الحروب الجديدة جيو اقتصادية... ومشروع «نورد ستريم 2» أبرز ميادينها الأوروبية

الأميركيون يتمددون شرقاً فوق سطح الأرض والروس يعودون غرباً تحته

أنابيب تابعة لمشروع «نورد ستريم 2» في زاسنيتس الواقعة في أقصى شمال شرق ألمانيا (رويترز)
أنابيب تابعة لمشروع «نورد ستريم 2» في زاسنيتس الواقعة في أقصى شمال شرق ألمانيا (رويترز)
TT

الحروب الجديدة جيو اقتصادية... ومشروع «نورد ستريم 2» أبرز ميادينها الأوروبية

أنابيب تابعة لمشروع «نورد ستريم 2» في زاسنيتس الواقعة في أقصى شمال شرق ألمانيا (رويترز)
أنابيب تابعة لمشروع «نورد ستريم 2» في زاسنيتس الواقعة في أقصى شمال شرق ألمانيا (رويترز)

شهد القرن الحادي والعشرون ويشهد تبدلاً للوسائل التي تسعى الدول بواسطتها لتحقيق أهداف استراتيجياتها الخارجية. ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، حصل ابتعاد نسبي عن القوة العسكرية في العلاقات بين الدول إلى أساليب أكثر تطوراً تستخدم الأدوات الاقتصادية في المقام الأول.
في مجال العلاقات الدولية، أثار هذا التحول في وسائل السياسة الخارجية نقاشاً واسعاً وعميقاً حول الشأن الجيو اقتصادي الذي بات يمثل أهمية متعاظمة على حساب الاعتبارات الجيوسياسية التقليدية. فعقب الحرب الباردة وصعود العولمة في العقد الأخير من القرن العشرين، أصبح علم الاقتصاد الجغرافي الطريقة الفعالة والدقيقة لوصف الأشكال الحالية للحرب.
بدلاً من القوة «الصارمة» التي تتبع القواعد الجيوسياسية، تستخدم الدول للتقدم على خصومها في الحرب الاقتصادية الأدوات التجارية، مثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة وسلاسل العرض والطلب، واستغلال الموارد الطبيعية والمساعدات الخارجية. ولا شك في أن هذا الميدان الجديد يربك الدول غير المستعدة له لأن دينامياته و«قواعد الاشتباك» فيه مختلفة عمّا ألفه صنّاع القرار.
من خلال تقديم الحوافز (خفض الأسعار مثلاً) والتلويح بالعقوبات، تُدار لعبة القوة الجيو اقتصادية. ولعل المثال الراهن الساطع على جولة من جولات المواجهات الشرسة في هذا المجال مشروع «نورد ستريم 2» لأنابيب الغاز.

*البداية والتعقيدات
بدأت قصة خط الأنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عام 1997 مع انطلاق مشروع خط الأنابيب الأصلي، عندما اتفقت شركة «غازبروم» الروسية وشركة النفط الفنلندية «نسته» على تأسيس شركة «نورث ترانسغاز أوي» لبناء خط أنابيب من روسيا إلى شمال ألمانيا عبر بحر البلطيق، ولاحقاً تشغيله. وتعاونت شركة «نورث ترانسغاز» مع شركة الغاز الألمانية «روهرغاز» في إجراء مسح لطريق الأنابيب في المناطق الاقتصادية الخالصة لفنلندا والسويد والدنمارك وألمانيا، وكذلك إجراء دراسة جدوى لخط الأنابيب عام 1998.
وبعد سنوات من التفاوض والترتيبات مع دول مختلفة، وضع أول أنبوب لخط الأنابيب في 6 أبريل (نيسان) 2010 في المنطقة الاقتصادية السويدية الخالصة. وأُطلق بناء خط الأنابيب رسمياً في 9 أبريل 2010 في خليج بورتوفايا على ساحل بحر البلطيق.
وفي النهاية، بدأ ضخ الغاز في الخط الأول في 6 سبتمبر (أيلول) 2011. وحصل الافتتاح الرسمي لخط «نورد ستريم» في حضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي دميتري ميدفيديف ورئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 في احتفال أقيم في بلدة لوبمين الألمانية. وفي 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 افتُتح الخط الثاني للأنابيب في المشروع. ويبلغ طول الخط 1222 كيلومتراً، وبذلك يكون أطول خط أنابيب تحت البحر في العالم.
قبل ذلك، أي في العام 2011، بدأ البحث في إنشاء خطين آخرين تحت اسم «نورد ستريم 2»، بدفع من ازدياد الإقبال على استهلاك الغاز كبديل أقل كلفة وأخف تلويثاً من النفط. واستقر الرأي على توسيع المشروع ليصير قادراً على ضخ 110 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.
وفي يونيو (حزيران) 2015 وُقّع اتفاق إنشاء «نورد ستريم 2» بين الشركات المعنية، وتأخر إعطاء السلطات الألمانية إذن البناء على أراضيها حتى يناير (كانون الثاني) 2018، لتبدأ الورشة في غرايفسفالد (مدينة صغيرة في شمال شرق ألمانيا) في مايو (أيار) من العام نفسه.
لم تتأخر واشنطن في التحرك لوقف المشروع باعتباره يشكل لموسكو أداة نفوذ واسع بالنظر إلى اعتماد ألمانيا وسواها من الدول الأوروبية كثيراً على الغاز الروسي.

*أبعاد استراتيجية
جهدت الولايات المتحدة كثيراً بعد انتصارها والحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتعزز نفوذها وتَجبه المد الشيوعي – السوفياتي في القارة العجوز. فأنفقت لذلك الكثير من المال (مشروع مارشال)، وأنشأت جبهة سياسية عسكرية (حلف شمال الأطلسي)، وخاضت حرباً باردة طويلة مع العدوّ الآتي من أرض الصقيع.
بعد عقود جاء النصر عندما تفكك الاتحاد السوفياتي من الداخل، وانهارت جبهاته في شرق أوروبا لـ«تبتلعها» الولايات المتحدة الواحدة تلو الأخرى، إلى أن وصلت إلى أوكرانيا وجورجيا وسواهما، وباتت تدقّ على أبواب روسيا نفسها...
لكن ها هو الغاز يكسر الحصار عبر أنابيب تغذي الجوع الألماني إلى الطاقة. وبعد مرور المرحلة الأولى من مشروع «نورد ستريم»، وجدت واشنطن لزاماً عليها أن توقف المرحلة الثانية بكل ما أوتيت من نفوذ. وأدت الضغوط إلى تعليق شركة «أول سيز» الهولندية عملها في مد الأنابيب في البحر خشية العقوبات الأميركية.
وعُلّق العمل بالمشروع لنحو عام بعدما فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أواخر 2019 عقوبات على الشركات العاملة فيه تشمل تهديد أصولها ومنع موظفيها من دخول الولايات المتحدة. غير أن العمل استؤنف في ديسمبر الماضي، وتبقى مسافة 75 كيلومتراً فقط لإنجازه.
حالياً بدأت الضغوط من داخل الاتحاد الأوروبي على برلين تتكثف لوقف المشروع على خلفية قضية المعارض أليكسي نافالني الذي اتُّهمت الاستخبارات الروسية بمحاولة قتله بالسم، والذي دخل السجن فور عودته إلى روسيا من رحلة علاجية في ألمانيا في يناير الماضي.
وترد الحكومة الألمانية على الضاغطين بالقول إن الجمع بين قضية نافالني والحصول على مادة حيوية كالغاز لا يستقيم، وإن الأولى تعالَج مع موسكو بأدوات أخرى. وقال المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت في هذا الصدد إن «موقف الحكومة الفيدرالية من مشروع نورد ستريم 2، وهو مشروع تجاري، لم يتغير».
مهما يكن من أمر يجب وضع خط عريض تحت البعد الاستراتيجي لهذه المسألة، فعلى سبيل المثال تشتري بولندا التي باتت حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة وتستقبل آلاف الجنود الاميركيين على أراضيها، الغاز الأميركي على الرغم من أن الغاز الروسي على مرمى حجر منها.
ويفيد التذكير هنا بأن وزير الدفاع البولندي سابقاً رادوسلاف سيكورسكي شبّه مشروع الأنابيب عام 2006 بمعاهدة عدم الاعتداء للعام 1939 بين الاتحاد السوفياتي والمانيا النازية، المعروفة باسم «مولوتوف - ريبنتروب»!
وفي المقابل، تستفيد روسيا من المشروع بجعل عدد من دول أوروبا معتمدة عليها جذرياً في الحصول على الطاقة، بالإضافة إلى ما يدرّه الغاز من مال يغذّي الخزينة الروسية وبالتالي كل مشاريع توسيع نفوذ موسكو في الخارج.
تجدر الإشارة هنا، إلى أنه بعدما أكدت إدارة ترمب مراراً وتكراراً أن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي أمر يقوّض أمن القارة ويضرّ بالمصالح الأميركية، جاءت إدارة جو بايدن لتنسج على منوال الموقف نفسه. فقد قال وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، إن بايدن يتفق تماماً مع أعضاء الكونغرس على أن خط الأنابيب فكرة «سيئة».
لكن الأطراف المعنية في أوروبا وفي روسيا نفسها تنتظر الآن ما ستقوم به عملياً إدارة جو بايدن الذي حرص في مكالمته الهاتفية مع فلاديمير بوتين أخيراً على الظهور بمظهر الصارم الحازم، على عكس ما كان يبديه ترمب تجاه القيصر الروسي. غير أن بايدن لا يريد في الوقت نفسه إغضاب برلين، وهو الساعي إلى إصلاح ما تضرر من العلاقة معها أيام سلفه الذي انتقد ألمانيا مراراً ولم يخفِ مشاعره السلبية حيال المستشارة أنجيلا ميركل.
في النهاية سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ما سيجري حول مشروع «نورد ستريم 2» بأبعاده الجيو اقتصادية، خصوصاً أن اكتماله وبدء العمل فيه سيجعلان شرايين الغاز الروسي ممتدة في القارة من جهات عدة («ترك ستريم» في الجنوب الأوروبي مثلا).
... قال السناتور ريتشارد لوغار (1932 – 2019) عام 2006 ، يوم كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إن «السبب الأول لنزاع مسلح محتمل في المسرح الأوروبي والمناطق المحيطة سيكون ندرة الطاقة والتلاعب بمقدّراتها»...
الأميركيون يتمددون شرقاً فوق سطح الأرض باتجاه روسيا، والروس يعودون غرباً تحت سطح الأرض بواسطة أنابيب الطاقة. خطان لا يلتقيان، فهل يتصادمان؟


مقالات ذات صلة

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رجل يقف بجوار شعار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في أذربيجان (رويترز)

«أوبك» في «كوب 29»: التحول المتوازن في مجال الطاقة مفتاح الاستدامة العالمية

قال أمين عام «أوبك» إن النفط والغاز الطبيعي «هبة من الله»، وإن محادثات الحد من الاحتباس الحراري يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي يتحدث خلال لقاء بغرفة التجارة الأميركية بالقاهرة (وزارة البترول المصرية)

مصر تعلن زيادة إنتاج الغاز والنفط في الربع الثالث من العام الجاري

أعلن وزير البترول المصري كريم بدوي زيادة إنتاج الغاز في بلاده خلال الـ3 أشهر من يوليو إلى أكتوبر بواقع 200 مليون قدم مكعب غاز و39 ألف برميل من النفط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد موقع لاستكشاف النفط في أستراليا تابع لشركة «سانتوس»... (حساب الشركة على إكس)

«سانتوس» الأسترالية للطاقة تعتزم صرف 60 % من تدفقاتها النقدية للمساهمين

أعلنت «شركة النفط والغاز الطبيعي الأسترالية (سانتوس)» إطار عمل محدثاً لتخصيص أموالها بهدف صرف ما يصل لـ60 في المائة من إجمالي تدفقاتها النقدية الحرة للمساهمين.

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
الاقتصاد عامل غاز يسير بين الأنابيب في محطة ضغط وتوزيع لخط أنابيب الغاز يورنغوي - بوماري - أوزغورود جنوب غربي روسيا (رويترز)

روسيا تعيد بيع مزيد من الغاز في أوروبا بعد قطع الإمدادات عن النمسا

قالت شركات ومصادر إن تدفقات الغاز الروسي إلى النمسا توقفت لليوم الثاني، يوم الأحد، بسبب نزاع على الأسعار.

«الشرق الأوسط» (برلين) «الشرق الأوسط» (براغ)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».