انقلاب ميانمار «يخلط الأوراق» وحزب سو تشي يطالب بالإفراج عنها فوراً

إغلاق مطار العاصمة والجنود يطوقون منازل النواب... وتلويح غربي بعقوبات

قوات أمن أمام مدخل بيت ضيافة ينزل به نواب في برلمان ميانمار بالعاصمة أمس (إ.ب.أ)
قوات أمن أمام مدخل بيت ضيافة ينزل به نواب في برلمان ميانمار بالعاصمة أمس (إ.ب.أ)
TT

انقلاب ميانمار «يخلط الأوراق» وحزب سو تشي يطالب بالإفراج عنها فوراً

قوات أمن أمام مدخل بيت ضيافة ينزل به نواب في برلمان ميانمار بالعاصمة أمس (إ.ب.أ)
قوات أمن أمام مدخل بيت ضيافة ينزل به نواب في برلمان ميانمار بالعاصمة أمس (إ.ب.أ)

فيما لوّح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على العسكريين في ميانمار غداة تنفيذهم انقلاباً ضد الحكومة المدنية، دعا حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» الذي تقوده أونغ سان سو تشي إلى إطلاق سراحها فوراً، وسط تساؤلات عن سبب قيام الجيش بتحركه في هذا التوقيت بالذات.
ونقلت «رويترز» عن مدير مطار يانغون (رانغون) أمس أن ميانمار أغلقت المطار الدولي في المدينة، وهو أيضاً المطار الرئيسي في البلاد، بعد الانقلاب. وقال مدير المطار فون ماينت إن المطار سيظل مغلقاً حتى مايو (أيار)، لكنه لم يذكر تاريخاً محدداً. وذكرت صحيفة «ميانمار تايمز» أنه تم إلغاء الإذن بالهبوط والإقلاع لكافة الرحلات بما في ذلك الرحلات الإنسانية حتى يوم 31 مايو. وتُعتبر يانغون العاصمة الاقتصادية للبلاد.
ونفذ الانقلاب من دون إراقة دماء لكن الجنود لا يزالون منتشرين في عاصمة البلاد نايبيداو، حيث أوقفت أونغ سان سو تشي (75 عاماً) ومسؤولون آخرون في حزبها فجر الاثنين. وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن عسكريين طوقوا مساكن نواب، ناقلة عن نائبة في حزب أونغ سان سو تشي «إننا في مركز اعتقال في الهواء الطلق». وأضافت مفضلة عدم كشف هويتها أن سان سو تشي ورئيس الجمهورية وين مينت موضوعان «في الإقامة الجبرية» في العاصمة إلا أن الجيش لم يكشف أي معلومات عن مكان توقيفهما.
ودعا حزب أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام في 1991 إلى «إطلاق سراحها» فوراً فضلاً عن مسؤولين آخرين في الرابطة أوقفوا خلال الانقلاب. وقالت «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» على صفحتها في «فيسبوك» أمس: «ما حصل (الانقلاب) وصمة عار في تاريخ البلاد والجيش البورمي». وأضافت أن «على الجيش الاعتراف بنتائج» انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني).
وكتبت وكالة الصحافة الفرنسية، في تقرير أمس، أن الانقلاب الذي شهدته ميانمار هذا الأسبوع يحمل خطر إعادة البلاد إلى وضعها السابق كدولة منبوذة دولياً وإلغاء اتفاق لتقاسم السلطة كان يمنح الجنرالات درجة عالية من النفوذ. وأعاد مشهد الجنود المسلحين بالبنادق في شوارع نايبيداو واحتجاز أونغ سان سو تشي ذكريات أحلك أيام بورما خلال 49 عاما من الحكم العسكري.
وبعد تجربة استمرت 10 سنوات للتحول نحو نظام أكثر ديمقراطية، عاد الجنرالات إلى السلطة، ما أثار عاصفة من الإدانات الدولية والتهديد بفرض عقوبات جديدة.
وبرر الجيش انقلابه بالإصرار على أن انتخابات نوفمبر الماضي كانت مزورة. وفاز حزب الرابطة الوطنية بزعامة سو تشي بأغلبية ساحقة أكبر مما كانت عليه عندما وصل إلى السلطة في 2015، بينما منيت أحزاب مدعومة من الجيش بهزيمة محرجة.
لكن في بورما، لا يعني التفويض الانتخابي الكاسح سلطة كاملة للحكم. وبموجب ميثاق البلاد المعدّ من قبل المجلس العسكري، لا يزال الجنرالات يمسكون بمقاليد السلطة. ويخصص ربع المقاعد البرلمانية للجيش، ما يضمن له حق النقض ضد أي تغييرات في الدستور. وظلت الوزارات الرئيسية مثل الداخلية والدفاع تحت سيطرة المؤسسة العسكرية، بينما بقيت التكتلات المالية الرابحة المملوكة للجيش جزءاً أساسيا من الاقتصاد.
وقال إيرفيه ليماهيو الخبير في شؤون بورما في معهد لوي الأسترالي لوكالة الصحافة الفرنسية: «كانت دائماً علاقة مضطربة. نظام هجين - ليس استبداديا تماماً ولا ديمقراطياً تماماً... انهار تحت وطأة تناقضاته الذاتية».
وطرحت الوكالة الفرنسية سؤالاً في هذا الصدد وهو لماذا ينقلب الجنرالات على نظام يناسبهم أساساً؟ وأشارت، في معرض إجابتها عن هذا التساؤل، إلى أنه في قلب الانقلاب يقف مين أونغ هلينغ، قائد القوات المسلحة، متقلب المزاج. وأضافت أن سو تشي، التي حُبِسَت لسنوات من قبل المجلس العسكري، تعاملت بحذر مع شخصيات مثل هلينغ لتجنب إعطائهم أي ذريعة لتنفيذ انقلاب، بينما كانت تحاول إصلاح بلد متصلب دمرته سنوات من الحكم العسكري. حتى أنها دافعت بحماسة عن الحملة العسكرية الشاملة ضد مسلمي الروهينغا في بورما، وهو الموقف الذي شوّه بشدة صورتها الدولية كرمز للديمقراطية.
لكن محللين يقولون إن العلاقة بينها وبين كبار الضباط تدهورت في الواقع. وقال المدير التنفيذي لـ«معهد ميانمار (بورما) للسلام والأمن» مين زاو أو لوكالة الصحافة الفرنسية إن تلك العلاقة «توترت حقاً العام الماضي». وأضاف أن القادة المدنيين ربما قللوا من شأن اتهامات الجيش بتزوير الانتخابات وتصميمه على الطعن في النتائج. وتابع: «لم يكن هناك حوار مناسب... لم يأخذوا الأمر على محمل الجد». وأردف: «أعتقد أن ذلك كان إهانة... هناك الكثير من الأمور المتعلقة بالكبرياء».
ولا تعتبر المؤسسة العسكرية كتلة واحدة، إذ كانت بعض الأجنحة داخلها منفتحة على الإصلاح ولعبت دوراً محورياً في اتفاقية جلبت سو تشي إلى السلطة. لكن كانت هناك منذ فترة طويلة علامات استفهام حول ما إذا كان الجنرالات المحافظون ملتزمين حقاً بالديمقراطية. وتنتشر تكهنات بأن هلينغ ربما قرر التحرك مع اقتراب نهاية مسيرته داخل الجيش. وكان من المقرر أن يتقاعد في الصيف حيث سبق ولمح في السابق إلى خطط مستقبلية للترشح كسياسي مدني.
لكن الأداء المحرج لحزب «اتحاد التضامن والتنمية» المقرّب من الجيش لم يمنحه سوى أمل ضئيل في مقابل شعبية سو تشي الطاغية لدى الناخبين.
ويقول الخبير والمؤلف حول سياسات جنوب شرقي آسيا سباستيان سترانجيو للوكالة الفرنسية إنه «يبدو أن الانتصار الهائل للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في الانتخابات أدى إلى توترات مدنية – عسكرية، وأقنع مين أونغ هلينغ والقيادة العليا (للجيش) بأن الدستور لم يعد حصناً كافياً». وفرضت عقوبات سابقاً على جنرالات مثل هلينغ من قبل الولايات المتحدة لدورهم في الحملة على الروهينغا.
وكانت إدانة القادة الغربيين فورية، وحتى الصين دعت جميع الأطراف إلى «حل الخلافات».
وقال الخبير في شؤون بورما في جامعة هونغ كونغ رينو إيغريتو: «لا أعتقد بأن المخاطرة بالتعرض إلى الخزي دولياً تثير أي قلق لكبار الضباط العسكريين». وأضاف للوكالة الفرنسية أن أولويتهم الرئيسية كانت محاولة إيجاد طريقة للتعامل مع «شخصية مشهورة للغاية وشبه أسطورية هي أونغ سان سو تشي».
وفي بروكسل، قال جوزيف بوريل، الممثل الأوروبي للشؤون الخارجية، في بيان بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي: «هذه محاولة غير مقبولة لتغيير إرادة شعب ميانمار قسرياً». وأضاف: «يتوقع الاتحاد الأوروبي ضمان سلامة مواطني ميانمار ودول الاتحاد في كل الأوقات، وسيدرس الاتحاد جميع الخيارات المتاحة لديه لضمان سيادة الديمقراطية». ودعا لوقف فوري لحالة الطوارئ، واستعادة الحكومة المدنية، واصفاً أعمال الجيش بأنها غير قانونية، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن دعا أول من أمس الأسرة الدولية إلى «المطالبة بصوت واحد بتخلي الجيش فوراً عن السلطة». ويفترض أن يكون مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعاً طارئاً أمس بشأن الوضع في بورما.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».