«تسليم وتسلم» السلطة...اختبار حقيقي للديمقراطية في ليبيا

ليبيون وسط ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس مطلع فبراير الحالي (أ.ف.ب)
ليبيون وسط ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس مطلع فبراير الحالي (أ.ف.ب)
TT
20

«تسليم وتسلم» السلطة...اختبار حقيقي للديمقراطية في ليبيا

ليبيون وسط ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس مطلع فبراير الحالي (أ.ف.ب)
ليبيون وسط ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس مطلع فبراير الحالي (أ.ف.ب)

بينما تجري المداولات بين المشاركين في المنتدى السياسي الليبي بمدينة جنيف السويسرية لاختيار سلطة تنفيذية مؤقتة، يتوجس قطاع كبير من الليبيين من تعقيدات المشهد الحالي، بسبب ما يرون أنه «صعوبة مغادرة أي سلطة قائمة في ليبيا كرسي الحكم، والتخلي عن مكتسباتها التي حققتها طوال السنوات الماضية»، ويرون أن «تسليم وتسلم» السلطة سيكون محكا واختبارا حقيقيا للديمقراطية في ليبيا.
ويتعين على السلطة الجديدة، إذا ما نجح المجتمعون بجنيف في اختيار أعضاء المجلس الرئاسي، ورئيس للحكومة، أن تدير شؤون البلاد لمدة عشرة أشهر فقط، ثم تترك الحكم بعد أن تكون مهدت البلاد لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. لكن مطلعين على واقع البلاد يؤكدون صعوبة تنفيذ هذه الخطوة، لا سيما أن الأجسام السياسية، التي مرت على البلاد منذ إسقاط الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، تمسكت بمناصبها المؤقتة، ومكتسباتها، وبات يطلق عليها «شرعية الأمر الواقع».
غير أن السفير محمد البرغثي، أحد المرشحين لعضوية المجلس الرئاسي الجديد، رفض هذه المخاوف خلال تقديم برنامجه للمرحلة الانتقالية المقبلة أمام أعضاء ملتقى الحوار السياسي في جنيف، وقال إنه سيلتزم في حالة فوزه بمغادرة منصبه، فور تجهيز البلاد للاستحقاق المزمع، مستحضراً نموذج الرئيس السوداني الراحل المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي سلم السلطة طواعية للحكومة الجديدة المنتخبة آنذاك.
في المقابل، رأى سياسي ليبي من شرق البلاد، صعوبة تكرار نموذج سوار الذهب، أو القياس عليه في ليبيا، وأرجع ذلك «لاحتكام قطاع كبير من المناطق الليبية إلى السلاح، الذي تحوزه في مواجهة خصومها... ومن ثم فهي تريد التحكم في كل شيء، بداية من رفضها تخفيف أحمال الكهرباء بقوة السلاح، وصولاً إلى تمسكها بما تراه مكتسباتها، التي تحققت لها خلال السنوات العشر الماضية». مضيفا أن «التخلي عن السلطة تحول ديمقراطي لم يختبر في بلادنا بعد. فبعض المناطق دفعت بمرشحين للمنافسة على مقاعد بالسلطة الجديدة، وفي حال عدم فوزهم فسينقلبون على أي نتائج، ويشككون فيها». مبرهنا على ذلك بما حدث في انتخابات 2014، عندما رفض تيار كبير من المنتمين للإسلام السياسي الاعتراف بنتائج الانتخابات، وقاطعوها حينذاك.
وأضاف البرغثي أنه ليس أمام الليبيين من خيار إلا «خيار بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تحظى بدستور وطني، وهذا لن يتأتى بجهد فردي، بل بعمل جماعي متكامل». مؤكدا أن المؤسسات الأمنية والعسكرية «ذات طبيعة وطنية، ولا علاقة لها بالشأن السياسي»، ودعا الليبيين إلى «إرسال رسالة للعالم بأن عهداً جديداً قد بدأ بالفعل».
ويذكّر بعض المتخوفين من صعوبة عملية تسليم وتسلم السلطة، بما حدث مع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، المعترف به دولياً، عندما قدم إلى العاصمة طرابلس مطلع 2016 ليمارس مهامه، وفقاً لاتفاق (الصخيرات)، بدعم من ميليشيا «النواصي»، التي آزرته في مواجهة ميليشيات رافضة للاتفاق الجديد، الذي وقع بالمغرب نهاية 2015، لكن حكومة «الإنقاذ» غير المعترف بها دولياً، برئاسة خليفة الغويل، عارضت المجلس الرئاسي منذ اختياره في اليوم الأول، وسعى موالون لها إلى تعطيل أعمالها.
ومن بين ما ركزت عليه برامج المرشحين للسلطة التنفيذية المؤقتة «توحيد المؤسسات المنقسمة، والتجهيز للانتخابات، والعمل على المصالحة الوطنية، وإنهاء الحرب الأهلية، ووضع ميثاق وطني شامل يجرّم استخدام السلاح للوصول إلى السلطة».
وفي هذا السياق، شدد عمر بوشريدة، المرشح لعضوية المجلس الرئاسي، على ضرورة «الالتزام الأخلاقي بمدة الفترة الانتقالية ومدتها عشرة أشهر، والاستفادة من الزخم الدولي للالتزام بها»، لافتاً إلى أهمية إنجاز قانون انتخاب جديد، وتحقيق مصالحة وطنية بين الليبيين.
ومنذ رحيل النظام السابق، تم التوصل إلى اتفاقات عدة خلال السنوات الأخيرة بدعم من الأمم المتحدة، والدول المعنية بالأزمة الليبية، إلا أنها بقيت حبراً على ورق. وسجلت المبعوث الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، اختراقاً كبيراً لحلحلة المعضلة السياسية، أكثر من أي مبعوث سابق، عبر منتدى الحوار الذي انطلق بتونس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. لكن رغم ذلك برزت خلافات حول شرعية المشاركين في جلساته، بالإضافة إلى «مزاعم فساد» هدفت إلى التأثير على عملية اختيار أعضاء السلطة التنفيذية.



وفيات الكوليرا في اليمن ترتفع 37 %

نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
TT
20

وفيات الكوليرا في اليمن ترتفع 37 %

نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)

زادت الوفيات بالكوليرا في اليمن بنسبة 37 في المائة، في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات حكومية وأخرى أممية ارتفاع عدد الإصابات بمرض حمى الضنك إلى أكثر من 1400 حالة خلال أول شهرَيْن من العام الحالي، إذ احتلّت محافظة حضرموت الصدارة في عدد الإصابات المسجلة.

ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية، تمّ رصد 1456 حالة اشتباه بحمى الضنك في المحافظات الجنوبية الشرقية من اليمن منذ بداية هذا العام، ولهذا دشنت حملة جديدة لمكافحة الحمى في 8 محافظات بدعم من إدارة الحماية المدنية وعمليات المساعدات الإنسانية التابعة للاتحاد الأوروبي، وبهدف القضاء على مواقع تكاثر البعوض الناقل للمرض.

وتظهر بيانات المنظمة أن المحافظات الجنوبية الشرقية من اليمن سجلت العام الماضي 9901 حالة إصابة بحمى الضنك، من بينها 9 وفيات، في حين أكدت دائرة الترصد الوبائي في مكتب الصحة في منطقة ساحل حضرموت تسجيل 331 حالة اشتباه بالإصابة بحمى الضنك والكوليرا والحصبة، منذ بداية هذا العام وحتى 4 مارس (آذار) الحالي.

وحسب بيان دائرة الترصد الوبائي، فإن أغلب حالات الإصابة كانت بحمى الضنك بعدد 167 حالة، وتصدّرت مدينة المكلا عاصمة المحافظة القائمة في عدد الإصابات المسجلة بـ68 حالة، تلتها مديرية بروم ميفع بـ40، وغيل باوزير بـ19، ثم حجر بـ15، وأرياف المكلا 14، وتوزّعت بقية الحالات على مديريات الديس وغيل بن يمين، والشحر.

التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة (الأمم المتحدة)
التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة (الأمم المتحدة)

وأظهرت البيانات الحكومية ارتفاع حالات الاشتباه بالكوليرا إلى 81 حالة، سجلت أغلبها في مديرية حجر بعدد 36 حالة، ثم مديرية بروم ميفع 32، ومدينة المكلا 4 حالات، ومثلها في غيل باوزير، في حين بلغت حالات الاشتباه بالحصبة 83 حالة، أغلبها في عاصمة المحافظة 23 حالة، ثم مديرية غيل باوزير بـ21، ثم مديرية الديس بـ17، والشحر 11 حالة، وتوزّعت بقية الحالات على بقية مديريات ساحل حضرموت.

تعافي الحالات

مع ذلك، أكدت دائرة الترصد الوبائي أن نحو 99 في المائة من حالات الإصابة المسجلة بهذه الأمراض تماثلت للتعافي، بعدد 329، في حين تبيّن أن 57 في المائة من حالات الحصبة كانت لمصابين غير مطعّمين ولم يتلقوا أي جرعة من اللقاحات.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد ذكرت أن اليمن يتحمّل العبء الأكبر من حالات الإصابة بالكوليرا على الصعيد العالمي، مشيرة إلى أن البلاد عانت من سريان الكوليرا بصفة مستمرة لسنوات عديدة، وسجلت بين عامي 2017 و2020 أكبر فاشية للكوليرا في التاريخ الحديث.

57 % من حالات الإصابة بالحصبة في اليمن كانت لأطفال غير مطعّمين (الأمم المتحدة)
57 % من حالات الإصابة بالحصبة في اليمن كانت لأطفال غير مطعّمين (الأمم المتحدة)

وبيّنت أنه حتى 1 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أبلغ اليمن عن 249 ألف حالة مشتبه في إصابتها بالكوليرا، وحدوث 861 وفاة مرتبطة بهذا المرض منذ بداية العام الماضي. وذكرت أن هذا العدد يشكّل 35 في المائة من العبء العالمي للكوليرا، و18 في المائة من الوفيات المبلغ عنها عالمياً.

وقالت المنظمة الأممية إن عدد الحالات والوفيات المبلغ عنها ارتفع قبل نهاية العام الماضي بنسبة 37 في المائة و27 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه، وأعادت أسباب ارتفاع أرقام الإصابات والوفيات إلى إضافة بيانات أكثر تفصيلاً من جميع المحافظات اليمنية.

نقص التمويل

أكد ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها لدى اليمن، أرتورو بيسيغان، أن فاشيات الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والإسهال المائي الحاد، تفرض عبئاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من فاشيات أمراض متعددة.

وقال إن على المنظمة والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني أن تبذل جهوداً مضنية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في ظل النقص الحاد في التمويل. ونبه إلى أن «عدم الحصول على مياه الشرب المأمونة، وسوء ممارسات النظافة العامة في المجتمعات المحلية، ومحدودية فرص الحصول على العلاج في الوقت المناسب؛ تزيد من عرقلة الجهود الرامية إلى الوقاية من المرض ومكافحته».

صغار السن أكثر عرضة للإصابة بالإسهالات الحادة والكوليرا في اليمن (الأمم المتحدة)
صغار السن أكثر عرضة للإصابة بالإسهالات الحادة والكوليرا في اليمن (الأمم المتحدة)

وذكر المسؤول الأممي أن التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة تشمل التنسيق، والترصد، والقدرات المختبرية، والتدبير العلاجي للحالات، ومبادرات المشاركة المجتمعية، والمياه والصرف الصحي والنظافة العامة، والتطعيمات الفموية ضد الكوليرا، مشيراً إلى أن الاستجابة للكوليرا في اليمن تواجه فجوة تمويلية قدرها 20 مليون دولار.

تدريب وتطعيم

وفق بيانات المنظمة الأممية، أُغلق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية الفموية، بسبب نقص التمويل خلال العام الماضي، وقد دعّمت المنظمة أكثر من 25 ألف بعثة لفرق الاستجابة السريعة لاستقصاء الإنذارات وبدء تدابير المكافحة على المستوى المحلي، ووفّرت الكواشف واللوازم المختبرية لدعم جهود تأكيد حالات العدوى في 12 مختبراً مركزياً للصحة العامة.

وقالت المنظمة إنها اشترت الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية وإمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة والوقاية من العدوى ومكافحتها ووزّعتها على المرافق الصحية، ومنها مراكز علاج الإسهال الثمانية عشر المدعومة من المنظمة.

وإلى جانب ذلك، درّبت منظمة الصحة العالمية أكثر من 800 عامل، ودعّمت وزارة الصحة العامة والسكان بحملة تطعيم فموي ضد الكوليرا لتوفير الحماية لنحو 3.2 مليون شخص في 34 مديرية في ست محافظات يمنية.