لمساعدة المعلمين والعائلات على تنشئة الأطفال ليكونوا أكثر أماناً على الإنترنت، أو فلترة الرسائل غير المرغوب بها في بريد «جي ميل»، أو عبر تقديم إعدادات التحقق من الخصوصية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)