«عروس بيروت» يودّع مشاهديه بعد موسمين ناجحين

حقق مسلسل «عروس بيروت» نجاحاً واسعاً
حقق مسلسل «عروس بيروت» نجاحاً واسعاً
TT

«عروس بيروت» يودّع مشاهديه بعد موسمين ناجحين

حقق مسلسل «عروس بيروت» نجاحاً واسعاً
حقق مسلسل «عروس بيروت» نجاحاً واسعاً

ودّع المشاهد العربي مسلسل «عروس بيروت» بعد متابعته حلقاته الأخيرة. وترك خبر نية الشركة المنتجة للعمل «إم بي سي» بعدم تصوير جزء ثالث له أثره المحزن. فهو تابع هذه الدراما الأولى من نوعها في العالم العربي، على مدى موسمين. تعلّق بنجومها بعد أن صاروا بمثابة أفراد من عائلته. فكما ثريا (كارمن بصيبص) وفارس (ظافر العابدين) وليلى الضاهر (تقلا شمعون) الأبطال الأساسيون للعمل، كذلك باقي نجومه من جو طراد (خليل) ومرام علي (نايا) وعلاء الزعبي (طلال) وجاد أبو علي (جاد) وغيرهم، باتت تربطه بهم علاقة وطيدة.
وحملت حلقته الأخيرة أحداثاً شيّقة ومشاهد مؤثّرة. فكشفت خيوط المؤامرة التي حاكها آدم (الشقيق من أم أخرى) ضد إخوانه، وشهدت كذلك إفلاس عائلة آل الضاهر وبيعهم لقصرهم ونهاية لإمبراطوريتهم التاريخية.
وكان المشاهد عند انتهاء أحد أجزائه يترك «عروس بيروت» على أمل الالتقاء بنجومه في موسم جديد. ولكن هذه المرة جاء الفراق عنه نهائياً، بعد الإعلان عن عدم تصوير جزء ثالث منه. فشعر كأنه ترك في منتصف الطريق من دون أن يشفي غليله بأحداث جديدة من شأنها أن تحمل منحى مغايراً تماماً، عن تلك التي تابعها في الموسمين الأولين. فهو لن يتابع مصير قصة الحب التي تربط بين ليلى الضاهر (تقلا شمعون) والمحامي عادل (رفيق علي أحمد)، ولن يشاهد أحفاد ليلى الضاهر يكبرون ويواجهون مشكلات اجتماعية ونفسية عدة. كما أنهم لن يقفوا على التبدل الجذري الذي سيصيب شخصية آدم (محمد الأحمد) عندما يتحول إلى الشقيق الحنون ويعيد إلى عائلة الضاهر ما سرقه منها.
نجوم العمل بدورهم ودّعوا بعضهم بعضاً مع غصة في قلوبهم. فهم مع الوقت تحولوا إلى عائلة حقيقية بعد أن أمضوا معا نحو سنتين من التعاون.
وتعلّق تقلا شمعون في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى أن نعود ونلتقي من جديد ولكننا من دون شك سيفتقد بعضنا بعضًا وللألفة والمودة التي كانت تجمعنا، بعيداً عن التصوير، وهو أمر لا نصادفه دائماً في حياتنا المهنية». أما الممثل جو طراد فيؤكد أن «عروس بيروت» ولّد في حياته علاقات صداقة جديدة أصبحت من صلب يومياته. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إننا على اتصال دائم بعضنا مع بعضنا، وأنا شخصياً تربطني صداقة وطيدة مع الممثلة مرام علي، وكذلك مع جاد أبو علي. صحيح أن هذا العمل أنهكنا، ولا سيما في ظل زمن الوباء، وتوقف التصوير، أكثر من مرة، إلا أنه ترك لدينا تجربة رائعة لا يمكننا أن ننساها».
فيما يشير الممثل جاد أبو علي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه أحياناً يفضفض لصديقه جو طراد عن مشكلات تواجهه ويأخذ في رأيه. ويعلق: «إننا بالفعل نشكل عائلة حقيقية نشعر بالنقص، إذا لم نلتق يومياً. فنحن نعمل معاً منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 وصرنا مقربين جداً بعضنا من بعض».
تفرّق نجوم «عروس بيروت» ليخلع كل منهم الدور الذي لبسه لمدة عامين، ويتوجه إلى شخصيات جديدة، لإكمال مسيرتهم التمثيلية.
فالممثلة كارمن بصيبص بدأت بتصوير دراما قصيرة تتألف من 7 حلقات بعنوان «البريئة» من إنتاج إيغل فيلمز. وتلعب فيها دور شابة تشهد حدثاً يقلب حياتها رأساً على عقب. أما ظافر العابدين فيتابع له محبوه فيلم «خط دم» من فئة الرعب على منصة «شاهد» وينتظرون عرض أحدث أفلامه السينمائية «العنكبوت» مع أحمد السقا. وكان العابدين قد أعلن مؤخراً عن فقدانه والدته، ونعاها ناشراً صورة تجمعه بها، مرفقة بتعليق مؤثر.
أما الممثلة تقلا شمعون فهي تستعد لخلع عباءة ليلى الضاهر، من خلال دخولها قريباً أستوديوهات التصوير لعمل جديد ترفض الإفصاح عنه في الوقت الحالي. فيما الممثل محمد الأحمد بدأ في تصوير مسلسل بعنوان «للموت» إلى جانب ماغي بو غصن ودانييلا رحمة، ومن إنتاج شركة «إيغل فيلمز».
ومن ناحيتها، تجسد الممثلة مرام علي دور يارا في الجزء الثاني من مسلسل «المنصة». وهي توجد حالياً في أبوظبي لتصوير مشاهدها فيه. وتطرح من خلاله موضوعات جريئة تهمّ نساء المجتمع العربي.
الممثل جو طراد سيتعاون من جديد مع مجموعة «إم بي سي» في عمل درامي جديد بعنوان «عالحلوة والمرة». ويدخل أستوديوهات التصوير خارج لبنان في الأيام القليلة المقبلة، ومعه نيقولا معوض وباميلا الكك ودانا مارديني، ومجموعة من الممثلين السوريين واللبنانيين الذين سبق أن شاركوا في «عروس بيروت». المسلسل الجديد من نوع الدراما الطويلة المختلطة، وتدور أحداثه وفق حبكة كوميدية ورومانسية مشوقة.
انتهت حكاية «عروس بيروت» ومعها سيفتقد المشاهد عملاً درامياً حقق نجاحاً قياسياً وانتشاراً واسعاً، توّج الممثلين فيه نجوماً بامتياز. وعلى أمل الالتقاء بهم في أعمال أخرى، ستبقى تساؤلات المشاهد حول مصير آل الضاهر، لا أجوبة عليها، إلا في حال قررت الشركة المنتجة استئناف تصويره من جديد في الغد القريب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)