«التوغل في التفاصيل»... نهج واشنطن الجديد مع الأزمة اليمنية

الرئيس الأميركي جو بايدن لدى إعلانه سياسته الخارجية أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن لدى إعلانه سياسته الخارجية أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«التوغل في التفاصيل»... نهج واشنطن الجديد مع الأزمة اليمنية

الرئيس الأميركي جو بايدن لدى إعلانه سياسته الخارجية أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن لدى إعلانه سياسته الخارجية أول من أمس (إ.ب.أ)

مع إعلان الإدارة الأميركية الجديدة تعيين مبعوث خاص للأزمة اليمنية، وتأكيد الرئيس جو بايدن، خلال كلمته أول من أمس في وزارة الخارجية، ضرورة الوصول إلى حل سياسي سلمي ينهي الصراع المستمر في اليمن منذ بدء الانقلاب في عام 2014، يبدو أن السياسية الأميركية بدأت تأخذ بُعداً آخر وتوجهاً جديداً عن ما كانت عليه في عهد الإدارة السابقة التي كانت تنأى بنفسها عن الدخول في كثير من التفاصيل.
وخلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، كانت السياسة الأميركية المعلنة تجاه اليمن متوافقة بشكل عام مع إدارة باراك أوباما؛ أي في الفترة من عام 2014 حتى 2020، إذ كانت تقتصر مشاركة الولايات المتحدة على التصدي للإرهاب، ودعم جهود الأمم المتحدة لتعزيز الحلول السياسية للنزاعات اليمنية، وتقديم المساعدات الإغاثية للتخفيف من الأزمة الإنسانية.
وتشير مصادر أميركية سياسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة الرئيس ترمب لعبت عدداً قليلاً من المحاولات الدبلوماسية رفيعة المستوى للتوسط مباشرة في النزاعات الداخلية في اليمن، والمساهمة في الوصول إلى حل سلمي سياسي، بيد أن أطرافاً كثيرة في الإدارة، ومشرعين كبار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، وجهوا الإدارة بعدم الدخول المباشر في تلك المفاوضات في اليمن، ومنح دور أكبر لمفاوضي الأمم المتحدة لصنع السلام في البلاد، والاستمرار بدلاً من ذلك في دعم دول الخليج، وممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران.
وأفادت المصادر بأن بايدن لطالما انتقد هذا التوجه، والسياسة التي كانت تتبعها الإدارة الأميركية السابقة، وكان يرى أن الولايات المتحدة يجب أن تدخل في التفاصيل المباشرة للأزمة اليمنية، وتشارك في إيجاد الحل السلمي الذي ينهي الصراع في البلاد، على غرار ما انتهجته الإدارة في الأزمة السورية.
«لهذه الغاية، كانت الإدارة داعمة إلى حد كبير لحملة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، باستثناء الحالات التي غير فيها ضغط الكونغرس نهج الإدارة، أو استدعى تدهور الوضع الإنساني في اليمن تغييراً في سياسة الولايات المتحدة، على سبيل المثال في عام 2018. فبينما كان الحوثيون وقوات التحالف بقيادة السعودية يقاتلون في شوارع الحديدة، كان أعضاء في الكونغرس يعبرون عن غضبهم، ومارسوا ضغوطاً على الإدارة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحديدة»، وفق المصادر.
وأضافت المصادر ذاتها أن «إدارة الرئيس بايدن تدرك أن دعم إيران للحوثيين يؤدي إلى تفاقم الصراع، خاصة بعد أن عرضت وزارة الدفاع الأميركية مخابئ لمحتويات أسلحة متطورة من المحتمل أن تكون إيرانية الأصل موجهة إلى الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، ربما تكون الولايات المتحدة قد استهدفت أيضاً جيشاً رفيع المستوى من الحرس الثوري الإسلامي في اليمن».
ويذهب بعض المسؤولين الأميركيين إلى أن هناك بعض الاختلاف بين المصالح الإيرانية والحوثية، لكن إدارة ترمب حاولت العزف على هذا الوتر، ولم تنجح، مما اضطرها إلى تصنيفها جماعة إرهابية. وسبق لمسؤول في الخارجية الأميركية أن قال: «أعتقد أن هناك عناصر داخل جماعة الحوثي تدرك أن ارتباطها بإيران ليس في مصلحتها».
ولفتت المصادر السياسية إلى أن كثيراً من أعضاء الكونغرس غيروا من مواقفهم تجاه الأزمة اليمنية، وباتوا يتشاركون مع الرئيس بايدن التوجه ذاته، بتعزيز المشاركة الأميركية المباشرة في السعي لحل الأزمة.
ويأتي ذلك بعد استمرار أزمة اليمن الإنسانية الأسوأ في العالم التي تفاقمت بسبب جائحة «كوفيد-19»، إذ حث بعض أعضاء الكونغرس المسؤولين الأميركيين على المشاركة بشكل مباشر في حل الصراع. وخلال الحملة الرئاسية لعام 2020، وعد المرشح آنذاك (بايدن) بـ«إنهاء دعمنا للحرب في اليمن».
وبدورها، ترى كاثرين زيمرمان، الباحثة السياسية في مشروع «التهديدات الحرجة»، أنه يجب على إدارة بايدن رسم مسار جديد لها في اليمن، بعيداً عن السياسات القديمة في عهد الرئيسين أوباما وترمب، وهذا يعني استعادة الدور القيادي لتأمين المصالح الأميركية، بهزيمة تهديد القاعدة، والحد من النفوذ الإيراني، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومعالجة الظروف الإنسانية.
وأكدت كاثرين، في مقالة لها على موقع «معهد أميركان إنتربرايز»، أن النزاع في اليمن خلق فرصاً لتنظيم القاعدة والحوثيين بزعزعة استقرار المنطقة، وفاقمت ذلك الظروف الإنسانية السيئة، ويجب أن تساعد الولايات المتحدة في حل القضية الأساسية، وهي التقسيم المستقبلي للسلطة والموارد في اليمن. كما يجب على الولايات المتحدة ضمان عدم استفادة الحوثيين من برامج المساعدة.
وأضافت: «تحتاج إدارة بايدن إلى الحد من تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية في اليمن، وربما قد يلعب هذا الدور بشكل جيد في الكونغرس، ولكنه لن يخلق الظروف اللازمة لإنهاء حرب. كما أن الأنشطة السعودية في اليمن لا تتوقف على الدعم الأميركي».
وأشارت إلى أن الدبلوماسية الأميركية، والخطاب حول الحلول التفاوضية، ودعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة، لم تفعل شيئاً يذكر لليمنيين، معتقدة أن السياسة الأميركية السابقة فشلت، ويتعين على إدارة بايدن الآن إظهار قيادة ذكية صارمة لإبقاء الشركاء الإقليميين متماشين مع تحركها، لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في اليمن والمنطقة.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.