رؤية تشكيلية جديدة للبحث عن «الذات» في معرض فني بالقاهرة

طارق الشيخ يقدم 30 عملاً متنوعاً بين الإكريلك والكولاج

رؤية تشكيلية جديدة للبحث عن «الذات» في معرض فني بالقاهرة
TT

رؤية تشكيلية جديدة للبحث عن «الذات» في معرض فني بالقاهرة

رؤية تشكيلية جديدة للبحث عن «الذات» في معرض فني بالقاهرة

تعكس مقولة الفيلسوف الألماني الشهير كانط «الفن ليس تصويراً لشيء جميل إنما تصوير جميل لشيء»، أعمال معرض «الذات» للفنان المصري طارق الشيخ، تحت عنوان «الذات»، لأنّها تجذب عينَي المتلقي إلى شخوصه المتماهية مع خطوط هندسية حادة وصارمة، فما يحدث في الغالب هو أنّ المتلقي يجدها للوهلة الأولى كائنات خرافية غير مألوفة، من ثمّ تثير دهشته وتحفزه على إعادة اكتشافها، حتى لَيفاجأ بعد نظرات فاحصة مُدققة أنّها «عادية» بل تمثله هو شخصياً، فكأنما هي في واقع الأمر رسوم تحمل دواخل المشاهد وأحواله وأسراره الشخصية على تنوعها، وها هو يواصل في معرضه المقام الآن في قاعة «أوبونتو» تقديم أطروحاته الإنسانية عبر هذه الشخوص غير التقليدية.
اعتاد الجمهور أن يجد في أعمال الشيخ احتفاءً شديداً بالعنصر البشري، كمصدر إلهام لمختلف القيم الفنية والجمالية والإنسانية، مع اهتمام خاص بالشخصية المصرية بآمالها ومعاناتها، ومن أبرز ما قدمه في معارضه شخصية «الأراجوز» تلك الدمية اليدوية ذات العينين السوداوين الواسعتين، والرأس الخشبي، والقبعة المنحنية، التي تُحرّك بقفازات قماشية لتجسد روح السخرية في مصر وتعكس إرثها الشفاهي منذ أقدم العصور، وهو المعارض اللاذع الذي أدرجته «اليونيسكو» على قائمة التراث الثقافي.
يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «يشغلني الإنسان بشكل عام، والمصري بشكل خاص، في بحثه عن الاستقرار والسعادة والحرية، فذلك هو المفهوم الرئيسي الذي أتناوله دوما، أمّا فكرة الأراجوز التي أقدمها فهي تعبير عن فلسفة الشخصية المصرية القائمة على السخرية اللاذعة حتى في أحلك الأوقات».
وفي معرضه الحالي الذي يضم نحو 30 عملاً فنياً ما بين فحم على ورق وإكريلك وكولاج تحت عنوان «الذات» يرى نفسه وسيطاً ما بين المواطن العادي في أوقاته وأحواله المختلفة والمتلقي الذي يشاهد اللوحة، طارحاً حالات التناقض والصراع داخل الإنسان المهموم دوماً بالوصول إلى هدف ما مثل الحرية والطّعام، وتحقيق الطموح والاستقرار والسعادة المنشودة: «لا أهدف إلى تجسيد ذاتي، إنّما أقدم نفسي والناس معاً، كأنّ الأفكار والرؤى التي أجسّدها بلغة بصرية هي وسيط فني أنقل عبره ما أريده من رسائل ومفاهيم للمشاهد، فأنا لا أغلق لوحاتي على نفسي، ولذلك لن يعثر عليّ المتلقي بين ثنايا اللوحة، لأنني مجرد جزء من الموضوع».
من حيث الشكل لا يقدم لنا طارق الشيخ مجرد شخصيات نألف هيئتها الخارجية، يقول: «أنْ أرسم شخصاً في صورته التقليدية هو شيء عادي، لكن ليس ذلك ما أريده، فأنا لا أسعى لاستعراض مهاراتي في الرسم، أو تقديم تشريح فني للجسد، لكنّي أعمل على أن أتعايش أنا والمتلقي مع الشخوص على مسطح لوحاتي، لنتوحد معها».
لا بتر أو حذف لبعض أجزاء الجسد الإنساني بلوحاته، كما قد يتراءى للمشاهد في البداية، لكن غاية ما في الأمر أن الشخصية عنده هي كتلة غير مرئية بشكل واضح وصريح، أي إنّه لا يقدّم لوحة كاملة جاهزة للفهم منذ اللحظة الأولى التي تقع عينا المتلقي عليها؛ في حين أنّه حين يدقق سيجد كل شيء، وسيرى أمامه جسداً عليه أن يواصل النظر إليه، وحينئذ سيعثر على سائر الأجزاء، وربما يعثر على نفسه هو شخصياً؛ فمن جزء إلى آخر يدلف داخل اللوحة بعمق ويتعرف على طبيعة الشخوص.
إلى هذا قد يجد نفسه نائماً مسترخياً على مقعد يفكر في مستقبله أو طموحه في إحدى اللوحات، وقد يجد حزمة من الأفكار من فرط تشابكها تخرج من رأسه في لوحة أخرى، وربما يرى نفسه يتحرك في ثبات نحو هدف ما، بينما قد يشاهد نفسه وقد أصابه الإحباط في عمل آخر بسبب أحلامه التي تفوق قدراته، وهكذا تُعد الأعمال في المعرض بمثابة مرآة تعكس خبايا النفس الإنسانية بأسلوب تعبيري تجريدي إلى حد كبير، موضحاً: «لا تشغلني التفاصيل والملامح الدقيقة؛ فكلها تدخل في نطاق التناول السطحي بالنسبة لما أريد أن أنقله من أطروحات ومشاعر».
بقدر من المجازفة والمهارة معاً لا يكتفي الفنان بتقديم شخوصه غير التقليدية هذه، إنّما بالإضافة إلى ذلك يقدمها بشكلها العضوي، بكتلتها وظلالها وأضوائها مع بُعد أساسي آخر هو الشكل الهندسي الصريح، ذلك من دون أي تناقض أو مَشاهد متنافرة دخيلة، ولعله نجح في تحقيق هذا الجمع بينهما بسبب تركه للخطوط الهندسية من دون إغلاق وإحكام لصرامتها، فهي تظهر في كل اللوحات مفتوحة، تاركة مساحة للتفكير والاندماج بينهما، بل يجعل الفنان في بعض اللوحات الشكل العضوي أو الإنساني يتخذ هو نفسه الشكل الهندسي، فنجد الشخص وقد تحول إلى كرسي أو مركب أو الإطار البرتقالي الذي يحيط بالإنسان، كأنّه شخص وشكل هندسي في آن واحد، ما يدعو المتلقي إلى المزيد من التوحد مع الشخوص.
طارق الشيخ من مواليد عام 1969، تخرج في كلية التربية الفنية جامعة حلوان عام 1993، وأقام العديد من المعارض الفردية، وحصل على عدة جوائز محلية ودولية وشارك في العديد من المعارض الجماعية على المستويين المحلي والدولي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».