بايدن: ليس لدى الرئيس الصيني «ذرّة ديمقراطية»

توقّع «منافسة قصوى» مع بكين... وإدارته تتراجع عن سياسات ترمب للهجرة

بايدن يتجه نحو سيارته بعد حضور القداس في كنيسة بويلمينغتون أمس (أ.ف.ب)
بايدن يتجه نحو سيارته بعد حضور القداس في كنيسة بويلمينغتون أمس (أ.ف.ب)
TT

بايدن: ليس لدى الرئيس الصيني «ذرّة ديمقراطية»

بايدن يتجه نحو سيارته بعد حضور القداس في كنيسة بويلمينغتون أمس (أ.ف.ب)
بايدن يتجه نحو سيارته بعد حضور القداس في كنيسة بويلمينغتون أمس (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، في مقابلة بُثّت مقتطفات منها أمس، إن الخصومة بين الولايات المتحدة والصين ستتخذ شكل «منافسة قصوى»، مع تأكيده على سعيه لتجنب أي «نزاع» بين أكبر قوتين اقتصاديتين.
وأوضح بايدن أنه لم يتحدث بعد إلى نظيره الصيني شي جينبينغ، ملاحظا أن ليس هناك «أي سبب لعدم الاتصال به»، لكنه أضاف في مقابلة مع شبكة «سي بي إس» «إنه (شي) قاس جدا. ليس هناك ذرة من الديمقراطية في شخصه، ولا أقول ذلك من باب الانتقاد، إنها الحقيقة فقط».
وتعتبر الصين الخصم الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة. وفي خطابه الأول عن السياسة الخارجية الخميس، تعهد بايدن «احتواء التجاوزات الاقتصادية للصين» و«أعمالها العدوانية» والدفاع عن حقوق الإنسان، لكنه لم يحدد كيفية قيامه بذلك، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وسُئل بايدن في المقابلة مع «سي بي إس» عن تفاصيل ما يعتزم القيام به، فأكد أنه يريد «التركيز على النظم الدولية»، مضيفا: «لن أتعامل مع هذا الأمر كما فعل (دونالد) ترمب. ينبغي ألا يندلع نزاع، ولكن ستكون هناك منافسة قصوى». وأوضح أنه يعرف الرئيس الصيني «جيدا»، كونه أجرى معه «24 إلى 25 ساعة من المحادثات الثنائية» حين كان نائبا للرئيس باراك أوباما بين 2009 و2017.
في سياق آخر، اتّخذ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قراراً يسحب الولايات المتحدة من اتفاقات مع ثلاث دول في أميركا الوسطى، هي السلفادور وغواتيمالا وهندوراس، كانت قيّدت قدرة الأشخاص على طلب اللجوء إلى أميركا، في سياق جهد واسع النطاق من إدارة بايدن للتراجع عن سياسات الهجرة التي أرساها سلفه الرئيس دونالد ترمب.
وأفاد بلينكن بأن الإدارة أبلغت الدول الثلاث بأنها بدأت العملية الرسمية لإنهاء الاتفاقات التي كانت جزءاً من جهود ترمب لتقييد اللجوء إلى الولايات المتحدة. وتتطلب الاتفاقات، التي كانت معلّقة منذ بدء تفشي فيروس «كورونا»، العديد من الأشخاص الذين يطلبون اللجوء على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك للذهاب بدلاً من ذلك إلى إحدى الدول الثلاث ومتابعة مطالباتهم هناك. وأعلن التعليق الفوري للاتفاقات والإنهاء في نهاية المطاف، قائلاً: «تعتقد إدارة بايدن أن هناك طرقاً أكثر ملاءمة للعمل مع الحكومات الشريكة لنا لإدارة الهجرة عبر المنطقة». وأشار إلى أن الإدارة تعتزم العمل مع السلفادور وغواتيمالا وهندوراس وغيرها من دول أميركا الوسطى للحد من بعض انعدام الأمن والفقر اللذين يتسببان في فرار الناس في المقام الأول مع الحفاظ على أمن حدود الولايات المتحدة. وأوضح أن «هذه الإجراءات لا تعني أن حدود الولايات المتحدة مفتوحة»، مضيفاً: «بينما نحن ملتزمون بتوسيع المسارات القانونية للحماية والفرص هنا وفي المنطقة، فإن الولايات المتحدة دولة لها حدود وقوانين يجب إنفاذها».
وكانت إدارة الرئيس ترمب دفعت دول أميركا الوسطى لقبول الاتفاقات كطريقة لتقليل عدد الأشخاص الذين يطلبون اللجوء في الولايات المتحدة. وقال منتقدون إن الأمر يرقى إلى حد تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها بموجب القانون الدولي لمساعدة الأشخاص الفارين من الاضطهاد، لأن أياً من الدول الثلاث لا يمكنها توفير ملاذ موثوق به.
ومنذ بداية الجائحة، كانت الولايات المتحدة تطرد بسرعة كل من يقبض عليهم على الحدود أو يطلبون اللجوء بموجب قانون الصحة العامة لمنع انتشار «كوفيد - 19». ووقع الرئيس بايدن سلسلة من القرارات التنفيذية الأسبوع الماضي أنهت سياسات ترمب للهجرة أو وضعتها قيد المراجعة. كما شكّل فريق عمل لجمع شمل عائلات أميركا الوسطى الذين فصلهم قسراً على الحدود في إطار برنامج عدم التسامح مطلقاً في عام 2018.
ووجّه الأمر نفسه وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس لمراجعة برنامج بروتوكولات حماية المهاجرين، الذي أجبر طالبي اللجوء على البقاء في المكسيك أثناء انتظارهم إجراءات المحكمة الأميركية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟